-A +A
حمود أبو طالب
العرب الذين فازوا بجائزة نوبل، ما عدا واحدا، لم يفوزوا بها في الحقيقة وإنما مُنحت لهم لاعتبارات لا علاقة لها بمنجز استثنائي يخدم البشرية، كانت كلها ملوثة برائحة التسييس ولاعتبارات تخدم الذين وقفوا خلف منحها إلى حد أننا فوجئنا بعد عام 2011 بأشخاص مغمورين تحولوا فجأة إلى نوبليين، هكذا وبكل بساطة واستخفاف بالمعايير التي تضبط الفوز بالجائزة.
وفي الوقت الذي كان فيه العرب يحرصون على مشروب «الفيمتو» المثلج خصوصاً في شهر رمضان، ونشروا عادة شربه حتى في دول مهجرهم، كان عربي آخر يشغل كل وقته بـ«فيمتو» آخر في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، كان الدكتور أحمد زويل المتخصص في علوم الليزر يغوص في أدق تفاصيل الوقت، يتحدى وحدة الثانية ويفتتها إلى ملايين الجزيئات في إصرار شديد وثقة أشد على أنه سينجز فتحاً جديداً مهماً في العلم. وفعلاً انتهى زويل بتقديم إنجاز «الفيمتو ثانية» كأحد أهم الإنجازات العلمية في القرن العشرين، ويفوز بجائزة نوبل في 1999 كأول عالم عربي يفوز بها بعد اختراعه كاميرا لتحليل الطيف تعمل بسرعة الفيمتو ثانية لدراسة التفاعلات الكيميائية بواسطتها، والفيمتو ثانية هي جزء من مليون مليار جزء من الثانية، وليقدم بعد ذلك وقبله أكثر من 350 بحثاً علمياً في الدوريات العالمية المتخصصة.
مشكلة الدكتور أحمد زويل، رحمه الله، أنه ينتمي إلى الأمة العربية التعيسة التي لا تؤمن بالعلم، فرغم حصوله على الجنسية الأمريكية وشهرته العالمية لم ينس وطنه وعروبته، حاول أن يفيد قومه بعلمه، حاول بناء صرح علمي متميز في العالم العربي لكنه اصطدم بكل غباء البيروقراطية والفساد وكأنه مقاول يريد الدخول في منافسة على أحد المشاريع الاستثمارية، عرقله المنتفعون والجهلة حتى أجهضوا مشروعه العلمي الطليعي في وطنه، لكنه رغم كل حزنه وألمه اختار أن يدفن في وطنه الذي خذله وفي مدفن اشتراه هو بماله، ويا لها من أوطان تبخل بتكريم علمائها حتى بأمتار من التراب.
غداً تستقبل مصر والأمة العربية العالم الضخم أحمد زويل لتدفنه ميتاً بعد أن دفنته بالحزن والخذلان حياً.

habutalib@hotmail.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة