-A +A
علي مكي
الاستفتاءات الرياضية في منطقتنا العربية مضحكة، وأكثرها إضحاكا الاستفتاء الرياضي الدائم والمستمر لقياس أفضلية رجل كرة القدم السعودية والخليجية والعربية والآسيوية الأول وسيدها المتوج بأمر الكرة قبل أمر المدربين والفنيين والمحللين والإعلاميين والكتاب والجماهير العاشقة «ماجد أحمد عبدالله»، وهو استفتاء مضحك في موضوعه ونتيجته لأنه من قبيل تفسير الماء بعد الجهد بالماء!
لا يحتاج ماجد إلى استفتاء من أي نوع. إنه الأسطورة واللاعب الخارق المعجز شاء من شاء وأبى من أبى. ليس هذا فرضا لحالة عاطفية أو إقصاء للرأي الآخر. كما أنه ليس مجرد إعجاب عابر بمدرج أصفر أو أخضر، بل هو العقل والعاطفة معا. الذين يحبون بعاطفتهم يشهدون بهذا. والذين يسمون أنفسهم العقلانيين أيضا لا يمكن أن يقولوا إن ماجد شأنه شأن الآخرين من نجوم الكرة السعوديين والخليجيين والعرب والآسيويين على مر تاريخ كرة القدم في أكبر قارات العالم.

ماجد عبدالله حالة خاصة وفريدة واستثنائية لم تتكرر حتى الآن، لا قبل مرحلتها ولا أثناءها ولا بعدها، فإلى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور غير المتواضعة عن ظاهرة كروية غير متواضعة هي أيضا، لم تنجب ملاعب أكبر قارات العالم على امتداد تاريخها، لاعب كرة يضاهيه أو يشبهه أو حتى يقترب منه موهبة وفنا وإعجازا.
عندما أقرأ لزملاء هنا وهناك وهم يغتصبون لقب: (الأسطورة)، ثم يخلعونه على هذا اللاعب أو ذاك من لاعبيهم المفضلين، وإن كانوا نجوما ولهم بصماتهم، إلا أنهم يضحكونني كثيرا إذ يبدو هؤلاء اللاعبون في منظر يثير السخرية؛ فالثوب أوسع بكثير من أجسامهم الضئيلة وأطول جدا من قاماتهم القصيرة. كم أشفق على اللقب والملقب معا! ذلك أن (الأسطورة) لقب له مواصفات وشروط ومعايير؛ فليس كل ما يلمع ذهبا، فالفنان (أي فنان) سواء في كرة القدم أو في غيرها من الفنون كافة لا يتحول إلى أسطورة، إلا في وضع واحد فقط وحالة وحيدة لا غير، وهي عندما يأتي بفعل خارق في مجاله وتخصصه وحرفته لم يفعله غيره ولم يصل إليه سواه طوال مسيرته.. وهكذا كان الفنان ماجد هو اللاعب الوحيد في قارة آسيا بأكملها الذي أمطر شباك المنافسين بأهداف من كل شكل وصفة، بل إنه أصاب أهدافا لم يسجلها لاعب سواه في طريقتها وأسلوبها، وصعوبتها وسهولتها وصعوبتها في آن، وتنوعها بين الرأس والقدم مهارة و(حرفنة) وخبرة وارتقاء عاليا عاليا أعلى وأعلى ضعف الضعف من كل المحيطين به والموكلين بإيقافه. ولم تكن أهدافه الخرافية، أو ما وصفت بذلك بيضة ديك (أي مرة واحدة حظا وصدفة ورمية عشوائية)، بل تكرر ذلك كثيرا وفي منافسات رسمية قوية حاسمة ومصيرية على كافة الصعد المحلية والإقليمية والقارية والدولية.
ولو كان لكرة القدم أن تتكلم عن هذا الغزال الأسمر، الطويل كنخيل الأحساء والعالي كجبال مكة، لقالت الكرة شهادتها دون نفاق أو مواربة، ولأقسمت أنها تنحاز لرجل يقال له: ماجد بن أحمد عبدالله، لأنه عندما يضعها بين قدميه ويسير بها بهدوء وحنان العاشق تكون في أوج اختيالها وفتنتها، يضيء لها كل الدروب نحو بلوغ الهدف ويمنحها العزة والكرامة والقوة وهي تخترق برشاقة دفاعات الخصوم غير مكترث بصلابتهم وتمرسهم ويقظتهم؛ لأنه يثق بمهارة قدميه واتقاد عقله وحبه إمتاع الناس فيسكن الكرة عزيزة وقريرة في بيت الفرح.
كرة القدم مثل الكتابة «تخلص لمن يخلص لها وتتخلى عن الانتهازيين»، لذا فشهادتها صادقة لا تكذب فلا مصلحة لها سوى المتعة الحلال - وأجمل متعتها كانت مع ماجد!