لم تكن المحاولة الانقلابية الأخيرة الفاشلة التي قام بها عدد من قيادات الجيش التركي يوم الجمعة الخامس عشر من يوليو هى الأولى لتركيا، إلا أن تداعياتها تمثل الكثير من النتائج غير المسبوقة، ليس لتركيا فحسب بل لجميع دول منطقة الشرق الأوسط، ففي تحدٍّ لافت وتصدٍّ مميز من الشعب التركي لمحاولات استلاب شرعية حكومته المنتخبة ديموقراطياً، رفع شعار «الشعب في حماية النظام» متحديا مروحيات ومدرعات قادة الانقلاب الذين فشلوا في اكتساب تعاطف فئات الشعب والنخبة معا.
من المؤكد أن العوامل التي ساهمت في إفشال الانقلاب العسكري في تركيا كثيرة، غير أن ما استرعى انتباهي هو عدد من الجمل التي استخدمها الانقلابيون في بيانهم الأول، وهو أن هدف الحركة هو إحياء مبادئ العلمانية، تلك المبادئ التي نجح الرئيس أردوغان في تحييدها طوال فترة حكمه بمهارة رجل الدولة القوي، ولعله من فضلة القول أن نذكر أن الدولة التركية الحديثة التي أسسها أتاتورك في بداية العقد الثاني من القرن الماضي، اتخذت من مبادئ العلمانية دستورها الحديث، والتي قامت بفصل الدين عن الدولة وبالتالي حرمان الكثير من المواطنين من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وهو ما أثار حفيظة المواطنين ضد العلمانية ولم يجعل استعادتها أمرا محببا إلى قلوبهم يدفعهم لتأييد انقلاب عسكري غاشم.
وعلى الرغم من اتهام جولن الذي لا يؤمن بالعلمانية بتدبير الانقلاب العسكري الأخير، إلا أن بيان الجيش كان يبدو دعوة لتأليف قلوب العسكر الذين طالما حكموا تركيا في السابق بمبادئ العلمانية، غير أن الكثير من الجنود الأتراك -فيما يبدو- لم يكونوا على علم بحركة الانقلاب، وإنما شاركوا فيها ظنا منهم بأنها تحركات عسكرية لمواجهة خطر يهدد الحكومة الشرعية، وهو ما أكده الرئيس إردوغان بأن الجنود في الشارع نفذوا قرارات قادتهم، وليس أدل على ذلك من رفض غالبيتهم قتل المتظاهرين بل استسلامهم السريع فور انتشار خبر الانقلاب.
لقد خرج الشعب التركي ليس حبا في أردوغان وإنما رغبة في الحفاظ على مكتسباته الديموقراطية، وكرها في العلمانية وتسلط العسكر، ورب ضارة نافعة، فمن المؤكد أن ما حدث سيساعد الرئيس على تطهير ما تبقى من جذور العلمانية في مؤسسات الدولة، لكن ما حدث في تركيا يلقي بظلاله الثقيلة على دول منطقتنا ويدفعنا لعقد الكثير من المقارنات التي تصب مباشرة في صالح الجانب التركي، ولنقارن فقط بإيجاز بين الجيش التركي والجيش السوري، حيث رفضت غالبية الجنود الأتراك مهاجمة مواطنيهم واستسلم الآلاف منهم فور علمهم بمحاولة انقلاب غادرة، بينما لا يزال الجيش السوري يدك شعبه منذ ستة أعوام، بل لم يتورع عن الاستعانة بقوى خارجية للإمعان في إذلالهم وقهرهم.
مقارنة أخرى بين تركيا وبين نظام العمائم السوداء في إيران، ففي سياق متصل تواردت الأنباء عن عقد مؤتمر بفرنسا لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، والتي طالبت فيه بإسقاط نظام الملالي ودعم الحكومات لها، والذي ظهر خلاله الأمير تركي الفيصل متحدثا ومعربا عن رغبته الشخصية أيضا في إسقاط النظام، وكم تمنينا جميعا لو تخلى الأمير عن دبلوماسيته المعتادة وصرح بصوت عال بأن الحكومات الخليجية بل الشارع الخليجي بأكمله يردد بوضوح «نحن أيضا نريد إسقاط النظام».
من المعلوم للجميع أن إيران دأبت بعد الثورة الخمينية على السعي لتأليب الشعوب الخليجية ضد حكامها، وهو بالطبع المسعى الفاشل الذي أثار ضغينتها أكثر فأكثر ضد استقرار دول الخليج، وقد أشرت مرارا بل صرحت في مقالة سابقة (الإعلام المضاد) بأنه يتحتم على حكومتنا القيام بالمثل، وذلك من خلال تنظيم حملات دعائية وإعلامية ممنهجة لفضح نظام الملالي الفاسد الغاشم، وهو المطلب الذي تحقق أخيرا -وإن كان متأخرا بعض الشيء- من خلال تصريح الأمير الأخير، الذي أثار دوائر الحكم في طهران إلى الحد الذي نعتوه به بأنه يفتقر للدبلوماسية!.
من السخرية أن تتحدث أقل دول العالم التزاما بالدبلوماسية عن أصول الدبلوماسية، فإيران المشاكسة ونظامها الصفيق الذي يدعم اقتحام قنصليات الدول الأجنبية ويحتفظ برعايا الدول الأخرى كرهائن ولا يتوقف عن التدخل في شؤون دول الجوار، هو من يعطي لنفسه الحق في تصنيف تصريحات مسؤولي الدول الأخرى، فكل ما يشغل النظام في طهران هو إسقاط الأنظمة غير الصديقة لها والسعي لتأسيس تحالفات أو حتى أنظمة موالية لها في تلك الدول، في اعتقادي أنه آن الأوان لكي نتخلى عن سياسة «رد الفعل» بمعنى أن سياساتنا يجب ألا تكون مبنية على تحركات الطرف الآخر، بل علينا تسديد ضربات استباقية ضد جهازها الإعلامي وتفكيك وإفشال مخططاتها الدعائية قبل أن تتمكن حتى من استرداد أنفاسها.
أنا أعلنها صراحة «يجب أن يتغير النظام الحاكم في إيران»، ليس فقط لأنه لم يجلب إلا الدمار والخراب لشعبه أولا وللمنطقة ثانيا، ولكن لأن النظام الإيراني كالأفعى التي لا تموت إلا بدق رأسها، وإلا فإنها ستظل كالسرطان المتخفي داخل الجسد لا يمكن التخلص منه إلا باسئتصال العضو نفسه، وهو ما حدث بالفعل في جميع مناطق الصراعات المشتعلة التي امتدت لها الأيدي الإيرانية، في اليمن وسورية والعراق، وإن لم نتحرك الآن ونسارع بالمبادرة بإيقاف العدون الإيراني فإننا سنخسر المزيد من أعضاء جسد أمتنا العربية، وعندها لن ينفعنا التباكي ولن تفيدنا وعود الدول الغربية التي تقتات على حساب استمرار نزاعاتنا، بل سنظل في مواجهة أبدية مع عدو خسيس متضخم، لن يوقفه إلا الموت أو الهزيمة النكراء، بل من الأفضل كلاهما معا.
من المؤكد أن العوامل التي ساهمت في إفشال الانقلاب العسكري في تركيا كثيرة، غير أن ما استرعى انتباهي هو عدد من الجمل التي استخدمها الانقلابيون في بيانهم الأول، وهو أن هدف الحركة هو إحياء مبادئ العلمانية، تلك المبادئ التي نجح الرئيس أردوغان في تحييدها طوال فترة حكمه بمهارة رجل الدولة القوي، ولعله من فضلة القول أن نذكر أن الدولة التركية الحديثة التي أسسها أتاتورك في بداية العقد الثاني من القرن الماضي، اتخذت من مبادئ العلمانية دستورها الحديث، والتي قامت بفصل الدين عن الدولة وبالتالي حرمان الكثير من المواطنين من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، وهو ما أثار حفيظة المواطنين ضد العلمانية ولم يجعل استعادتها أمرا محببا إلى قلوبهم يدفعهم لتأييد انقلاب عسكري غاشم.
وعلى الرغم من اتهام جولن الذي لا يؤمن بالعلمانية بتدبير الانقلاب العسكري الأخير، إلا أن بيان الجيش كان يبدو دعوة لتأليف قلوب العسكر الذين طالما حكموا تركيا في السابق بمبادئ العلمانية، غير أن الكثير من الجنود الأتراك -فيما يبدو- لم يكونوا على علم بحركة الانقلاب، وإنما شاركوا فيها ظنا منهم بأنها تحركات عسكرية لمواجهة خطر يهدد الحكومة الشرعية، وهو ما أكده الرئيس إردوغان بأن الجنود في الشارع نفذوا قرارات قادتهم، وليس أدل على ذلك من رفض غالبيتهم قتل المتظاهرين بل استسلامهم السريع فور انتشار خبر الانقلاب.
لقد خرج الشعب التركي ليس حبا في أردوغان وإنما رغبة في الحفاظ على مكتسباته الديموقراطية، وكرها في العلمانية وتسلط العسكر، ورب ضارة نافعة، فمن المؤكد أن ما حدث سيساعد الرئيس على تطهير ما تبقى من جذور العلمانية في مؤسسات الدولة، لكن ما حدث في تركيا يلقي بظلاله الثقيلة على دول منطقتنا ويدفعنا لعقد الكثير من المقارنات التي تصب مباشرة في صالح الجانب التركي، ولنقارن فقط بإيجاز بين الجيش التركي والجيش السوري، حيث رفضت غالبية الجنود الأتراك مهاجمة مواطنيهم واستسلم الآلاف منهم فور علمهم بمحاولة انقلاب غادرة، بينما لا يزال الجيش السوري يدك شعبه منذ ستة أعوام، بل لم يتورع عن الاستعانة بقوى خارجية للإمعان في إذلالهم وقهرهم.
مقارنة أخرى بين تركيا وبين نظام العمائم السوداء في إيران، ففي سياق متصل تواردت الأنباء عن عقد مؤتمر بفرنسا لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، والتي طالبت فيه بإسقاط نظام الملالي ودعم الحكومات لها، والذي ظهر خلاله الأمير تركي الفيصل متحدثا ومعربا عن رغبته الشخصية أيضا في إسقاط النظام، وكم تمنينا جميعا لو تخلى الأمير عن دبلوماسيته المعتادة وصرح بصوت عال بأن الحكومات الخليجية بل الشارع الخليجي بأكمله يردد بوضوح «نحن أيضا نريد إسقاط النظام».
من المعلوم للجميع أن إيران دأبت بعد الثورة الخمينية على السعي لتأليب الشعوب الخليجية ضد حكامها، وهو بالطبع المسعى الفاشل الذي أثار ضغينتها أكثر فأكثر ضد استقرار دول الخليج، وقد أشرت مرارا بل صرحت في مقالة سابقة (الإعلام المضاد) بأنه يتحتم على حكومتنا القيام بالمثل، وذلك من خلال تنظيم حملات دعائية وإعلامية ممنهجة لفضح نظام الملالي الفاسد الغاشم، وهو المطلب الذي تحقق أخيرا -وإن كان متأخرا بعض الشيء- من خلال تصريح الأمير الأخير، الذي أثار دوائر الحكم في طهران إلى الحد الذي نعتوه به بأنه يفتقر للدبلوماسية!.
من السخرية أن تتحدث أقل دول العالم التزاما بالدبلوماسية عن أصول الدبلوماسية، فإيران المشاكسة ونظامها الصفيق الذي يدعم اقتحام قنصليات الدول الأجنبية ويحتفظ برعايا الدول الأخرى كرهائن ولا يتوقف عن التدخل في شؤون دول الجوار، هو من يعطي لنفسه الحق في تصنيف تصريحات مسؤولي الدول الأخرى، فكل ما يشغل النظام في طهران هو إسقاط الأنظمة غير الصديقة لها والسعي لتأسيس تحالفات أو حتى أنظمة موالية لها في تلك الدول، في اعتقادي أنه آن الأوان لكي نتخلى عن سياسة «رد الفعل» بمعنى أن سياساتنا يجب ألا تكون مبنية على تحركات الطرف الآخر، بل علينا تسديد ضربات استباقية ضد جهازها الإعلامي وتفكيك وإفشال مخططاتها الدعائية قبل أن تتمكن حتى من استرداد أنفاسها.
أنا أعلنها صراحة «يجب أن يتغير النظام الحاكم في إيران»، ليس فقط لأنه لم يجلب إلا الدمار والخراب لشعبه أولا وللمنطقة ثانيا، ولكن لأن النظام الإيراني كالأفعى التي لا تموت إلا بدق رأسها، وإلا فإنها ستظل كالسرطان المتخفي داخل الجسد لا يمكن التخلص منه إلا باسئتصال العضو نفسه، وهو ما حدث بالفعل في جميع مناطق الصراعات المشتعلة التي امتدت لها الأيدي الإيرانية، في اليمن وسورية والعراق، وإن لم نتحرك الآن ونسارع بالمبادرة بإيقاف العدون الإيراني فإننا سنخسر المزيد من أعضاء جسد أمتنا العربية، وعندها لن ينفعنا التباكي ولن تفيدنا وعود الدول الغربية التي تقتات على حساب استمرار نزاعاتنا، بل سنظل في مواجهة أبدية مع عدو خسيس متضخم، لن يوقفه إلا الموت أو الهزيمة النكراء، بل من الأفضل كلاهما معا.