-A +A
يحيى الأمير
أهم الأسماء على جدول أعمال كبار الساسة والاقتصاديين في أمريكا هذه الأيام هو ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسط أعقد فترة تمر بها المنطقة.
إنما هذه ليست أعقد فترات المنطقة فحسب، إنها أيضا أعقد فترات السياسية الأمريكية في المنطقة وأكثرها تيها وغموضا وتواريا.

كان وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى البيت الأبيض في العام 2009 أشبه ما يكون باعتذار حضاري تقدمه أمريكا للعالم بعد سنوات من التجارب العسكرية الفاشلة في أفغانستان والعراق، رجل أسود يصبح رئيسا لأمريكا، يا لها من رسالة حضارية عليا، لكن تلك الرسالة ما لبثت أن تحولت إلى مجرد علامة ثقافية في الداخل، بينما تحولت إلى أداء سياسي بائس ومنكفئ في الخارج.
انتهت أعوام 2009 و 2010 وسط احتفاء العالم بنشوة هذا الحدث المتمثل في فوز أوباما، وبشيء من الملل السياسي لم تكن تقطعه إلا بعض تلك التصريحات الرئاسية الأمريكية التي تسعى لطمأنة العالم أن أمريكا لم تعد دولة محاربة، وبقليل أيضا من الوعود التي تصب في ذات الهدف كوعود الرئيس أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو (هذا الوعد لم يتحقق إلى الآن بعد كل تلك السنوات).
مع اندلاع الثورات في العام 2011 اتضح التحول الكبير في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة: التغيير والإصلاح من الداخل، وليس من الخارج.
هذه الفكرة مغرية جدا وجاذبة نظريا لكن كل محاولات تطبيقها واقعيا باءت بالفشل، وبعد أن كانت كثير من دول المنطقة تعج بالفوضى وفيما نجت بعض تلك الدول
ما زالت النار مشتعلة في سوريا والعراق وليبيا واليمن أيضا.
لم تستمع أمريكا إلى أصوات الحلفاء الكبار في المنطقة وأغراها صخب الحشود في الميادين العامة وهتافاتهم المجازية عن الحرية والثورة، أصغت واشنطن إلى ذلك الضجيج ولم تصغ لغيره فدشنت المنطقة واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق.
تعلقت واشنطن بالانتصارات الرمزية ورأت في حلفائها الكبار الذين حذروا من مغبة ما يجري مجرد عائق أمام بزوغ فجر الحريات والديموقراطيات في المنطقة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. كان الانتصار الرمزي الكبير الذي لهثت خلفه واشنطن يتمثل في الاتفاق النووي مع إيران والذي لم يزد المنطقة إلا اضطرابا وإطلاقا لِيَد الدولة الطائفية التي تدير أكبر معامل الإرهاب والعنف في المنطقة. ( يلاحظ الراصد تشابها في لغة التصريحات الإيرانية والأمريكية المتعلقة بثورات الربيع العربي.
الولايات المتحدة الآن تتأهب لتحول كبير يتمثل في الانتخابات الرئاسية، بضعة أشهر فقط ويغادر الرئيس المثقف البيت الأبيض، ويترقب العالم ودول المنطقة العربية على وجه الخصوص من الرئيس القادم.
وسط كل ذلك الأداء الغامض والمتراجع للسياسة الأمريكية في المنطقة لم يكن أمام دولة كالمملكة إلا أن تتحرك لتدير ملفات المنطقة وفق منطق تحالف جديد ووفق لغة سياسية تلائم المرحلة وتواجه كل تلك الأخطار في اليمن وفي سوريا وفي العراق سياسيا وعسكريا. تم كل ذلك باحترافية سياسية وعسكرية عالية دون أن نجرح كبرياء الحليف العتيق، وأحدث ذلك التحرك لغة جديدة في الشارع العربي والإسلامي وأحيا قيمة التحالفات بين دول المنطقة والتي اندثرت منذ أمد طويل.
لم تعلن المملكة أبدا استغناءها عن واشنطن ولا يمكن ذلك، لكن واشنطن تركت الفتيل الطائفي والميليشياوي يشتعل في المنطقة، فكان لا بد من يد تتحرك لإطفائه.
اليوم وبينما تستقبل أمريكا ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان فهي تستقبل السعودية الحليف والسعودية القوية والسعودية التي تدير وتقرر أبرز خطط التحول نحو مستقبل يليق بكل هذا الأداء السعودي.
وفيما لا تقل الملفات السياسية أهمية عن الملفات الاقتصادية تعزز هذه الزيارة قيمة الحليف الحاضر المؤمن بتاريخ وقوة هذا التحالف أكثر من امتعاضه من السنوات الخمس الماضية للسياسية الأمريكية في المنطقة.
هذا هو الوقت الذي يجب أن يكون للمملكة وللمنطقة صوت وحضور واضح في غرف السياسية الأمريكية ولكي يستقيم مسار واشنطن في المنطقة يجب أن تعيد قراءة تجربتها في السنوات الماضية، ويجب أن تتم تلك القراءة أيضا عبر الصوت السعودي الأكثر تأثيرا الآن في المنطقة.
وسوف نواصل تعزيزنا لهذا التحالف العميق والتاريخي سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وفي ذات الوقت فإن لدينا من اليقين والقوة والحق ما يجعلنا قادرين على الوقوف أمام أي تهديد يواجهنا، نحمل الداخل نحو المستقبل ونحمل المنطقة نحو الأمن والاستقرار.