اعتاد الحزبيون في اليمن -كما غيرهم في البلدان العربية خصوصا- على رمي منتقديهم ومخالفيهم بقائمة طويلة من الاتهامات أخفها «عدم الحياد» في المواقف، وفي الوقت ذاته يحيطون أنفسهم بهالة من القداسة المزيفة والنزاهة المشكوك في مصداقيتها، ويتفوق -في هذا المقام- أعضاء الأحزاب التي تستخدم الدين غطاء وشعارا لنشاطها، وتلك التي ما زالت تتشبث بأفكار الستينات البالية، فيكلفون «شبابهم» والمقربين منهم للنيل من خصومهم والتشهير بهم، ولا يخجلون من رفع شعارات الحرية واحترام الرأي الآخر على أسطح وجدران (دكاكينهم الحزبية)، لكنهم يثيرون الضجة وتوجيه سهام التعريض بالآخرين المختلفين معهم والنيل منهم؛ مستغلين الآلة الإعلامية الضخمة التي يسيطرون عليها.
الكثير من الأحزاب اليمنية لم تبدل وجوه قياداتها إلا فيما ندر، وتجري داخلها عملية قسر (بابوية) على عملها، وإن كان الحزب الاشتراكي قد تمكن من تغيير الكثير من وجوه قياداته فإن ذلك لم يتم بصورة طبيعية، بل بفعل هجرة الكثيرين منهم وضعف قدراته المادية وانحسار مكانته في الجنوب، حيث كان حاكما منفردا نافيا للآخرين، ولم يتبدل أسلوب عمل هذه الأحزاب وظل تسييرها محكوما بقيادات كان معظمها مرتبطا عضويا وماديا بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وإما ممول ومدعوم من إيران أو نظام صدام حسين أو معمر القذافي، ومن السخرية أن بعض القيادات تمكنت من احتراف التنقل بينها كلها مستفيدة من اختفاء بعضها وتصاعد نفوذ أخرى.
انعكس الخلل الكامن في جسد هذه الأحزاب على مجمل الأداء السياسي وارتباك حركة العمل داخل المجتمع، وهو ما أتاح للتنظيمات المتطرفة والجهادية فراغات كثيرة تمكنت من العمل فيها وتجنيد الكثيرين؛ لأنها كانت أكثر قربا لهم من قيادات المكونات الحزبية العتيقة التي شاخت واسترخت ولم تتح المجال لأجيال جديدة الحلول مكانها.
إن ما يجري في اليمن حاليا هو نتاج طبيعي لهذا الاضطراب السياسي الذي استطاع (أنصار الله/ الحوثيون) من خلاله السيطرة على المشهد وتوجيه مجرياته بالقوة والقسوة، ولكن ذلك لم يكن السبب الوحيد بل يجب الاعتراف أن أغلب الأحزاب اليمنية قد هادنتهم في بداية صعودهم السياسي خارج معقلهم الرئيسي في صعدة قبل أن يلقوا بالعملية السياسية جانبا ويستبدلوها بالسيطرة المسلحة على معظم المناطق اليمنية منذ 21 سبتمبر 2014؛ اليوم الذي استسلمت فيه الدولة والأحزاب للحوثيين بالتوقيع على اتفاقية (السلم والشراكة)، ولعله من المفيد تنشيط ذاكرة الأحزاب الكبرى بأن قياداتهم أذعنوا للصيغة التي فرضها الحوثيون وصرح أحدهم أنه موافق على ما يرونه (يعني الحوثيين) مناسبا، وهي الاتفاقية التي مهدت للأحداث التي تلتها وأربكت الحياة السياسية والاجتماعية وفرضت على البلاد والإقليم حربا دامية مدمرة، وسيكون من السذاجة أن يتوقع اليمنيون الخروج من الوضع الاقتصادي الخانق والإنساني المؤسف، دون أن تبادر القيادات الحالية لتقديم التنازلات التي تضع مصالح الوطن والمواطنين في المقدمة، وأدرك أن هذا أمر مستبعد ولكن لا حل لوقف هذا النزيف إلا به.
هل يفعلون؟
الكثير من الأحزاب اليمنية لم تبدل وجوه قياداتها إلا فيما ندر، وتجري داخلها عملية قسر (بابوية) على عملها، وإن كان الحزب الاشتراكي قد تمكن من تغيير الكثير من وجوه قياداته فإن ذلك لم يتم بصورة طبيعية، بل بفعل هجرة الكثيرين منهم وضعف قدراته المادية وانحسار مكانته في الجنوب، حيث كان حاكما منفردا نافيا للآخرين، ولم يتبدل أسلوب عمل هذه الأحزاب وظل تسييرها محكوما بقيادات كان معظمها مرتبطا عضويا وماديا بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وإما ممول ومدعوم من إيران أو نظام صدام حسين أو معمر القذافي، ومن السخرية أن بعض القيادات تمكنت من احتراف التنقل بينها كلها مستفيدة من اختفاء بعضها وتصاعد نفوذ أخرى.
انعكس الخلل الكامن في جسد هذه الأحزاب على مجمل الأداء السياسي وارتباك حركة العمل داخل المجتمع، وهو ما أتاح للتنظيمات المتطرفة والجهادية فراغات كثيرة تمكنت من العمل فيها وتجنيد الكثيرين؛ لأنها كانت أكثر قربا لهم من قيادات المكونات الحزبية العتيقة التي شاخت واسترخت ولم تتح المجال لأجيال جديدة الحلول مكانها.
إن ما يجري في اليمن حاليا هو نتاج طبيعي لهذا الاضطراب السياسي الذي استطاع (أنصار الله/ الحوثيون) من خلاله السيطرة على المشهد وتوجيه مجرياته بالقوة والقسوة، ولكن ذلك لم يكن السبب الوحيد بل يجب الاعتراف أن أغلب الأحزاب اليمنية قد هادنتهم في بداية صعودهم السياسي خارج معقلهم الرئيسي في صعدة قبل أن يلقوا بالعملية السياسية جانبا ويستبدلوها بالسيطرة المسلحة على معظم المناطق اليمنية منذ 21 سبتمبر 2014؛ اليوم الذي استسلمت فيه الدولة والأحزاب للحوثيين بالتوقيع على اتفاقية (السلم والشراكة)، ولعله من المفيد تنشيط ذاكرة الأحزاب الكبرى بأن قياداتهم أذعنوا للصيغة التي فرضها الحوثيون وصرح أحدهم أنه موافق على ما يرونه (يعني الحوثيين) مناسبا، وهي الاتفاقية التي مهدت للأحداث التي تلتها وأربكت الحياة السياسية والاجتماعية وفرضت على البلاد والإقليم حربا دامية مدمرة، وسيكون من السذاجة أن يتوقع اليمنيون الخروج من الوضع الاقتصادي الخانق والإنساني المؤسف، دون أن تبادر القيادات الحالية لتقديم التنازلات التي تضع مصالح الوطن والمواطنين في المقدمة، وأدرك أن هذا أمر مستبعد ولكن لا حل لوقف هذا النزيف إلا به.
هل يفعلون؟