-A +A
طالب بن محفوظ(جدة)

وضع رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، حجر الأساس لترميم ثمانية مساجد تاريخية في جدة، برعاية مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز. وقال الأمير سلطان بن سلمان في حواره مع «عكاظ»: إن الهيئة وشركاءها من مؤسسات الدولة والمجتمع المحلي ومن مؤسسة التراث الخيرية تعمل على إعادة الحياة للمساجد التاريخية وتهيئتها للعبادة وإقامة الصلوات التي هي أهم وظائفها. وكشف الأمير سلطان بن سلمان صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- على رعاية برنامج خاص يُعنى بترميم 34 مسجدا تاريخيا في محيط مشروع الدرعية التاريخية. وشدد على أن الهيئة وشركاءها عندما ينهضون بهذا الملف المهم فهم يقومون به وفق تأصيل شرعي وعلمي وقانوني، مستشهدا بحديث وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في افتتاح مسجد الشافعي في جدة التاريخية العام الماضي، الذي أكد أن يكون ترميم المساجد التاريخية مبنيا على وظيفة العبادة ولا تتخذ مزارا.

• بداية ماذا عن مشروع العناية بالمساجد التاريخية.. كيف بدأت الفكرة؟

•• اهتمامنا بالمساجد التاريخية بدأ منذ أكثر من 20 عاما من خلال مؤسسة التراث الخيرية التي تم تأسيسها لعدة مهام في مقدمتها هذا الملف، وهذا العمل الذي نقوم به يعكس جهد الدولة -رعاها الله- بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للعناية ببيوت الله بصفة عامة والعناية بالمساجد التاريخية التي شهدت فترة بداية الإسلام الأولى أو فترة تأسيس هذا الوطن المبارك، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أعطى جل اهتمامه بالمساجد والمواقع التاريخية، كون المسجد المحور الأساس للدولة واجتماع الشمل، وقد وافق خادم الحرمين الشريفين على رعاية برنامج خاص يُعنى بترميم 34 مسجدا تاريخيا في محيط مشروع الدرعية التاريخية منطلق الدولة السعودية، هذا البرنامج تنفذه هيئة السياحة والتراث الوطني بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد وهيئة تطوير الرياض، كما تبرع -حفظه الله- بتكاليف ترميم مسجد الحنفي التاريخي في جدة التاريخية.

أما عن اهتمامي بهذا الملف فقد بدأ قبل نحو 26 عاما بمشاركة أمراء المناطق وأمناء المدن وغيرهم الكثير من الشركاء حيث عادت الحياة مرة أخرى لهذه المساجد التاريخية التي اندثر بعضها بسبب عوامل كثيرة، فهناك مسجد طبب في عسير، ومسجد جواثا في جدة، ومسجد الشافعي في قلب جدة التاريخية، إلى جانب 34 مسجدا في الرياض، واليوم نؤسس مع مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مرحلة ترميم ثمانية جوامع في محافظة جدة.

• هل هناك تأصيل شرعي وعلمي لقضية العناية بالمساجد التاريخية حتى لا تتحول إلى مزارات؟

•• الهيئة وشركاؤها تجاوزا هذه المرحلة منذ فترة طويلة من خلال وضوح الرؤية وسلامة المقصد، ولا بد أن نذكر وقوف سماحة مفتي عام المملكة في تأصيل موضوع العناية بالمساجد التاريخية وآراءه الرصينة ذات التأصيل الشرعي التي تلتزم بالعمل بها بالاستنارة بها، وبآراء المشايخ في كل أمر نعمل عليه.

والاهتمام بالمساجد القديمة وترميمها وإعادة بنائها ـ له أصل في الشريعة الإسلامية، وأن الفقهاء أكدوا أفضلية أداء صلوات الجمع والجماعات في المسجد القديم على المسجد الحديث، وقد أجمع فقهاء المذاهب الأربعة على هذه المسألة.

وهذا ما أكده معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ في كلمته التي ألقاها أثناء افتتاح مسجد الشافعي بجدة، كما أن المحافظة على المساجد التاريخية يجب أن تبنى على ضوابط ومنها إذا كان المسجد مهجورا ولا يصلي فيه أحد فيجب أن يكون ترميمه مبني على وظيفة تتعلق بالعبادة ولا يتخذ مزارا، والجمع بين أهداف المحافظة على الآثار الإسلامية ومنها المساجد التاريخية وبين رعاية حقوق الله تعالى التي بنيت المساجد من أجلها.

فالهيئة وشركاؤها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ووزارة الشؤون البلدية والقروية ومؤسسة التراث الخيرية، تعمل وفق إطار منهجي واضح وراسخ أن الغاية ترميم المساجد التاريخية ليس معماريا تصميميا فحسب، وإنما إعادة الحياة للمساجد وتهيئتها للعبادة التي هي أهم وظائفها.

• ماهي أبرز التحديات التي واجهتكم في إعادة الحياة للمساجد التاريخية؟

•• أي عمل لا يخلو من التحديات، وفي مجال ترميم المساجد التاريخية كان مع التنمية العمرانية السريعة التي مرت بها المملكة خلال الأربعة عقود الماضية أدى إلى الاتجاه نحو بناء مساجد حديثة وإهمال معظم المساجد التاريخية، كما تم هدم بعض المساجد التاريخية وبناء مساجد حديثة مكانها أو ترك المساجد التاريخية والانتقال إلى مساجد حديثة أخرى مما أدى إلى تهدم العديد منها، إضافة إلى إغفال البعد الديني والتاريخي والثقافي والاجتماعي والمعماري الذي تتميز به، إلى جانب ضعف التنسيق لتوظيف وتشغيل وصيانة المساجد التاريخية التي حظيت بالترميم في مرحلة سابقة الأمر الذي أدى إلى تردى وضعها المعماري، حيث أغلقت بعض المساجد ذات القيمة العالية لارتباطها بمواقع أحداث تاريخية تعود إلى بداية تكوين دولة الإسلام.

• هناك مساجد ارتبطت بتاريخ بداية الإسلام ولم تصلها بعد العناية.. هل هي مدرجة ضمن خططكم؟

•• أولا المملكة تعد متحفا إسلاميا مفتوحا، ولا يستطيع أحد أن ينافس هذه البلاد في قصص نشوء الإسلام، وقصص المواقع التاريخية التي ستعاد لها الحياة، ثانيا من ضمن التحديات فإن مساجد ذات شهرة عالية متفردة بتاريخها وبمواقعها المميزة أيضا لم تجد الاهتمام المطلوب بعد أعمال الترميم والتأهيل (مثال على ذلك مسجد أبي بكر الصديق ومسجد عمر بن الخطاب بالمدينة المنورة ومسجد الصخرة بالعلا)، إلى جانب قلة الوعي بأهمية المساجد التاريخية، وصعوبة توفير التمويل اللازم لترميم وتأهيل المساجد التاريخية، وضعف التنظيم المؤسسي لإدارة وتشغيل وصيانة المساجد التاريخية، وقد أحصت الهيئة مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد نحو 800 مسجد تاريخي ويجري العمل على تنظيم عمليات الترميم اللازمة لها.

• هل لنا أن نتعرف على بعض من مسيرة البرنامج؟

•• البرنامج يحظى بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث تبرّع -أيده الله- بنفقات ترميم مسجد الحنفي التاريخي في جدة التاريخية، إضافة إلى رعايته لبرنامج خاص للعناية بالمساجد التاريخية في محيط مشروع الدرعية التاريخية يشمل ترميم 34 مسجدا تاريخيا، وفي العام الماضي افتتح الجامع العتيق مسجد الشافعي (29 شعبان 1436هـ) بجدة التاريخية بعد الانتهاء من ترميمه الذي تكفل بنفقاته الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله-، كما تجرى حاليا أعمال الترميم لمسجد المعمار في جدة التاريخية على نفقة وقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه -رحمهم الله-، والإعلان عن تكفل الملك سلمان بن عبدالعزيز بترميم مسجد الحنفي بجدة، إضافة إلى افتتاحه مسجد الظويهرة بحي البجيري، وما أعلن عن التبرع بترميم مسجد عثمان بن عفان في جدة التاريخية وغيرها من المساجد التاريخية.