-A +A
طارق على فدعق
المقصود هنا هو المبالغة في إظهار الحقائق أو «لويها».. وللأسف أن هذا النوع من (البكش) أصبح من الفنون المنتشرة لأن قوته تكمن في ظلم الحقائق. وكان المتوقع في عصر المعلومات أن تنقرض هذه السلوكيات لأن حبل الكذب سيكون أقصر عند انتشار الحقائق بسرعة، ولكن للأسف أن الصحيح هو عكس ذلك، فنجد اليوم انتشار الشائعات والأكاذيب والقصص المفبركة المبنية حول بعض حقائق. طبعا الموضوع لن ينصفه هذا المقال فهو يحتاج إلى سلسلة من المقالات، بل والكتب لتغطية أبعاده المختلفة وتطوراته.. ولكن رأيت أن أعرض لكم خلال الثلاث مائة وتسعين كلمة القادمة بعضا من أغرب أنواع البكش التي لا تخطر على البال: هل سمعتم عن وصف (اكتشاف) الجاذبية على يد العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن عام 1666.. والقصة الشهيرة طبعا هي أنه كان جالسا في حديقة منزله تحت شجرة تفاح عندما سقطت ثمرة على رأسه.. وبالتالي فتفاحة نيوتن كانت وراء اكتشاف الجاذبية.. طبعا هذا الكلام ملغم بالتهقيص.. اكتشاف الجاذبية كان على يد العالم الإيطالي جاليليو قبل نيوتن بحوالي أربعين سنة. وتحديدا فقد أثبت العالم الإيطالي الفذ أن تسارع الأجسام في حالة السقوط لا علاقة له بالكتلة وهو عكس ما نتوقع منطقيا.. وكان الإثبات العملي من فوق برج بيزا المائل في إيطاليا.. وأما نيوتن فكان عطاؤه المميز في هذا المجال هو وضع قوانين الحركة، وتعميمها على الكون بأكمله، ووصفها رياضيا بطريقة دقيقة لا زلنا نستعملها إلى يومنا هذا. أضف إلى ذلك أن دور التفاحة التي سقطت وأوحت له بفكرة تسارع الأجسام الهاوية غير دقيقة، فقد سقطت ملايين الثمرات على ملايين الرؤوس عبر التاريخ بدون أن تحرك فكرة واحدة عن الجاذبية أو غيرها، فلم تكن التفاحة هي المحرك للموضوع.
وطبعا لا تقتصر عجائب (التهقيص) على عالم الفيزياء فحسب، ففي مجالي الطب والصيدلة يوجد بعض من أغرب الممارسات ومنها ما يسمى بالبلاسيبو Placebo على وزن «بلى... وسيبو» والكلمة مشتقة من اللاتينية بمعنى «سأوفر لك الراحة» وتستخدم بكثرة في التجارب الطبية لتقويم مفعول الأدوية الجديدة. وكانت الممارسة أن يتم علاج مجموعة من المرضى بالدواء الجديد ومقارنة حالاتهم بمجموعة أخرى توصف لهم حبوب (تهقيص) بدون أن يعلموا الفارق بين الصحيح والبكش. يعني لا مؤاخذة علاج من غير علاج.. ولا تزال هذه الممارسات سائدة إلى اليوم. ولكن العجيب فعلا هو أن بعض المرضى يصرف لهم علاج هو عبارة عن حبوب تهقيص، ولكن يتم تحضيرهم نفسيا لمفعول الدواء.. وكان هذا الموضوع في أقوى أدواره في الفترة 1969 إلى 1982 عند استخدام أحد أهم الأدوية في التاريخ واسمه (دايا زيبام).. واسمه الدارج هو (الفاليوم).. ما غيره.. وكان يستخدم لعلاج الحالات النفسية وبالذات لحالات الإضرابات العصبية الشديدة. العجيب هنا هو أن لا تأثير للدواء على معظم المرضى إلى أن تحضيرهم ليكونوا مستعدين لآثاره. طبعا هذه حالة لا تنطبق على معظم الأدوية فلو قررت مثلا أن تتناول نصف قارورة زيت خروع فستشعر بآثارها حتى ولو لم تكن مستعدا.

أمنية
تشمل الحروب النفسية ضد الشعوب تجهيزات لتوضيب البيئة النفسية لاستقبال الشائعات والأكاذيب. وتتطلب هذه بث حملات (بكش) تدخل بسهولة في عالم الكذب، بغلاف من بعض المعلومات الصحيحة. أتمنى أن ندرك هذه المخاطر ونستعد لمستوياتها المختلفة.. وفضلا تذكروا أن هذا المقال هو عن التهقيص وهو ليس مقال تهقيص.. والله يشهد على صحة كلامي.
وهو من وراء القصد.