في الحديث الذي أجراه الصديق منصور النقيدان مع عبدالله النفيسي في شهر يناير سنة 2006م، ذكر له «أنه كان في شهر رمضان من العام 1399هـ/ 1979م في شوق عارم لأداء العمرة، ولكنه لا يملك جوازاً يمكنه من دخول الأراضي السعودية بعد أن قامت الحكومة الكويتية بسحب جوازه عقب تأليفه كتاب (الكويت... الرأي الآخر)، ولكنه وجد من يعرض عليه المساعدة بتهريبه إلى داخل الحدود السعودية، وبعد دقائق من اجتيازهم الحدود أحاطت بهم سيارات أمن الحدود السعودي في (الرقعي)، فقبض عليه متنكراً باسم عبداللطيف الفهد، ضمن 20 شخصاً (العددالذي ذكره فيما بعد للزميل عبدالعزيز قاسم وفي سيرته الذاتية هو 36 شخصاً ويبدو أنه هو العدد الدقيق)، أودعوا السجن في المنطقة الشرقية لأكثر من شهر حيث أطلق سراحهم جميعاً بعد تدخل الشيخ سعد العبدالله الصباح ولي العهد الكويتي، ماعدا شخصاً واحداً هو صاحب (الوانيت الداستون) عبداللطيف الدرباس للتحقيق معه بشأن النشرات» (جهيمان العتيبي بعد 28 عاماً... نهاية أسطورة مقال منشور في جريدتي الوقت وإيلاف). وفي حوار الزميل عبدالعزيز قاسم معه في قناة (دليل) سنة 2011م، نفى أن تكون له صلة بحركة جهيمان العتيبي، وعد الحديث عن هذه الصلة من الشبهات التي تحيط به من جهات هو يعرف هويتها. ثم أعاد قول الرواية التي أفضى بها لمنصور في خطها الرئيس.
قلت في خاتمة الحلقة السابقة إنه اعتمد هذا القول في سيرته الذاتية (من أيام العمر الماضي).
يبدأ النفيسي الرواية في هذه السيرة هكذا: «ذات يوم في مسجد (الحقان) بالفنطاس قال لي: كيف حالك؟ قلت: في نعمة وستر قال: ترافقنا للعمرة؟ قلت: ياليت عندي جواز سفر. قال: لن تحتاج إلى جواز سفر فنحن منذ سنوات نسلك الطريق (الشرعي). قلت لنفسي: يبدو أن الأخ من منظمة (بادرماينهوف) فهم لا يعترفون بوثائق السفر الألمانية. أعجبني هذا (البافاري) من سكان الفنطاس فقلت له: على بركة الله».
الذي قدم له ذلك العرض وأغفل اسمه هو عبداللطيف الدرباس، وهو من أبرز أعضاء (الجمعية السلفية المحتسبة) في فرعها بالكويت والتي يقودها في مقرها الرئيس بالسعودية، جهيمان العتيبي. وقد أغفل اسمه في بداية روايته ليدعي أنه لا تربطه به معرفة سابقة.
نسي النفيسي أنه ذكر للنقيدان في الحوار المشار إليه آنفاً أنه «قد التقى خريف 1979 جهيمان في مسجد العباسية بالكويت، وسنحت له الفرصة مرة أخرى بلقاء خاطف مع المهدي محمد عبدالله التركي (القحطاني) في الفنطاس».
وهذان اللقاءان لا بد أن يكونا بتدبير وتنسيق من الدرباس وبرغبة من النفيسي، فالدرباس على ما حدثنا الصديق مشاري الذايدي في مقال له عن سيرة أبي محمد المقدسي منشور في جريدة (الشرق الأوسط)، بتاريخ 7 يوليو 2005: «من أبرز من كان له صلة وصداقة بجهيمان العتيبي في الكويت». هذا إضافة إلى أنه كان هو الذي تولى نشر كراسات جهيمان في الكويت.
وزيادة في ادعائه بأنه لا تربطه معرفة سابقة بالدرباس ولا بأتباع جهيمان في الكويت، ولا بجهيمان نفسه، ولا أنه كان مطلعا على كراسات الأخير ومعجباً بها، اصطنع الدهشة حينما أعلمه الدرباس، كما روى هو أنهم يتنقلون ما بين الكويت والسعودية من دون جوازات، وكأنه يجهل تحريماتهم (الجواز يقتضي وضع صورة فوتغرافية وهم يحرمون الصور)، ويجهل نشاطاتهم المتعلقة بتهريب كراسات جهيمان من الكويت إلى السعودية.
دهشته كانت في تشبيههم بمنظمة أو جماعة أو عصابة (بادرماينهوف) الألمانية الذين يسمون أنفسهم (الجيش المسلح الأحمر). وهذه المنظمة شيوعية مسلحة متطرفة فوضوية. بصرف النظر عن أن تشبيهه هذا ليس في محله، وبصرف النظر عن أن إطرائه لعبداللطيف الدرباس بنعته بـ(البافاري) تكلف كان فيه فدامة ووخامة وغلاظة، فإنه أراد بالأولى إضفاء لمسة (حديثة) ورونق (عصري) على حركة جهيمان العتيبي التي هي كما أشرت في الحلقة الماضية حركة دينية بدائية ومتخلفة وأمية في فكرها وفي وعيها بعصرها، ليبرر لنفسه دخول السعودية مع عصابة 36 جهيمانياً بطريقة غير شرعية، كما في الرواية المبتورة التي اعتمدها في سيرته الذاتية. وليبرر لنفسه -وهو الأمر الذي ينفيه وينكره- تورطه مع أولئك في تهريب كراسات جهيمان إلى السعودية، وانضمامه إلى الحركة والتنظير لها وللتكفير عامة، كما في كتابه (الكويت الرأي الآخر) و(عندما يحكم الإسلام).
وللدلالة على أن قوله مهلهل في التملص من مشاركته عصابة 36 عملهم، أشير إلى أنه قال للزميل عبدالعزيز قاسم في مقابلته التلفزيونية: (هربت مع مجموعة الشباب عبر الحدود السعودية لكي أحصل على العمرة هناك ثم أغادر المملكة إلى بلاد الله الواسعة للعمل) خارج الكويت.
السؤال هنا: كيف سيغادر السعودية إلى بلاد الله الواسعة، وهو ليس لديه جواز كويتي؟!
يا دكتور عبدالله، لا أقول لك إلا كما قال سعد الفرج لخالد النفيسي وهما يتباريان في (الفشر) على طريقة (أبو لمعة والخواجة بيجو) في إحدى المسرحيات الكويتية: (وديّ ... وديّ أصدق بس، قوية... قوية).
الصحيح في ما قاله: هو أنه كان آنذاك مدفوعا بقناعة مفادها، «بأن الأرض، كل الأرض، هي بلاد الله، ودخوله إلى أية بقعة فيها لا يحتاج إلى تأشيرة من سلطة أو سلطان على الأرض». عبدالله النفيسي: الرجل - الفكرة - التقلبات. ص64.
وهكذا كان فكر جهيمان وأعوانه كالدرباس وسواه.
استرعى انتباهي وهو يتحدث عن أيامه في سجن الدمام، إفصاحه عن أحد أمرين شغلاه في اليومين الأولين من سجنه وسجن بقية رفاقه، وهو: «مصاحفنا وكتبنا في السيارات لم يسمحوا لنا بها... فوتح الرائد عبدالله بالموضوع فقال: أظن في اليوم الثالث نسمح لكم بالمصاحف والكتب».
وفي اليوم الثالث أعلن النفيسي مغتبطا: «المصحف في متناول اليد وهي فرصة عظيمة للحفظ والتدبر والمدارسة و(حاشية السندي) كان مشعل يقرأ منها بصوت عال».
استرعى انتباهي أمر الكتب التي كانوا يحملونها في سياراتهم، وهم في مغامرة تهريب، والتي كانت قراءتها -بالنسبة لهم- أشبه ما تكون بممارسة طقس ديني يومي، فتساءلت: ما هي هذه الكتب؟ وما هي حكايتها؟
لجأت إلى الصديق ناصر الحزيمي ليجلو لي ما غمض علي، فسألته عنها، وقلت إنه لم يذكر منها سوى كتاب واحد هو (حاشية السندي).
أجاب موضحاً: «من عادة جهيمان ومن عادة أتباعه أن يحملوا مجموعة من الكتب في أسفارهم هي في الغالب كتب الألباني (لمعرفة قدر تأثير الألباني في فكر الجماعة السلفية المحتسبة أنصح القارئ بالرجوع إلى بحث الصديق النقيدان: السلفيون أهل الحديث، دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ونيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار للشوكاني، وتفسير ابن سعدي، واتحاف الجماعة في الفتن وأشراط الساعة لحمود التويجري، أما الكتاب الذي ذكرته، فهو حاشية السندي على صحيح البخاري، وقد تختلف تفضيلاتهم في الزيادة».
وبعد هذا الإيضاح أدركت أن ما كان يشغل النفيسي هو الانقطاع ليومين متتاليين عن أداء طقس قرائي جهيماني جماعي.
وأخيراً -للتدليل على أن قوله مهلهل- ألفت النظر أنه خص من رفقائه في الزنزانة (س. ش. وع. د و ب. خ ومشعل)، عبداللطيف الدرباس (اكتفى بذكر اسمه الأول وانتحل هو اسمه الأول في الاسم المستعار الذي اتخذه لنفسه: عبداللطيف الفهد) بوصف إمامنا وشيخنا!
وما تغريدته الرابعة التي قال فيها: (وأدركت الآن أن على المرأ أن يستوحي دروسه ومراجعاته الفكرية من (عالم الشهادة أي الواقع)، وليس من (الخلوات أي التنظيم الصحراوي الرومانسي) -وهي التي ربما كانت من بين التغريدات التي وجد الصديق عبدالعزيز السويد في بعض عباراتها المقوسة غموضاً، كما أشار هو إلى ذلك في مقاله الأول عما أسمي بمراجعات النفيسي- سوى إيماءة من بعيد إلى تجربة جماعة جهيمان العتيبي التي هو خاض غمارها. وتحدث عن أيامها في سجن الدمام مع رفقته في الزنزانة بحنين فارط، ورومانسية عالية.
قلت في خاتمة الحلقة السابقة إنه اعتمد هذا القول في سيرته الذاتية (من أيام العمر الماضي).
يبدأ النفيسي الرواية في هذه السيرة هكذا: «ذات يوم في مسجد (الحقان) بالفنطاس قال لي: كيف حالك؟ قلت: في نعمة وستر قال: ترافقنا للعمرة؟ قلت: ياليت عندي جواز سفر. قال: لن تحتاج إلى جواز سفر فنحن منذ سنوات نسلك الطريق (الشرعي). قلت لنفسي: يبدو أن الأخ من منظمة (بادرماينهوف) فهم لا يعترفون بوثائق السفر الألمانية. أعجبني هذا (البافاري) من سكان الفنطاس فقلت له: على بركة الله».
الذي قدم له ذلك العرض وأغفل اسمه هو عبداللطيف الدرباس، وهو من أبرز أعضاء (الجمعية السلفية المحتسبة) في فرعها بالكويت والتي يقودها في مقرها الرئيس بالسعودية، جهيمان العتيبي. وقد أغفل اسمه في بداية روايته ليدعي أنه لا تربطه به معرفة سابقة.
نسي النفيسي أنه ذكر للنقيدان في الحوار المشار إليه آنفاً أنه «قد التقى خريف 1979 جهيمان في مسجد العباسية بالكويت، وسنحت له الفرصة مرة أخرى بلقاء خاطف مع المهدي محمد عبدالله التركي (القحطاني) في الفنطاس».
وهذان اللقاءان لا بد أن يكونا بتدبير وتنسيق من الدرباس وبرغبة من النفيسي، فالدرباس على ما حدثنا الصديق مشاري الذايدي في مقال له عن سيرة أبي محمد المقدسي منشور في جريدة (الشرق الأوسط)، بتاريخ 7 يوليو 2005: «من أبرز من كان له صلة وصداقة بجهيمان العتيبي في الكويت». هذا إضافة إلى أنه كان هو الذي تولى نشر كراسات جهيمان في الكويت.
وزيادة في ادعائه بأنه لا تربطه معرفة سابقة بالدرباس ولا بأتباع جهيمان في الكويت، ولا بجهيمان نفسه، ولا أنه كان مطلعا على كراسات الأخير ومعجباً بها، اصطنع الدهشة حينما أعلمه الدرباس، كما روى هو أنهم يتنقلون ما بين الكويت والسعودية من دون جوازات، وكأنه يجهل تحريماتهم (الجواز يقتضي وضع صورة فوتغرافية وهم يحرمون الصور)، ويجهل نشاطاتهم المتعلقة بتهريب كراسات جهيمان من الكويت إلى السعودية.
دهشته كانت في تشبيههم بمنظمة أو جماعة أو عصابة (بادرماينهوف) الألمانية الذين يسمون أنفسهم (الجيش المسلح الأحمر). وهذه المنظمة شيوعية مسلحة متطرفة فوضوية. بصرف النظر عن أن تشبيهه هذا ليس في محله، وبصرف النظر عن أن إطرائه لعبداللطيف الدرباس بنعته بـ(البافاري) تكلف كان فيه فدامة ووخامة وغلاظة، فإنه أراد بالأولى إضفاء لمسة (حديثة) ورونق (عصري) على حركة جهيمان العتيبي التي هي كما أشرت في الحلقة الماضية حركة دينية بدائية ومتخلفة وأمية في فكرها وفي وعيها بعصرها، ليبرر لنفسه دخول السعودية مع عصابة 36 جهيمانياً بطريقة غير شرعية، كما في الرواية المبتورة التي اعتمدها في سيرته الذاتية. وليبرر لنفسه -وهو الأمر الذي ينفيه وينكره- تورطه مع أولئك في تهريب كراسات جهيمان إلى السعودية، وانضمامه إلى الحركة والتنظير لها وللتكفير عامة، كما في كتابه (الكويت الرأي الآخر) و(عندما يحكم الإسلام).
وللدلالة على أن قوله مهلهل في التملص من مشاركته عصابة 36 عملهم، أشير إلى أنه قال للزميل عبدالعزيز قاسم في مقابلته التلفزيونية: (هربت مع مجموعة الشباب عبر الحدود السعودية لكي أحصل على العمرة هناك ثم أغادر المملكة إلى بلاد الله الواسعة للعمل) خارج الكويت.
السؤال هنا: كيف سيغادر السعودية إلى بلاد الله الواسعة، وهو ليس لديه جواز كويتي؟!
يا دكتور عبدالله، لا أقول لك إلا كما قال سعد الفرج لخالد النفيسي وهما يتباريان في (الفشر) على طريقة (أبو لمعة والخواجة بيجو) في إحدى المسرحيات الكويتية: (وديّ ... وديّ أصدق بس، قوية... قوية).
الصحيح في ما قاله: هو أنه كان آنذاك مدفوعا بقناعة مفادها، «بأن الأرض، كل الأرض، هي بلاد الله، ودخوله إلى أية بقعة فيها لا يحتاج إلى تأشيرة من سلطة أو سلطان على الأرض». عبدالله النفيسي: الرجل - الفكرة - التقلبات. ص64.
وهكذا كان فكر جهيمان وأعوانه كالدرباس وسواه.
استرعى انتباهي وهو يتحدث عن أيامه في سجن الدمام، إفصاحه عن أحد أمرين شغلاه في اليومين الأولين من سجنه وسجن بقية رفاقه، وهو: «مصاحفنا وكتبنا في السيارات لم يسمحوا لنا بها... فوتح الرائد عبدالله بالموضوع فقال: أظن في اليوم الثالث نسمح لكم بالمصاحف والكتب».
وفي اليوم الثالث أعلن النفيسي مغتبطا: «المصحف في متناول اليد وهي فرصة عظيمة للحفظ والتدبر والمدارسة و(حاشية السندي) كان مشعل يقرأ منها بصوت عال».
استرعى انتباهي أمر الكتب التي كانوا يحملونها في سياراتهم، وهم في مغامرة تهريب، والتي كانت قراءتها -بالنسبة لهم- أشبه ما تكون بممارسة طقس ديني يومي، فتساءلت: ما هي هذه الكتب؟ وما هي حكايتها؟
لجأت إلى الصديق ناصر الحزيمي ليجلو لي ما غمض علي، فسألته عنها، وقلت إنه لم يذكر منها سوى كتاب واحد هو (حاشية السندي).
أجاب موضحاً: «من عادة جهيمان ومن عادة أتباعه أن يحملوا مجموعة من الكتب في أسفارهم هي في الغالب كتب الألباني (لمعرفة قدر تأثير الألباني في فكر الجماعة السلفية المحتسبة أنصح القارئ بالرجوع إلى بحث الصديق النقيدان: السلفيون أهل الحديث، دراسة في فكر المحتلين للمسجد الحرام)، ونيل الأوطار في شرح منتقى الأخبار للشوكاني، وتفسير ابن سعدي، واتحاف الجماعة في الفتن وأشراط الساعة لحمود التويجري، أما الكتاب الذي ذكرته، فهو حاشية السندي على صحيح البخاري، وقد تختلف تفضيلاتهم في الزيادة».
وبعد هذا الإيضاح أدركت أن ما كان يشغل النفيسي هو الانقطاع ليومين متتاليين عن أداء طقس قرائي جهيماني جماعي.
وأخيراً -للتدليل على أن قوله مهلهل- ألفت النظر أنه خص من رفقائه في الزنزانة (س. ش. وع. د و ب. خ ومشعل)، عبداللطيف الدرباس (اكتفى بذكر اسمه الأول وانتحل هو اسمه الأول في الاسم المستعار الذي اتخذه لنفسه: عبداللطيف الفهد) بوصف إمامنا وشيخنا!
وما تغريدته الرابعة التي قال فيها: (وأدركت الآن أن على المرأ أن يستوحي دروسه ومراجعاته الفكرية من (عالم الشهادة أي الواقع)، وليس من (الخلوات أي التنظيم الصحراوي الرومانسي) -وهي التي ربما كانت من بين التغريدات التي وجد الصديق عبدالعزيز السويد في بعض عباراتها المقوسة غموضاً، كما أشار هو إلى ذلك في مقاله الأول عما أسمي بمراجعات النفيسي- سوى إيماءة من بعيد إلى تجربة جماعة جهيمان العتيبي التي هو خاض غمارها. وتحدث عن أيامها في سجن الدمام مع رفقته في الزنزانة بحنين فارط، ورومانسية عالية.