في أقل من أسبوع حدثت تطورات في كل من بريطانيا وتركيا تتناقض مع مؤشرات للعنف وعدم الاستقرار، ضربت بعض المجتمعات، مما يساعد على استشراف مرحلة تاريخية جديدة تمر بها الإنسانية، تستعيد بها حركة التاريخ مسارها، لتبلغ مبتغاها في سيادة الحرية والسلام، بعيدا عن العنف والاستبداد والفساد. ليست مصادفة أن تتطور أحداث تدعو للتفاؤل والأمل في مستقبل مشرق للمجتمعات البشرية، في كل من بريطانيا وتركيا، في الوقت الذي تضرب فيه يد الإرهاب الغاشمة فرنسا. أحداث عصفت بمسرح حركة السياسة الدولية التقليدي في أوروبا، خلال أسبوع واحد، لا تفصلها عن بعضها سوى أيام، بل وحتى ساعات.
يوم الأربعاء الماضي، حدث تطور حضاري منقطع النظير في بريطانيا تدولت فيه السلطة، بين زعامة مغادرة وزعامة قادمة لبريطانيا في وقت قياسي، دونما ضرورة سياسية لاستعجالها، أو حتى الإقدام عليها! تخلى رئيس وزراء بريطانيا السابق (ديفيد كاميرون) عن زعامته لحزب المحافظين، ومن ثم زعامته لبريطانيا، وجرى انتخاب زعامة جديدة للحزب، وكذا رئيسة جديدة لوزراء بريطانيا، بهدوء وسلاسة، دون صخب إعلامي أو عراك سياسي... الأمر الذي يظهر مدى عراقة وأصالة الديمقراطية في بريطانيا العظمى. لم يشعر لا الشعب البريطاني، ولم تتأثر مؤسسات الدولة، بأي حالة من الفراغ في السلطة، من أجل التعامل مع مرحلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إعمالا لإرادة الشعب البريطاني، التي تجلت في استفتاء الشهر الماضي.
لا ديفيد كاميرون.. ولا حزب المحافظين.. ولا البرلمان البريطاني، كانوا في حاجة ماسة لهذا التغيير «الدراماتيكي» في زعامة الحزب والدولة في بريطانيا العظمى. كان بإمكان ديفيد كاميرون الإبقاء على زعامة الحزب ورئاسة الوزارة.. وكان بإمكانه أن يقنع البرلمان، الذي يتمتع فيه حزب المحافظين بأغلبية مطلقة مريحة ( 331 من 650 مقعدا)، في مؤتمر الحزب أكتوبر القادم، حتى يظل زعيما للحزب وحاكما لبريطانيا، حتى موعد الانتخابات العامة القادمة في 2020. لكن السلطة ليست غاية شخصية، بحد ذاتها في المجتمعات الديمقراطية العريقة، بقدر ما هي السياسة، بصفة عامة، حرفة ومهنة رفيعة، تتجلى فيها إمكانات الزعامة والقيادة السياسية الحقة. لقد رأى ديفيد كاميرون أن الاستفتاء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان - في حقيقة الأمر - استفتاء على زعامته لحزبه وللبلاد، في آن. بالتالي: أبى عليه شرفه السياسي إلا أن يتخلى عن السلطة وتسليمها لمن هو أقدر وأجدى منه لقيادة الحزب والبلاد، في المرحلة القادمة... وقد كان.
بعد هذا التطور الإيجابي في تأكيد قيم الديمقراطية في مجتمع عريق، مثل المجتمع البريطاني، تأبى حركة التاريخ، وفي وقت قصير بعد يومين فقط، إلا أن تؤكد منهجها ومنطقها في منطقة أخرى، لكن مع فارق التوقيت التاريخي والحضاري، في مجتمع آخر لم تتجذر فيه بعد قيم الديمقراطية.. ولم تترسخ فيه بعد قضية التداول السلمي للسلطة، نظرا لحداثة التجربة الديمقراطية، مقارنة بعراقة التجربة الديمقراطية في بريطانيا العظمى.
يوم الجمعة الماضي، حدثت محاولة انقلابية فاشلة في تركيا. نزل الجيش بقضه وقضيضه ليستولي على السلطة من الديمقراطية الوليدة في تركيا. فات قادة الانقلاب أن زمن الانقلابات العسكرية قد ولى.. وأن تركيا في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، غير تركيا في النصف الثاني من القرن العشرين. ما هي إلا ساعات ونزلت جموع المواطنين الأتراك إلى الشوارع متمسكة بخياراتها الديمقراطية المتمثلة في رموز مؤسساتها المنتخبة، رافضة أي وصاية عليها من قبل أية جهة أخرى غير إرادتها الحرة، فكان أن فشل الانقلاب العسكري.. وألقي القبض على مدبريه.. وطورد داعموه والمخططون له، حول العالم.
انتقال سلس ومرن للسلطة في بريطانيا أتت بزعامة جديدة لحزب المحافظين وحكم البلاد.. ومحاولة فاشلة لاغتصاب السلطة بالعنف قفزا على إرادة الناس وخياراتهم في تركيا. ترى ما الذي يجمع بين الحدثين. إنها حركة التاريخ التقدمية، التي لا يمكن لها أن ترجع إلى الوراء، رغم تنامي أعمال العنف المتزايدة حول العالم.. ورغم محاولات القفز العنيف على إرادة الناس وخياراتهم، في مجتمعات لم تبلغ بعد مرحلة النضج السياسي، ولم تفرغ حركة التاريخ من اكتمال متطلبات مسيرتها التقدمية بها، بعد.
في واقع الأمر ليس هناك فرق كبير بين ما تطور من انتقال سلس ومرن للسلطة في 10 «داوننغ ستريت» في لندن، وانتصار مؤسسات الحكم الديمقراطي ورموزه المنتخبة، على قوى الشر والظلام العسكرية الباطشة، في أنقرة. في بريطانيا، جرت عملية التبادل السلمي للسلطة على مستوى الحزب والدولة، وفي الخلفية شرعية إرادة الناس وخياراتهم السياسية الحرة. وفي تركيا، كانت إرادة الناس وخياراتهم السياسية الحرة العامل الرئيس في إفشال الانقلاب وانتصار الديمقراطية، عندما نزل الشعب إلى الشوارع وواجه الدبابة وجرد أطقمها من عدتهم وعتادهم.
ما أفشل انقلاب تركيا، هو تمسك النظام والشعب بالخيار الديمقراطي، مما يشير إلى الفرق في مستوى التنمية السياسية في تركيا، ومجتمعات نجح العسكر في العودة فيها إلى السلطة، بعد أن ظن الكثيرون أن حكم العسكر بها قد انتهى. لم يكن الشعب فقط ضد الانقلاب، كانت كل مؤسسات النظام السياسي متمسكة بالخيار الديمقراطي، حتى المعارضة ووسائل الإعلام والنخب السياسية والثقافية والشرطة والقضاء. في العقدين الأخيرين، حدثت تنمية سياسية حقيقية في تركيا ترسخ فيها الخيار الديمقراطي بقوة وعزم، يجعل من المستحيل تكرار «سيناريوهات» الانقلابات العسكرية.
إرادة الشعوب وخياراتها الحرة، هي المحرك الأساس لحركة التاريخ، لبلوغ غايتها في الحرية والسلام.
يوم الأربعاء الماضي، حدث تطور حضاري منقطع النظير في بريطانيا تدولت فيه السلطة، بين زعامة مغادرة وزعامة قادمة لبريطانيا في وقت قياسي، دونما ضرورة سياسية لاستعجالها، أو حتى الإقدام عليها! تخلى رئيس وزراء بريطانيا السابق (ديفيد كاميرون) عن زعامته لحزب المحافظين، ومن ثم زعامته لبريطانيا، وجرى انتخاب زعامة جديدة للحزب، وكذا رئيسة جديدة لوزراء بريطانيا، بهدوء وسلاسة، دون صخب إعلامي أو عراك سياسي... الأمر الذي يظهر مدى عراقة وأصالة الديمقراطية في بريطانيا العظمى. لم يشعر لا الشعب البريطاني، ولم تتأثر مؤسسات الدولة، بأي حالة من الفراغ في السلطة، من أجل التعامل مع مرحلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إعمالا لإرادة الشعب البريطاني، التي تجلت في استفتاء الشهر الماضي.
لا ديفيد كاميرون.. ولا حزب المحافظين.. ولا البرلمان البريطاني، كانوا في حاجة ماسة لهذا التغيير «الدراماتيكي» في زعامة الحزب والدولة في بريطانيا العظمى. كان بإمكان ديفيد كاميرون الإبقاء على زعامة الحزب ورئاسة الوزارة.. وكان بإمكانه أن يقنع البرلمان، الذي يتمتع فيه حزب المحافظين بأغلبية مطلقة مريحة ( 331 من 650 مقعدا)، في مؤتمر الحزب أكتوبر القادم، حتى يظل زعيما للحزب وحاكما لبريطانيا، حتى موعد الانتخابات العامة القادمة في 2020. لكن السلطة ليست غاية شخصية، بحد ذاتها في المجتمعات الديمقراطية العريقة، بقدر ما هي السياسة، بصفة عامة، حرفة ومهنة رفيعة، تتجلى فيها إمكانات الزعامة والقيادة السياسية الحقة. لقد رأى ديفيد كاميرون أن الاستفتاء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كان - في حقيقة الأمر - استفتاء على زعامته لحزبه وللبلاد، في آن. بالتالي: أبى عليه شرفه السياسي إلا أن يتخلى عن السلطة وتسليمها لمن هو أقدر وأجدى منه لقيادة الحزب والبلاد، في المرحلة القادمة... وقد كان.
بعد هذا التطور الإيجابي في تأكيد قيم الديمقراطية في مجتمع عريق، مثل المجتمع البريطاني، تأبى حركة التاريخ، وفي وقت قصير بعد يومين فقط، إلا أن تؤكد منهجها ومنطقها في منطقة أخرى، لكن مع فارق التوقيت التاريخي والحضاري، في مجتمع آخر لم تتجذر فيه بعد قيم الديمقراطية.. ولم تترسخ فيه بعد قضية التداول السلمي للسلطة، نظرا لحداثة التجربة الديمقراطية، مقارنة بعراقة التجربة الديمقراطية في بريطانيا العظمى.
يوم الجمعة الماضي، حدثت محاولة انقلابية فاشلة في تركيا. نزل الجيش بقضه وقضيضه ليستولي على السلطة من الديمقراطية الوليدة في تركيا. فات قادة الانقلاب أن زمن الانقلابات العسكرية قد ولى.. وأن تركيا في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، غير تركيا في النصف الثاني من القرن العشرين. ما هي إلا ساعات ونزلت جموع المواطنين الأتراك إلى الشوارع متمسكة بخياراتها الديمقراطية المتمثلة في رموز مؤسساتها المنتخبة، رافضة أي وصاية عليها من قبل أية جهة أخرى غير إرادتها الحرة، فكان أن فشل الانقلاب العسكري.. وألقي القبض على مدبريه.. وطورد داعموه والمخططون له، حول العالم.
انتقال سلس ومرن للسلطة في بريطانيا أتت بزعامة جديدة لحزب المحافظين وحكم البلاد.. ومحاولة فاشلة لاغتصاب السلطة بالعنف قفزا على إرادة الناس وخياراتهم في تركيا. ترى ما الذي يجمع بين الحدثين. إنها حركة التاريخ التقدمية، التي لا يمكن لها أن ترجع إلى الوراء، رغم تنامي أعمال العنف المتزايدة حول العالم.. ورغم محاولات القفز العنيف على إرادة الناس وخياراتهم، في مجتمعات لم تبلغ بعد مرحلة النضج السياسي، ولم تفرغ حركة التاريخ من اكتمال متطلبات مسيرتها التقدمية بها، بعد.
في واقع الأمر ليس هناك فرق كبير بين ما تطور من انتقال سلس ومرن للسلطة في 10 «داوننغ ستريت» في لندن، وانتصار مؤسسات الحكم الديمقراطي ورموزه المنتخبة، على قوى الشر والظلام العسكرية الباطشة، في أنقرة. في بريطانيا، جرت عملية التبادل السلمي للسلطة على مستوى الحزب والدولة، وفي الخلفية شرعية إرادة الناس وخياراتهم السياسية الحرة. وفي تركيا، كانت إرادة الناس وخياراتهم السياسية الحرة العامل الرئيس في إفشال الانقلاب وانتصار الديمقراطية، عندما نزل الشعب إلى الشوارع وواجه الدبابة وجرد أطقمها من عدتهم وعتادهم.
ما أفشل انقلاب تركيا، هو تمسك النظام والشعب بالخيار الديمقراطي، مما يشير إلى الفرق في مستوى التنمية السياسية في تركيا، ومجتمعات نجح العسكر في العودة فيها إلى السلطة، بعد أن ظن الكثيرون أن حكم العسكر بها قد انتهى. لم يكن الشعب فقط ضد الانقلاب، كانت كل مؤسسات النظام السياسي متمسكة بالخيار الديمقراطي، حتى المعارضة ووسائل الإعلام والنخب السياسية والثقافية والشرطة والقضاء. في العقدين الأخيرين، حدثت تنمية سياسية حقيقية في تركيا ترسخ فيها الخيار الديمقراطي بقوة وعزم، يجعل من المستحيل تكرار «سيناريوهات» الانقلابات العسكرية.
إرادة الشعوب وخياراتها الحرة، هي المحرك الأساس لحركة التاريخ، لبلوغ غايتها في الحرية والسلام.