سحر الألباب بصوته الندي، وغطى أذانه الآفاق في المملكة والقارة العجوز عندما صدح بالأذان في المسجد الحرام وجبل طارق على مشارف إسبانيا، لدرجة أنه لقب بـ(بلال الحرم المكي)، بعد أن توارث المهنة من آبائه وأجداده، الذين نالوا هذا الشرف منذ 200 عام. (علي ملا) الذي ولد في سوق الليل جوار المسجد الحرام، من أسرة مكية تمتهن الأذان وصياغة الذهب والفضة، إضافة لكونهم مؤذنين، فوالده وأجداده جميعا أذنوا في المسجد الحرام فتأثر بهم ونال هذا العمل الشريف.
يقول ملا إنه درس الابتدائية في مدرسة (الرحمانية) وهي أقرب مدرسة للحرم، مضى على إنشائها الآن قرابة 100 عام، إذ كانت في بداياتها عبارة عن بيت يشرف عليه معلمو أو معلمات من أهل مكة. وقبل دخوله المدرسة التحق بالكتاتيب في المسجد الحرام ودرس في حلقة الشيخ عاشور الذي كان يحفظهم القرآن الكريم ويعلمهم الخط والحساب والحروف الهجائية، فلما دخل المدرسة كان يجيد القراءة والكتابة والحساب ولا يزال يتذكر الهدية التي منحت له عندما تفوق، وهي عبارة عن قلم رصاص (مرسمة)، ومعها حلوى.
وزاد «كنا نكتب على الألواح بالقلم البوصي، ومن هنا تعلقت بالفن والخط الجميل والرسم، وقد ساهم ذلك في توجهي مستقبلا إلى تعلم التربية الفنية. كان والدي مؤذنا وكذلك جدي، وهذا مصدر شرف واعتزاز لي، لذلك كان المناخ مهيئا لي، فالبيئة التي نشأت فيها ساعدتني على دخول هذا المجال الشريف، إضافة إلى رغبتي وهوايتي الموجودة، فصعدت منارة باب المحكمة بالحرم مؤذنا، وأنا ابن 14 ربيعا. وكان لكل عائلة منارة خاصة بها، وكانت (باب المحكمة) تخصنا. وفي تلك الفترة كانت عملية تنظيم الأذان داخل الحرم ملقاة على عائلة تسمى (بيت نائب الحرم)، فهي المسؤولة بتكليف رسمي من وزارة الأوقاف عن المؤذنين في الحرم».
الحنين إلى مكة
ويسرد ملا مرحلة ما بعد الابتدائية قائلا: «بعد إكمالي المرحلة الابتدائية في الرحمانية انتقلت دراستنا بعد هدمها لدراسة المرحلة المتوسطة في سوق المعلاة. قضيت سنة ثم انتقلت إلى مدينة جدة ودرست في مدارس الثغر النموذجية، وأذكر من زملاء الدراسة الشيخ محمد فدا، وحسان زبيدي، وأولاد جمال، والقستي وغيرهم ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن، ولم أستمر طويلا وعدت إلى مكة المكرمة وأكملت المرحلة المتوسطة فيها، ثم انتقلت إلى مدرسة العزيزية الثانوية».
وأردف «لما افتتح معهد التربية الفنية في الرياض، وكانت لدي هواية في الرسم، انتقلت إلى الرياض، ودرست التربية الفنية في المعهد من رسم وأشغال يدوية وخلافه، واستمرت دراستي أربع سنوات، وبعد تخرجي رشحت لأن أكون وكيلا للمعهد، غير أني كنت أرغب العودة إلى مكة المكرمة لكي أكون مؤذنا في الحرم، وأذكر أنه أقيم احتفال فأذنت فيه للصلاة ولما سمعني الشيخ حسن آل الشيخ أعجب بصوتي وشرحت له الأمر فساعدني في العودة إلى مكة المكرمة، إذ كان خطابي موجها إلى مدرسة عبدالله بن الزبير في وقت كان مدير التعليم يريدني أن أدرس في معهد المعلمين بمكة، إلا أن شفاعة أحد أقاربي ساعدتني في الذهاب إلى مدرسة عبدالله بن الزبير المتوسطة التي بقيت بها حتى أحلت للتقاعد المبكر».
هواية طوابع
لم يغفل علي ملا جانب الهوايات في حياته، وبين أنه يهوى الكشافة، وكان المسؤول عنها في المدرسة ولديه دورات كثيرة فيها. ولفت إلى أنه يهوى أيضا جمع الطوابع منذ صغره، ولديه البومات مليئة بها، إضافة إلى أنه يهوى جمع النقود القديمة ويملك في منزله متحفا مصغرا.
وفي جانب آخر، كشف عن مشاركاته الخارجية في بعض المناسبات، وأشار إلى أنه ساهم في افتتاح بعض المراكز الإسلامية في الخارج، وأولها في فنزويلا بمدينة (كاراكاس)، عندما افتتح مسجد الملك فهد بن عبدالعزيز هناك، إضافة إلى مشاركته في دعوات أخرى بأمريكا وأوروبا، بدعوات من مراكز إسلامية.
سر لقب.. وأذان يشفع
وعن تلقيبه بـ(بلال الحرم) ومن أطلقه عليه، قال: «ليس هناك شرف أكبر من أن يُلقب الإنسان بهذا اللقب، لقد أبلغت به بصورة مفاجئة، وأطلقته عليَّ إحدى الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية أثناء إحدى مشاركاتي خارج المملكة. أنا سعيد به وأتشرف برفع الأذان في أي وقت، وأذكر أنه حدث لي موقف ما زلت أتذكره بسبب الأذان، وهو أنني خرجت ذات يوم من البيت متأخراً -وقت الفجر تحديدا-، وكنت مسرعا لأدرك وقت الأذان، وفوجئت بدورية للمرور عند إحدى الإشارات فاستوقفتني، وسألني الشرطي عن سبب سرعتي، فقلت له: إن لدي عملا، فطلب مني الأوراق الثبوتية، ولم يكن يعرفني، فكاد أن يحرر لي مخالفة ويؤخرني عن الموعد، لولا أني تداركت الوضع وقلت له: إنني مستعجل وعندي أذان في الحرم، فقال لي: «إذن الأذان يشفع لك».