-A +A
سلمان السلمي (مكة المكرمة)
لم تلغِ الأبراج الشاهقة التي تحيط بالمسجد الحرام والفنادق الفخمة والأسواق العالمية الحديثة حنين عدد من المعتمرين وسؤالهم عن أسواق مكة وشوارعها وأزقتها القديمة التي اشتهرت بها، والتي وقعت أعينهم عليها في ذات زيارة.
فمن المعتمرين من حمل ذكريات جميلة لهذه الأحياء والأزقة القديمة، ومازالت عالقة بأذهانهم، وتكثر الأسئلة عن سوق المدعى وعن أسواق الغزة وعن شعب عامر وجبل الكعبة وجبل عمر، رغم أن بعض الأحياء اختفى في توسعة المسجد الحرام تحت أنقاض ناطحات السحاب والأبراج الفندقية مثل جبل عمر وجبل الكعبة. المعتمر سليم حميد القادم من تونس يقول: «لقد كانت آخر زيارة لي لمكة المكرمة قبل 25 عاما، حيث قمت بتأدية فريضة الحج وكانت في تلك الأيام هناك أسواق قديمة تحيط بالمسجد الحرام وخاصة سوق المدعى وأسواق الغزة والمنطقة المجاورة لها، حيث اكتسبت شهرة كبيرة حتى عندنا في تونس وخاصة سوق المدعى نظرا لكثرة محلاته التجارية وتعددها وتنوعها، وكثيرا ما كنا نأخذ هدايانا منه، حيث تتميز برخص الأسعار بخلاف ما هو حاصل الآن حيث إن الأسواق الكبيرة والأبراج المحيطة بالمسجد الحرام مرتفعة الأسعار واندثرت الميزة التي كانت تميز تلك الأسواق الجميلة.

أما بدوي حلمي القادم من مصر، تفصل بين وصوله ورحلته القديمة لمكة 18 عاما يؤكد سعادته بالتوسعة الكبيرة التي شاهدها في المسجد الحرام وكذلك العمارة الإسلامية والنقوش والزخارف والطرق والانفاق ولكنه حزين لفقد أسوق مكة القديمة التي كان يحرص على الشراء منها، ويضيف: «كنا نحرص على الشراء من محلات العطارة الكثيرة التي كانت منتشره في سوق المدعى وفي أسواق الغزة، ونحرص كذلك على شراء البطانيات والأغطية من هذه المنطقة». ومن أبرز أسواق مكة المكرمة التي تمت إزالتها سوق المدعى وسوق الليل والسوق الصغير وسوق الغزة والشبيكة والشامية. ويعود عمر سوق المدعى إلى أكثر من ألف عام وهو يقع في الناحية الشمالية من المسجد الحرام من جهة باب السلام وهو سوق تجاري طور في العهد العثماني وتم تسقيفه أسوة بكثير من الأسواق في البلاد الإسلامية آنذاك وقيل أنه سمي بذلك لأنه المكان الذي يقف عنده الحاج فيرى من هذا المكان المسجد الحرام فيدعو الله بما فتح عليه. أما السوق الصغير فهو من الأسواق المجاوره للمسجد الحرام ويقصده المعتمرون وأهالي مكة المكرمة، وقد ذكر بعض المطلعين على التاريخ المكي أن السوق الصغير يقع في الناحية الغربية من المسجد الحرام فقد تمت إزالته وأدخل ضمن الساحات الغربية للمسجد الحرام وأقيم تحته نفق السوق الصغير حاليا، وقد كان يطلق على السوق الصغير في الماضي موقف البقر لكثرة محلات جزارة البقر ويشمل السوق الصغير من الهجلة حتى المسيال وهو مبطح السيل الذي يعرف اليوم بالمسيال وموقع هذا السوق أمام المسجد الحرام من الجهة الغربية في منطقة تسمى قديما الحزورة، وكان هناك سوق الحناطين بمكة وهي في أسفلها عند منارة المسجد الحرام التي تلي أجياد ومكان هذه السوق هو محل توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -يرحمه الله- للمسجد الحرام في الجهة الغربية منه.
والسوق الصغير يقع في منطقة تضم المسفلة والشبيكة والشامية، أي أنه يقع على أربع واجهات، فواجهته الشرقية نحو الحرم المكي الشريف، أما واجهته الغربية فهي ناحية الشبيكة وحارة الباب وريع الرسام، وواجهته الشمالية نحو الشامية والفلق والقرارة، أما واجهته الجنوبية فإن جزءا كبيرا منها ناحية المسفلة. أما سوق الغزة الذي تمت إزالته أخيرا فيعتبر من أقدم مناطق المنطقة المركزية من حيث النشأة والتكوين، حيث تنتشر فيه أشهر أسواق مكة التاريخية منها سوق المدعى غربا، سوق الليل جنوبا، السوق الكبير والحلقة القديمة.
وكان شارع الغزة يكاد يعتبر الوحيد في مكة الأكثر حداثة باحتوائه كبريات محال بيع الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية وأرقى ماركات الساعات والإكسسوارات والكماليات، إضافة إلى وجود العيادات الطبية وعدد من المقاهي، وفي جانب منه كان يقع سوق الزل، كما كان يقع في بداية الشارع ما كان يعرف بـ«عمائر الجفالي» نسبة إلى رجل الأعمال الجفالي الذي سمي جزء من شارع الغزة باسمه، بينما ترجع المصادر التاريخية تسمية الشارع بهذا الاسم إلى سكن أبناء مدينة غزة الفلسطينية من الحجاج قديما في هذه المنطقة.