أثناء كتابة هذه الكلمات، كان الزمن المتبقي على غروب الشمس حوالي عشرة آلاف ثانية فقط لا غير.. وقد وجدت أن في هذا الوقت من كل يوم خلال هذا الشهر الفضيل تبدأ حاسة الشم بداخلي بالتقاط روائح الطبخ بدقة لا داع لها.. وللأسف أن بعضا من تلك الروائح، بل ربما معظمها، هي حصيلة حواس «مفبركة» تبدأ من عقلي الباطني.. واليوم كانت رائحة تحضير القهوة هي نقطة التركيز، وبصراحة موضوع القهوة بالذات يحتاج لوقفة تأمل؛ لأن هذا المشروب أصبح ضمن قمة السوائل التي يستهلكها العالم يوميا بعد ماء الشرب.. (أكثر من بليون فنجان يوميا).. وتأتي ضمن مقدمة السلع في المتاجرة العالمية بعد البترول.
ونبدأ بالمصدر الأساس وهي شجرة القهوة، ولنكون أكثر دقة فنبدأ بنبات (كوفيا كانافورا) و(كوفيا وآرابيكا)، وستلاحظ أن اسم (آرابيكا) يؤكد الجذور العربية للنبات الجميل الذي يطرح ثمرات حمراء كروية صغيرة بحجم الحمص، ولون الكرز الأحمر الزاهي. وهذه الفواكه هي المصدر الأساس لنعمة البن. والكلمة العربية (بن) هي جذر الكلمة اللاتينية Bean التي يرمز معناها باللاتينية إلى انضمامها إلى عائلة البقول، ولكن الواقع أن لا علاقة لها بذلك، فهي فاكهة غنية بالزيوت والسكر والمكونات العديدة الأخرى التي تثبت وجودها عند التحميص. وفي عملية التحضير، يتم جمع الفواكه من على الأشجار التي يصل ارتفاعها إلى ما يعادل مبنى مكونا من طابقين. ويتم غسلها، ثم تجفيفها بالكامل لتقليص نسبة الماء بداخلها. وبعدها يتم تحميص الفاكهة على درجة حرارة عالية ليصل قلبها إلى حوالي مائتي درجة مئوية. وهنا تكون معظم المياه قد تبخرت من الثمرة، وتبدأ روائع هذه النعمة في الظهور، فبسبب التفاعل بين الزيوت والسكريات بداخل الفاكهة تنطلق بعض من أجمل الروائح في العالم: روائح السكر المطبوخ والشهير باسم (الكراميل)، والعسل، وبعض من الليمون والبرتقال، والعطريات الأخرى التي تجعل رائحتها فريدة وغنية للغاية. وبعد هذا التحميص تصبح الحبوب جاهزة للمرحلة المهمة وهي التحضير. ولابد من ذكر أحد أهم التفاعلات الكيمائية خلال مرحلتي التحميص والتحضير وهي منظومة (ميلارت). ومفادها أن التفاعلات الحرارية بين السكر والبروتين، أو بالأصح الأحماض الأمينية تنتج نكهة الكراميل المميزة التي تعطي العديد من المأكولات المختلفة التي ينعم علينا الله بها يوميا نكهتها المميزة. وعلى سبيل المثال نجد (الكشنة)، والعديد من أنواع الخبز، واللحوم المطبوخة، والبطاطس المقلية لها نكهتها المميزة.
ونعود إلى التحضير لنجد أن هناك العديد من الطرق التي تيسر بمشيئة الله ذوبان القهوة. وتحديدا فالتركيز هنا هو «الاشتباك» بشكل أو آخر مع الماء الساخن جدا لإجراء مئات التفاعلات الكيميائية ليخرج السائل الأسود الغني المنشط. و(وجه) القهوة أو الطبقة الجميلة على سطحها هي عبارة عن خلطة رائعة من الزيوت المحمولة على فقاقيع الغازات الناتجة عن التفاعلات تحت السطح.
أمنيـــة
من المحزن أننا لم نطور القهوة بالرغم أن جذورها التاريخية كانت في بلاد العرب، وتحديدا كانت في اليمن السعيد. وعندما كان شرب الماء في قديم الزمان يشكل خطرا عظيما على الصحة بسبب عدم نظافته، وفرت القهوة بديلا رائعا. وكانت المشروبات السائدة في الغرب كحولية ولذا كثر (المساطيل) وانخفضت الإنتاجية. ودخلت ثقافة شرب القهوة إلى أوروبا في القرن السادس عشر لتغير كل هذا. وبالرغم من اعتراض الحكومات الأوروبية عليها في البداية بسبب جذورها العربية، إلا أنها أثبتت جدواها على مر الزمن. أتمنى أن لا ننسى أن أبسط النعم علينا تحتوي على المعجزات. ومعجزات الخالق عزوجل لا تعد ولا تحصى.. وهو من وراء القصد.
ونبدأ بالمصدر الأساس وهي شجرة القهوة، ولنكون أكثر دقة فنبدأ بنبات (كوفيا كانافورا) و(كوفيا وآرابيكا)، وستلاحظ أن اسم (آرابيكا) يؤكد الجذور العربية للنبات الجميل الذي يطرح ثمرات حمراء كروية صغيرة بحجم الحمص، ولون الكرز الأحمر الزاهي. وهذه الفواكه هي المصدر الأساس لنعمة البن. والكلمة العربية (بن) هي جذر الكلمة اللاتينية Bean التي يرمز معناها باللاتينية إلى انضمامها إلى عائلة البقول، ولكن الواقع أن لا علاقة لها بذلك، فهي فاكهة غنية بالزيوت والسكر والمكونات العديدة الأخرى التي تثبت وجودها عند التحميص. وفي عملية التحضير، يتم جمع الفواكه من على الأشجار التي يصل ارتفاعها إلى ما يعادل مبنى مكونا من طابقين. ويتم غسلها، ثم تجفيفها بالكامل لتقليص نسبة الماء بداخلها. وبعدها يتم تحميص الفاكهة على درجة حرارة عالية ليصل قلبها إلى حوالي مائتي درجة مئوية. وهنا تكون معظم المياه قد تبخرت من الثمرة، وتبدأ روائع هذه النعمة في الظهور، فبسبب التفاعل بين الزيوت والسكريات بداخل الفاكهة تنطلق بعض من أجمل الروائح في العالم: روائح السكر المطبوخ والشهير باسم (الكراميل)، والعسل، وبعض من الليمون والبرتقال، والعطريات الأخرى التي تجعل رائحتها فريدة وغنية للغاية. وبعد هذا التحميص تصبح الحبوب جاهزة للمرحلة المهمة وهي التحضير. ولابد من ذكر أحد أهم التفاعلات الكيمائية خلال مرحلتي التحميص والتحضير وهي منظومة (ميلارت). ومفادها أن التفاعلات الحرارية بين السكر والبروتين، أو بالأصح الأحماض الأمينية تنتج نكهة الكراميل المميزة التي تعطي العديد من المأكولات المختلفة التي ينعم علينا الله بها يوميا نكهتها المميزة. وعلى سبيل المثال نجد (الكشنة)، والعديد من أنواع الخبز، واللحوم المطبوخة، والبطاطس المقلية لها نكهتها المميزة.
ونعود إلى التحضير لنجد أن هناك العديد من الطرق التي تيسر بمشيئة الله ذوبان القهوة. وتحديدا فالتركيز هنا هو «الاشتباك» بشكل أو آخر مع الماء الساخن جدا لإجراء مئات التفاعلات الكيميائية ليخرج السائل الأسود الغني المنشط. و(وجه) القهوة أو الطبقة الجميلة على سطحها هي عبارة عن خلطة رائعة من الزيوت المحمولة على فقاقيع الغازات الناتجة عن التفاعلات تحت السطح.
أمنيـــة
من المحزن أننا لم نطور القهوة بالرغم أن جذورها التاريخية كانت في بلاد العرب، وتحديدا كانت في اليمن السعيد. وعندما كان شرب الماء في قديم الزمان يشكل خطرا عظيما على الصحة بسبب عدم نظافته، وفرت القهوة بديلا رائعا. وكانت المشروبات السائدة في الغرب كحولية ولذا كثر (المساطيل) وانخفضت الإنتاجية. ودخلت ثقافة شرب القهوة إلى أوروبا في القرن السادس عشر لتغير كل هذا. وبالرغم من اعتراض الحكومات الأوروبية عليها في البداية بسبب جذورها العربية، إلا أنها أثبتت جدواها على مر الزمن. أتمنى أن لا ننسى أن أبسط النعم علينا تحتوي على المعجزات. ومعجزات الخالق عزوجل لا تعد ولا تحصى.. وهو من وراء القصد.