بدأت القمة العربية في نواكشوط يوم «25 يوليو 2016» بحلم جميل تحقق وانتهت بقرارات مكررة ستبقى حبراً على ورق دون تنفيذ، خصوصاً أنها ذُيِّلت بتحفظات بعض الدول العربية تبعاً لمصالحها وارتباطاتها بقوى خارجية في مقدمتها إيران.
فقد أدان البيان الختامي للقمة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، ودعاها إلى احترام مبدأ الحوار والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها؛ إلا أن «العراق» أبدى تحفظاً على عنوان البند المتعلق بذلك؛ مبرراً تحفظه أن «التدخل الإيراني يطال بعض الدول العربية وليس كلها»، بينما نأى «لبنان» بنفسه عن تلك الإدانة، في موقف غريب ومعتاد ابتدعه الساسة اللبنانيون في عالم السياسة والدبلوماسية حينما تُدان إيران في القمم العربية أو اجتماعات وزراء الخارجية العرب.
كما دعا البيان تركيا إلى سحب قواتها من العراق بموجب العلاقات الثنائية بين الدول العربية وأنقرة؛ كما تمَّت الموافقة على إدراج «بند دائم» على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة يتعلق بـ«دعوة تركيا إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق» إلى حين تحقيق الانسحاب التركي من الأراضي العراقية، وهو من القرارات المستغربة لتمريره دون أي تحفظات من الدول العربية ذات العلاقات الإستراتيجية مع تركيا.
ويمكن تحليل أبعاد ذلك القرار في ما يلي:
أولاً: حقَّق العراق انتصاراً دبلوماسياً مهماً على صعيد علاقاته العربية، والتزاماً عربياً دائماً بإدانة تركيا في المؤتمرات الدولية والإسلامية باستغلاله للإجماع العربي في قمة نواكشوط لممارسة مزيد من الضغوط الدبلوماسية على تركيا.
ثانياً: قد لا يكون لدى تركيا متسع من المجال حالياً للرد على هذا القرار؛ لانشغالها بترتيب بيتها الداخلي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في «15 يوليو 2016»، إلا أن الدبلوماسية التركية لن تقف مكتوفة الأيدي أمامه، خصوصا أنها أعلنت في أكثر من مناسبة أن وجود قواتها على الأراضي العراقية هو وجود موقت، هدفه حماية حدودها وأمنها القومي؛ نظراً لضعف حكومة بغداد التي تسيطر إيران على قرارها السيادي ويحتل تنظيم «داعش» مساحات شاسعة من أراضيها.
ثالثاً: يعتبر قرار القمة العربية ضد تركيا بمثابة جرس إنذار لإعادة النظر في علاقاتها وسياستها الخارجية تجاه مصر التي تعرَّضت في الآونة الأخيرة لتوتر وتصعيد غير مسبوق، انعكس بشكل سلبي جداً على المصالح التركية مع عدد من الدول العربية المهمة التي تدعم حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
إن قراءة سريعة لانعكاسات فشل الانقلاب العسكري في تركيا على علاقاتها مع الدول العربية تؤكد أن العالم سيكون أمام تركيا جديدة، ستشهد مزيداً من الانفتاح الإيجابي والمثمر، رغم بعض المشاكل العالقة التي من أهمها العلاقات التركية المصرية.
كما لم يعد مستحيلاً أن تقف العلاقات التركية الإسرائيلية، التي عادت من جديد بعد القطيعة التي سبَّبها الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في «مايو 2010»، حاجزاً أمام تعزيز العلاقات العربية التركية، والتواصل غير المحدود بين المجتمعات العربية والتركية بكافة توجهاتها وتنظيماتها التي أحدثت تغييرات مهمة في إطار التاريخ والجغرافيا والدين والمصير المشترك.
أما بالنسبة لتعزيز العلاقات الخليجية التركية التي تمَّ تأطيرها في «الحوار الإستراتيجي الخليجي التركي» فتكمن أهميتها في الآتي:
- تعزيز العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون في موازاة ترتيباتها الأمنية والإستراتيجية مع حلفائها التقليديين في منطقة الخليج، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية بعد التوقيع على الاتفاق النووي وانعكاساته على أمن واستقرار دول المجلس التي أصبحت مُهددة أكثر من أي وقت مضى.
- المساعدة على اتخاذ مواقف خليجية مستقلة، والبحث عن خيارات بديلة لمواجهة التمدد على اتخاذ مواقف خليجية مستقلة، والبحث عن خيارات بديلة لمواجهة التمدد الإيراني الذي تمكَّن من تعزيز نفوذه في العراق الذي يعاني من السيطرة الإيرانية على قراراته السيادية ومن أوضاع صعبة بسبب احتلال «داعش» لأجزاء من أراضيه، إضافة إلى اشتداد الصراع الطائفي الداخلي وخشية دول المجلس من انتشاره.
هكذا تتلخَّص صورة قمة نواكشوط وقراراتها المتناقضة، فلو تحقَّق جزء يسير من قرارات القمم العربية التي بقيت معلبة على أرفف الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة منذ «قمة أنشاص - مايو 1946» حتى «قمة نواكشوط – يوليو 2016» لكان لدول العرب حضور أقوى على الساحة الدولية، وستكون لها صولات وجولات مشهودة، وستتمكن من فرض إرادتها على المجتمع الدولي وستحقق مصالحها ومصالح شعوبها وسط عالم لا يعترف إلا بالقوة.
* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.
فقد أدان البيان الختامي للقمة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، ودعاها إلى احترام مبدأ الحوار والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها؛ إلا أن «العراق» أبدى تحفظاً على عنوان البند المتعلق بذلك؛ مبرراً تحفظه أن «التدخل الإيراني يطال بعض الدول العربية وليس كلها»، بينما نأى «لبنان» بنفسه عن تلك الإدانة، في موقف غريب ومعتاد ابتدعه الساسة اللبنانيون في عالم السياسة والدبلوماسية حينما تُدان إيران في القمم العربية أو اجتماعات وزراء الخارجية العرب.
كما دعا البيان تركيا إلى سحب قواتها من العراق بموجب العلاقات الثنائية بين الدول العربية وأنقرة؛ كما تمَّت الموافقة على إدراج «بند دائم» على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة يتعلق بـ«دعوة تركيا إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق» إلى حين تحقيق الانسحاب التركي من الأراضي العراقية، وهو من القرارات المستغربة لتمريره دون أي تحفظات من الدول العربية ذات العلاقات الإستراتيجية مع تركيا.
ويمكن تحليل أبعاد ذلك القرار في ما يلي:
أولاً: حقَّق العراق انتصاراً دبلوماسياً مهماً على صعيد علاقاته العربية، والتزاماً عربياً دائماً بإدانة تركيا في المؤتمرات الدولية والإسلامية باستغلاله للإجماع العربي في قمة نواكشوط لممارسة مزيد من الضغوط الدبلوماسية على تركيا.
ثانياً: قد لا يكون لدى تركيا متسع من المجال حالياً للرد على هذا القرار؛ لانشغالها بترتيب بيتها الداخلي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في «15 يوليو 2016»، إلا أن الدبلوماسية التركية لن تقف مكتوفة الأيدي أمامه، خصوصا أنها أعلنت في أكثر من مناسبة أن وجود قواتها على الأراضي العراقية هو وجود موقت، هدفه حماية حدودها وأمنها القومي؛ نظراً لضعف حكومة بغداد التي تسيطر إيران على قرارها السيادي ويحتل تنظيم «داعش» مساحات شاسعة من أراضيها.
ثالثاً: يعتبر قرار القمة العربية ضد تركيا بمثابة جرس إنذار لإعادة النظر في علاقاتها وسياستها الخارجية تجاه مصر التي تعرَّضت في الآونة الأخيرة لتوتر وتصعيد غير مسبوق، انعكس بشكل سلبي جداً على المصالح التركية مع عدد من الدول العربية المهمة التي تدعم حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
إن قراءة سريعة لانعكاسات فشل الانقلاب العسكري في تركيا على علاقاتها مع الدول العربية تؤكد أن العالم سيكون أمام تركيا جديدة، ستشهد مزيداً من الانفتاح الإيجابي والمثمر، رغم بعض المشاكل العالقة التي من أهمها العلاقات التركية المصرية.
كما لم يعد مستحيلاً أن تقف العلاقات التركية الإسرائيلية، التي عادت من جديد بعد القطيعة التي سبَّبها الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في «مايو 2010»، حاجزاً أمام تعزيز العلاقات العربية التركية، والتواصل غير المحدود بين المجتمعات العربية والتركية بكافة توجهاتها وتنظيماتها التي أحدثت تغييرات مهمة في إطار التاريخ والجغرافيا والدين والمصير المشترك.
أما بالنسبة لتعزيز العلاقات الخليجية التركية التي تمَّ تأطيرها في «الحوار الإستراتيجي الخليجي التركي» فتكمن أهميتها في الآتي:
- تعزيز العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون في موازاة ترتيباتها الأمنية والإستراتيجية مع حلفائها التقليديين في منطقة الخليج، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية بعد التوقيع على الاتفاق النووي وانعكاساته على أمن واستقرار دول المجلس التي أصبحت مُهددة أكثر من أي وقت مضى.
- المساعدة على اتخاذ مواقف خليجية مستقلة، والبحث عن خيارات بديلة لمواجهة التمدد على اتخاذ مواقف خليجية مستقلة، والبحث عن خيارات بديلة لمواجهة التمدد الإيراني الذي تمكَّن من تعزيز نفوذه في العراق الذي يعاني من السيطرة الإيرانية على قراراته السيادية ومن أوضاع صعبة بسبب احتلال «داعش» لأجزاء من أراضيه، إضافة إلى اشتداد الصراع الطائفي الداخلي وخشية دول المجلس من انتشاره.
هكذا تتلخَّص صورة قمة نواكشوط وقراراتها المتناقضة، فلو تحقَّق جزء يسير من قرارات القمم العربية التي بقيت معلبة على أرفف الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة منذ «قمة أنشاص - مايو 1946» حتى «قمة نواكشوط – يوليو 2016» لكان لدول العرب حضور أقوى على الساحة الدولية، وستكون لها صولات وجولات مشهودة، وستتمكن من فرض إرادتها على المجتمع الدولي وستحقق مصالحها ومصالح شعوبها وسط عالم لا يعترف إلا بالقوة.
* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.