-A +A
طارق على فدعق
نظرت إلى طرف جناح البوينج 787 خارج نافذتي أثناء تحليقنا بسلاسة وهدوء على ارتفاع نحو 13 كيلو مترا.. وكانت طائرتنا تلتهم المسافات بسرعة تعادل تقريبا سرعة الرصاصة الخارجة من فوهة المسدس من عيار 38.. وحتى لو لم تكن من هواة الطيران فستجد أن طرفي جناحي البوينج 787 من أجمل التصاميم فهما يوفران أعلى درجات مداعبة الهواء وينعكس ذلك في شكلهما، فيبدوان وكأنهما جناحا حمامة بشكلهما المميز الذي يشبه الرقم 7.. ويقع كل من طرف جناحيها على مستوى أعلى من جسم الطائرة نفسها.. والسبب في ذلك هو لمحاولة تقليص مقاومة الهواء.. ويمنح ذلك بمشيئة الله المزيد من توفير الوقود والهدوء والسرعة.. وذكرني ذلك بأطراف أجنحة بعض الطيور التي تتميز بتقليص مقاومة الهواء بأشكال عجيبة وفي مقدمتها البوم.. هذه الطيور تتخصص في صيد وأكل الفئران الصغيرة ليلا.. وبالتالي فقدرتها على الطيران السريع الهادئ جدا هو أحد أسرار نجاحها في تلك المهمة.. وأطراف أجنحة البوم من الروائع في التصميم لأن تلك الأطراف ترتفع إلى الأعلى لتمنح بإرادة الله عز وجل المزيد من الفاعلية في استغلال التيارات الهوائية وحتى الصغيرة منها لرفع الطائر وتقليص المقاومة الهوائية.. وللعلم فرفع أطراف الأجنحة على السرعات المنخفضة أهم من رفع باقي الجناح.. وستجد هذه الخاصية لدى بعض الطيور الأخرى ومنها الصقور والنسور والبط وكلها من أجمل الأجسام الطائرة. البوينج 787 لديها أجمل جناح ولكن أجنحة الطيور تذكرنا أن «كده أفضل». وتذكرت أن البوينج 787 تتمتع بفلسفة هندسية جديدة تقلص من الاعتماد على السباكة.. وتحديدا فلو تأملت في ما يقع تحت الغلاف الخارجي للطائرات المختلفة ستجد كميات كبيرة من الأنابيب التي تنقل الهواء الحار من المحركات للقيام بمهمات مختلفة ومنها تشغيل مضخات مختلفة للتبريد وللفرامل وبعض من أسطح الأجنحة. وأما الفلسفة الجديدة المستخدمة في هذه الطائرة فهي تلغي معظم هذه السباكة وتعتمد على المولدات الكهربائية الحديثة.. هي رائعة بكل معاني الكلمة، ولكنها لا تقارن بفلسفة السباكة بداخل أجسامنا.. تخيل أن طول الأوردة والشرايين الدموية بداخل جسم كل منا تصل إلى نحو مائة ألف كيلو متر.. يعني ما يعادل لفتين ونصف حول الكرة الأرضية.. والأغرب من ذلك أن كمية الطاقة التي نحتاجها لضخ الدم عبر هذه الأنابيب الإعجازية تقل عن الطاقة الكافية لإضاءة لمبة صغيرة لمدة ساعة واحدة.. كده أروع.
وإحدى روائع البوينج الجديدة هي أجهزة التكييف والتحكم في بيئة مقصورة الركاب والقيادة.. تأمل في الفوارق الرهيبة على أرض المطار وأثناء التحليق وعند الوصول.. عندما أقلعنا من جدة الغالية كانت درجة الحرارة الخارجية على الأرض نحو 40 درجة مئوية.. وعندما وصلنا إلى 40 ألف قدم بعد الإقلاع بربع ساعة كانت الحرارة نحو 40 درجة مئوية تحت الصفر.. وعندما هبطنا في وجهة سفرنا بعد خمس ساعات كانت درجة الحرارة نحو 20 درجة مئوية.. ولم نشعر بفارق درجة مئوية واحدة طوال الرحلة فمنذ لحظة دخولنا إلى مقصورة الركاب كانت الحرارة لطيفة بإرادة الله عند 22 درجة فقط لا غير.. من أروع ما يكون.. ولكنني تذكرت تصاميم بعض أنواع النمل الأبيض الذي يبني منشآت تبدو وكأنها ناطحات سحاب صغيرة.. ومن غرائب تلك التصاميم هي التحكم في البيئة بداخلها من خلال سراديب وقنوات تسحب الهواء للتبريد بدون استخدام مضخة واحدة.. كده أفضل.
وأخيرا فتأملت في روائع محركات طائرتنا النفاثة القوية جدا والتي تفوق قوة نحو ستة آلاف سيارة من طراز «كامري».. وقدراتها لتوليد ذلك الدفع الهائل بدون «كحه» أو «كربنه» أو «تنتيع» خلال رحلتنا الطويلة.. وتذكرت قدرات «الحباره» التي تعيش في البحر وتعتمد على نعمة الدفع النفاث في حركتها، فهي تسحب كميات كبيرة من الماء وتدفعها بضغط قليل نسبيا.. ولكن عند الحاجة للحركة السريعة فهي تسحب كميات قليلة وتدفعها بضغط عال جدا.. كده أفضل.

أمنيــــــــة
أعتقد أن الإعجاز الإلهي في التصميم يفوق كل ما توصل إليه البشر من تطورات مذهلة مهما كانت قدراتها رائعة.. أتمنى أن تكون مواد الأحياء أحد مقررات كليات الهندسة لأن التصميم الهندسي الإلهي هو الأفضل دائما ويحتوي على العديد من الدروس التي تنير الطريق لمن يبحث عن التميز الحقيقي الأفضل.. والله المدبر.. وهو من وراء القصد.