-A +A
السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر
انتهت القمة الخليجية التشاورية التي عقدت في جدة مساء الثلاثاء 31 مايو 2016 لتضع النقاط على الحروف بعد أن توصلت إلى عدد من القرارات الجادة نحو تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة التي طال انتظار المواطن الخليجي لها منذ 35 عاما، ولتؤكد من جديد بأن عاصفة الحزم لم تزل مستمرة إلى مزيد من الإنجازات التي من أهمها قيام الاتحاد الخليجي المنشود بعد أن تزايدت من حول دول مجلس التعاون التهديدات والصراعات والحروب وباتت تهدد كياناتها واستقلالها.
لذلك فإن القراءة الدقيقة لنتائج القمة التشاورية والبحث المتعمق فيما تم التوصل إليه من قرارات، يؤكدان حقيقة واحدة وهي الإدراك التام لما يواجه دول المجلس من تهديدات غير مسبوقة في تاريخها، بسبب الأخطار المحيطة بها من دول الجوار الإقليمي التي وظفت العنصر القومي الآيديولوجي كوسيلة استراتيجية لزعزعة استقرار المنطقة لتحقيق أهدافها وتنفيذ مخططاتها التوسعية؛ فدول مجلس التعاون محاطة بمؤامرات من جميع الجهات، ابتداء من الحروب في سوريا واليمن، والصراع في العراق، وانتهاء بالمؤامرات التي تعرضت وما زالت تتعرض لها السعودية والكويت والبحرين بتخطيط وتدبير إيراني واضح ومعلن من خلال خلاياها في دول الخليج وذراعها (حزب الله الإرهابي).
وأمام هذه الأوضاع المعقّدة والمتشابكة والتحديات المتربصة بدول المجلس، فإنه لا سبيل أمامها إلا مواجهة هذه التحديات، باتحاد جهودها للتعامل معها فوريا ومعالجتها معالجة دقيقة لتطويق مخاطرها القائمة، وذلك عبر تغيير سياسة تعاملها معها من سياسة (الدبلوماسية الوقائية) الملتزمة بقواعد حسن السلوك وحل القضايا بالتفاهم وإزالة التوترات بالحوار الصريح وتكثيف التواصل وإقامة علاقات متينة وفق مبدأ تبادل المصالح، إلى (سياسة الاشتباك المباشر) عبر استخدام أساليب الهجوم الدبلوماسي والعسكري في آنٍ واحد لدرء الأطماع والتهديدات وتعزيز السيادة الوطنية والأمن والاستقرار المنشود في منطقة الخليج العربي.
فقد عانى مجلس التعاون حالة من البطء والتراخي في تنفيذ القرارات المصيرية المهمة، خاصة تلك المتعلقة بتعزيز التعاون والعمل الخليجي المشترك الذي خضع لاعتبارات وشروط ومصالح آنية لكل دولة من دول مجلس التعاون، مما أدى في نهاية المطاف إلى عرقلة رغبات قادة دول مجلس التعاون في الوصول إلى الاتحاد أو الوحدة التي نصت عليها المادة (4) في النظام الأساسي لدول مجلس التعاون؛ باعتبارها هدفا استراتيجيا مهما وضعه القادة المؤسسون في قمتهم التي عقدوها في أبوظبي في 25 مايو 1981.
وأستطيع أن أقول إن نتائج القمة الخليجية التشاورية في جدة قد أنهت مرحلة (الركود) في العمل الخليجي المشترك إلى مرحلة جديدة يمكن تسميتها بـ(مرحلة التجديد) وقد انعكس ذلك في قراراتها التالية:
أولا: إنشاء هيئة عالية المستوى من أولياء العهود تسمى (هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية) تكون مهمتها النظر في كافة القضايا المعلقة التي تعرقل الوصول إلى تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة، والتي أشبعتها اللجان الوزارية بحثا وتمحيصا طوال السنوات الماضية دون التوصل إلى توافق أو إجماع حولها. لذلك فإن تشكيل اللجنة المذكورة -كما هو واضح- وعلى هذا المستوى الرفيع جدا، يعني بأن رؤيتها لهذه القضايا ستكون رؤية مختلفة جدا ستضع المصالح المشتركة فوق كل اعتبار وستتخذ قراراتها بعيدا عن النظرة الضيقة والمصالح الآنية.
ثانيا: اتخذت القمة قرارا جماعيا بالعمل على تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين التي أقرتها قمة الرياض في ديسمبر 2015 مما يعتبر إنجازا غير مسبوق تم التوصل إليه بإجماع قادة دول المجلس، خاصة فيما يتعلق في (إمكانية الاتفاق بين عدد من دول المجلس على أي إجراءات تكاملية تراها في إطار المجلس على أن تتبعها بقية الدول متى ما كان الوقت مناسبا لها) وهذا هو التوجه الصحيح الذي أرى أنه السبيل الفعلي نحو تسريع الإجراءات المتعلقة بالانتقال من (مرحلة التعاون) إلى (مرحلة الاتحاد) بمن هو مستعد من الدول الأعضاء، ويقدم الحل العملي لتفادي (المادة التاسعة) من النظام الأساسي لمجلس التعاون التي تنص على أن «تصدر قرارات المجلس الأعلى في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت وتصدر قراراته في المسائل الإجرائية بالأغلبية».
ثالثا: اجتماعات مشتركة لوزراء الدفاع والداخلية والخارجية لتنسيق السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية نحو مزيد من الشراكة الاستراتيجية لمواجهة التحديات الإقليمية التي تهدد أمن واستقرار دول مجلس التعاون وتعزيز مكانته ودوره الإقليمي والدولي.
من هنا، تكمن أهمية وبعد نظر رؤية خادم الحرمين الشريفين كونها سوف تُسرع -بلا أدنى شك- في تنفيذ خطط ومشاريع وقرارات التكامل الاقتصادي والمواطنة الخليجية المتكاملة، على أن تلتحق الدول التي لا تسمح ظروفها الحالية بالانضمام لاحقا بما يتماشى مع أوضاعها وقوانينها. وبهذا يتحقق قيام الاتحاد الخليجي الذي يتطلع إليه مواطنو دول مجلس التعاون.

(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون