-A +A
عبده خال
عندما قرأت خبرا أن وزارة الأوقاف المصرية عمدت لتوحيد خطبة الجمعة بحيث لا تترك خطب المساجد تجدف في أمور تحفز المشاعر المراهقة للعمل ضد استقرار وأمن البلد من خلال التحريض المباشر أو المستتر، ومع قراءة الخبر تذكرت بأنني كتبت كثيرا أن خطب الجمعة أحيانا خطب (متفلتة) يجاورها الدروس التي تكون سابقة أو تالية للصلاة، وإن لم يتم تقنين تلك الخطب والدروس فنحن نحارب محرضي الإرهاب في أماكن بعيدة عن مواقعه.
أعرف وأؤمن تماما باختلاف الأفكار بين أطياف المجتمع وضرورة إيجاد قنوات لتمرير الآراء من غير حجر على أي رأي، ومع هذا الإيمان هناك إيمان آخر يقف صامدا إزاء أي محاولة تحريضية ينتقل صاحبها من التعبير عن آرائه باللفظ إلى خانة الإرهاب أو التجنيد له أو مساندته بالقول أو الفعل..

وحينما أتحدث عن خطب المساجد فقد مررت بتجارب شخصية حينما كنت يافعا، إذ احتوانا أناس وأخذوا في توجيهنا إلى متابعة من لا يصلي أو في بيتهم تلفاز (والحجة دعوته للاستقامة)، أو نهينا عن السلام على الفساق وهم من يستمع أو يعزف الموسيقى أو يدخن أو يرتدي ملابس قصيرة أثناء لعب الكرة، مع التأكيد على النبذ واعتبار من هم ليسوا على شاكلتنا فسقة تجب مفارقتهم وكرههم إن لم ينساقوا للنصيحة..
وقبل حادثة الحرم المكي بأيام قلائل، تمت دعوتنا (مجموعة من الفتيان كنا ملازمين للمسجد لم يتجاوز أكبرنا سن السابعة عشرة من عمره)، تمت دعوتنا للاعتكاف في مسجد الأمير متعب (في شارع باخشب) ولمدة ثلاثة أيام بلياليها.. وقبل الانطلاق تخلف منا مجموعة لعدم سماح ذويهم لهم بالاعتكاف، كان شيخنا (أمير المجموعة) يظهر غضبا فائرا بسبب نقص عددنا، فأخذ يوصينا بالذهاب لإخوتنا وإقناعهم على مرافقتنا، فذهبنا وجئنا إليه بأعذار مختلفة انصبت جميعها برفض أهاليهم السماح لهم بالاعتكاف، ولأن أغلب المرافقين للشيخ كانوا حديثي سن فقد انتقى من اجتاز الحلم وانطقوا ترافقهم أبصارنا نحن الذين لم يتم اختيارهم في التصفية النهائية.
وما هي إلا أيام حتى سمعنا باحتلال الحرم المكي من قبل جماعة جهيمان (هذه المجموعة عرفت بهذا الاسم بعد تطهير الحرم من تلك الفئة) ومع تحرك أجهزة الأمن في حينها كنا نسمع أنه تم القبض على فلان وعلان وكان بعضهم من ضمن حلقتنا أو في حلقات بعض المساجد القريبة من مسجدنا.. والتي كنا نخرج عصريا (للجهاد).
في تلك الفترة كانت المجاميع التي تزعمت الدعوة للجهاد (وكان الجهاد الذي نمارسه جهاد النفس ونصح الناس في الشوارع وجلبهم للمسجد والانضمام لمجموعتنا من أجل محاربة النفس وكل من يقف ضد هذه الرغبة)، ومن الدروس التي تعمقت في قلوبنا كره من يخالف دعوة الجماعة حتى لو كانوا آباءنا أو أمهاتنا.
في تلك الفترة الزمنية كنت على استعداد تام لأن أكون شهيدا من أجل تلك المبادئ الدينية التي تشبعت بها.. وهذه حكاية طويلة يمكن كتابتها لاحقا.. وذكرها الآن تأكيدا بأن الذئاب المنفلتة هي خطر على العالم أجمع إذا ترسخت فيها تلك المبادئ الوحشية التي مررت بها في بداية مراهقتي.