-A +A
حمد عائل فقيهي
(1)
يقوم الإسلام بتشريعاته وتعاليمه على العدالة والحرية والمساواة.. وعلى جعل حياة الإنسان أكثر اطمئناناً وسلاماً واستقراراً مع نفسه ومع الآخرين من خلال علاقة تعلو وتسمو بتطبيق ما أنزل الله من أحكام.. والإسلام إضافة إلى كونه يمثل «ديناً» متكاملاً ولأن الإسلام يمثل خاتم الديانات والرسالات والنبي محمد صلى الله عليه وسلم يمثل خاتم الأنبياء لذلك تتبدى صورة الإسلام وتتجلى كونه أيضاً يمثل المشروع الحضاري الإنساني لأنه أعطى النموذج الأعلى والأكمل للأمة التي ترتكز على الدين الذي يُعطي للعقل قيمة تتوازى مع قيم السلوك والمعاملة الحسنة ولأنه يعبر بالضرورة عن الإنسان المسلم الذي يرتبط فكره وممارساته بأداء حضاري وانساني وبالتالي لا يمكن أن تكبر المسألة الدينية وأن تكون مضيئة وناصعة ما لم تكن في حالة تلازم في أداء رسالة ينبغي أن ينهض بها الإنسان وذلك ما قرأناه وتعلمناه من أن الدين هو دين المعاملة والإسلام هو ذلك الذي أهدى للإنسانية تلك الحضارة الإسلامية التي أعطت ذلك الوجه المضيء الذي قدم للعالم تلك الانجازات العلمية في الطب والهندسة والفلك والآداب والفلسفة والفن الإسلامي الذي تمثل في المعمار والزخرفة.. لقد أعطى الإسلام ما هو عظيم ولافت من خلال فتوحاته المعرفية والعلمية والثقافية والإبداعية.. ولكن أين نحن من كل تلك المنجزات والفتوحات في اللحظة الحضارية.

(2)
إن الإسلام هو فعل حضاري، والنص القرآني الكريم هو نص ينبني على أساس معرفي إعجازي لذلك فهو خطاب قائم على مخاطبة العقل وجعل آليات هذا العقل على علاقة بالواقع والحياة والتاريخ، نص في حالة اتصال، واستمرار لذا فهو يرتبط بكل الأزمنة، حاضر باستمرار أيضاً لأنه قيم تشريعية تنظم حياة الإنسان/ المسلم وترتفع وتُعلي بالمقابل من القيمة الذهنية والمعرفية، وتحت ستار الإسلام تحاول جماعات القفز على مشروعية الدولة واختراق الدولة الوطنية وعلى ما هو كائن وممكن وتجاوز المعقول واللامعقول وهو ما نراه في خطاب المتطرفين والمتشددين والظلاميين والذين ينظرون الى العصر ويتعاملون مع عالم اليوم بفكر معاق ولغة بليدة وبائدة، هؤلاء الذين يمثلون خطاب «القاعدة» والذين هم أبعد ما يكونون عن الإسلام في أبعاده العميقة، إنهم يقدمون صورة شوهاء وسوداء عن الإسلام التي أصبحت هي الصورة النموذج والمثال عند الأدبيات الثقافية والعلمية والإعلامية في الغرب الذي يرى في هؤلاء الظلاميين نموذجاً للإسلام المعادي للحداثة وللتقدم والعصرنة، بل إنه أي هذا الغرب يكرس هذه الصورة ويُعززها بصفته يمثل الوجه الآخر لصورة الإسلام التي يشوهها الظلاميون.
(3)
الأزمة تبرز في خطاب ينتمي في مجمله إلى لغة التطرف لا لغة الاعتدال، ويجنح إلى الإلغاء والاقصاء ولا يرتهن إلى العقل في مخاطبة الواقع والتعامل مع راهن الأحداث وتشابكات وتعقيدات العصر السياسية والفكرية والاجتماعية لتتحول إلى أيديولوجيا لها مشروعها السياسي عبر نموذج دولة «طالبان».. من هنا لابد أن يخرج هذا الخطاب عن دوائر «الانغلاق» إلى فضاء «الانطلاق».. ومن خطاب التحريض على القتل والاغتيال إلى خطاب العقل المحرض على التفكير والعمل الوطني.. وجعل الدين في خدمة الإنسان وبناء المجتمع ورقي الأمة.. لا توظيفه من خلال قراءة بعض النصوص بطريقة مقلوبة ومن أجل تحقيق أطماع سياسية وجعل مفردات التدمير لا مفردات التعمير هي مقدمة تلك الأطماع وفاتحة لصياغة مجتمع إسلامي على الطريقة «الطالبانية». إن الأمة بحاجة إلى خطاب يدعو إلى الترغيب وليس إلى الترهيب وإلى فهم الدين فهماً صحيحاً بعيداً عن التطرف والعنف والمجتمعات العربية اليوم أكثر احتياجاً إلى خطاب يتأسس على «التفكير» ولا يتأسس على «التكفير» ومواجهة أعداء وخصوم الأمة الآتين من خارجها لا الآتين من داخلها..
a_faqehi@hotmail.com