أجمع عدد من الخبراء العقاريين على ضرورة إنشاء مجلس أعلى للإسكان يضطلع بمهمات وزارة الإسكان، ويوفر لها التسهيلات اللازمة لتوفير السكن الملائم للمواطنين، بعد أن أثبتت الوزارة عجزها في تحمل المسؤولية بمفردها. واقترح الخبراء في ندوة عقدتها «عكاظ» تحت عنوان «الإسكان.. التحديات والحلول»، أن يرتبط المجلس بولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، وأن يكون المجلس على مستوى الوزراء وليس المندوبين للجهات المعنية ومنها وزارات: العدل، الشؤون البلدية والقروية، التعليم، التجارة والاستثمار، النقل والاقتصاد والتخطيط، فضلا عن رئيس الشركة السعودية للكهرباء.وأوصى الخبراء العقاريون بأهمية النظر لأزمة الإسكان بنظرة شمولية تغير من مفاهيم المضاربة في العقار إلى المشاركة في التطوير العمراني، إذ إن معظم العقاريين مجرد مضاربين في الأراضي الخام، مشيرين إلى أن إحصائية لوزارة العدل كشفت أن إجمالي قيمة الصفقات العقارية التي تمت عام 1436هـ بلغت نحو 367 مليار ريال على مستوى المملكة، وشددوا على أهمية التجديد الحضري لحل الأزمة.
ورأى المشاركون في الندوة أن المشكلة لن تحل دون إيجاد بنية تحتية للتطوير العمراني، مؤكدين أن المطور العقاري يعاني من عدم وجود عمالة مدربة.
وانتقد المشاركون برامج وزارة الإسكان، مشددين على أنها لن تحل مشكلة الإسكان، وقالوا لابد أن تغير الوزارة من آلياتها لتحقيق حلم المواطن في السكن.
• «عكاظ»: على الرغم من الجهود المبذولة من الحكومة والجهات المعنية لحل أزمة السكن، إلا أنها تفاقمت أخيرا، نظرا لضبابية الإجراءات وفشلها في احتواء الأزمة في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات والأراضي بصورة مستمرة، وسنحاول من خلال هذه الندوة تلمس مكامن الخلل وطرح الحلول التي ترون - بصفتكم خبراء في مجال العقار- أنها ستسهم في تذليل العقبات، فضلا عن تقييم جهود وبرامج وزارة الإسكان لحل الأزمة، وسنبدأ بالمهندس طلال سمرقندي لتشخيص أزمة السكن في المملكة بشكل عام، ومن ثم سيتم فتح المجال أمامكم لمناقشة ما يطرحه من أفكار ورؤى.
مشكلة تراكمية
•• طلال سمرقندي: مشكلة الإسكان، تعد مشكلة تراكمية منذ سنين طويلة لعدم وجود نظرة شمولية لموضوع السكن والتطوير العقاري، وكان الحل في الماضي يقوم فقط على إعطاء قرض من الصندوق العقاري، ونظرا لعدم وفرة الأراضي انحسرت المنح، كما أن عدم زيادة ميزانية الصندوق العقاري أسهم في تأخر القروض وهذا التأخير كانت تواجهه زيادة كبيرة في عدد السكان والهجرة الداخلية من الريف إلى المدن، إذ إن الزيادة السنوية للسكان في مكة وجدة والرياض وحاضرة الدمام تصل إلى 11 %، وفقا لوزارة الشؤون البلدية والقروية، وهذه زيادة كبيرة جداً لا يمكن استيعابها إلا بخطط كبيرة جداً، مع العلم أن نسبة زيادة المواليد في المملكة تصل إلى 3.4% ولمزيد من التوضيح أستعرض هنا ستة محاور رئيسية تلخص المشكلة والحل:
المحور الأول: لا بد من نظرة شمولية تغير من مفاهيم المضاربة في العقار إلى المشاركة في التطوير العمراني، إذ إن معظم العقاريين مجرد مضاربين بالأراضي الخام ووفقاً لإحصائية من موقع وزارة العدل لعدد الصفقات العقارية التي تمت عام 1436هـ، كان إجمالي قيمة تلك الصفقات 367 مليار ريال على مستوى المملكة، أما التداول في الأراضي الخام فبلغ 85.6 % أي 314 مليار ريال فقط من الأراضي الخام.
والمشكلة لن تحل دون إيجاد بنية تحتية للتطوير العمراني، فأي مطور عقاري لا يجد ورشة نجارة جيدة أو ورشة حدادة جيدة أو حتى عمالة ماهرة، وهذا ما جعل المملكة أكبر مركز تدريب للعمالة في العالم، إذ إن أربعة ملايين عامل في المقاولات لا يجيدون العمل يأتون للتدريب ثم يعودون إلى بلدانهم محترفين، ليأتي غيرهم.
نقص العمالة الماهرة
وفي سبيل توفير عمالة ماهرة فإن مراجعة أنظمة الاستقدام تصبح أمراً ملحاً، فنحن نريد عمالة ماهرة للوصول إلى منشآت تطوير عمرانية ذات جودة عالية.
كما أننا نحتاج لمراجعة الأنظمة الخاصة بتراخيص التطوير العمراني، إذ تتأخر أحيانا لمدة تراوح بين العام والعام ونصف وهذا التأخير يترتب عليه اختلاف الجدوى الاقتصادية التي توضع للمشروع، وفي ما يتعلق بالمرحلة الثانية من النظرة الشمولية فإنها تكمن في تسهيل أمور التقاضي وتقليص مدد المحاكمات وتوفير المختصين، إذ إن أي خلاف بين مقاول ومالي يستغرق من خمس إلى ثماني سنوات لحله وهذا فيه تعطيل غير مبرر.
المحور الثاني: يقوم على تحويل وزارة الإسكان من منفذ للمشاريع إلى مشرف، لأن معظم الوزارات تخطئ عندما تكون هي المنفذة لمشاريعها ويصاحب ذلك ارتفاع الأسعار، المحور الثالث: تفتيت المشاريع إلى أجزاء مصغرة يعد في الواقع إحدى المشكلات التي يستفيد منها الكبار، لكن عامة المواطنين أو المستثمرين أو المقاولين لا يستفيدون شيئا، فمثلا إذا كان هناك تطوير حي بأكمله في مشروع يكلف بين 100 و200 مليار، فلن يستطيع المقاول الصغير الدخول في أي من مناقصاته، لكن إذا تمت تجزئته إلى «بلوكات» صغيرة سيتمكن من ذلك، والكل سيستفيد، وهنا ينشأ تطوير عمراني شامل واستدامة.
المحور الرابع: وضع منهجية جديدة للتعامل مع مواد البناء حيث تعيش المملكة طفرة عمرانية في جميع المجالات ولولا مشكلة انخفاض أسعار البترول لظلت الطفرة على الزخم نفسه الذي كانت عليه قبل سنتين، إذ وصلت ميزانية المملكة نحو ترليون ريال، وعادة ما يذهب نحو 60 - 70 % من الميزانية إلى المشاريع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وإذا علمنا أن المملكة تعد من أكثر بلدان العالم في التطوير العمراني، فمن المفروض أننا نستهلك كل مواد البناء المنتجة محليا والمستوردة، وهذه أيضا تحتاج إلى نظرة شمولية مثل منع تصدير مواد البناء الأساسية وعلى رأسها الأسمنت والحديد.
المحور الخامس: التشديد على منع استيراد المواد غير المطابقة للمواصفات والمقاييس، والقيادة لم تغفل هذا الجانب، وكان هذا الأمر ضمن ملف زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للصين، إذ بحث مع القيادة الصينية منع تصدير المواد غير المطابقة للمواصفات والمقاييس السعودية.
المحور السادس: لا بد من إلغاء الرسوم الجمركية على مواد البناء، ودعم وتشجيع المنتجات السعودية من مواد البناء وتسهيل تمويلها.
• «عكاظ»: مشكلة الهجرة من الأرياف إلى المدن، والرسوم الجمركية، ومنع استيراد مواد البناء غير المطابقة للمواصفات، ليست من مسؤوليات وزارة الإسكان بالدرجة الأولى.. فهل يعني ذلك أن أزمة الإسكان لا تقتصر على الوزارة فقط؟
•• سمرقندي: في اعتقادي أن أزمة الإسكان مسؤولية عدد من الوزارات والقطاعات المعنية، ومن المفترض أن تحل وزارة الإسكان أي مشكلة في التراخيص بالتنسيق مع وزارتي الشؤون البلدية والقروية والعدل، وكذلك الحال في ما يخص مشكلات التطوير العمراني أو العقاري وهذه المشكلات لو طرحت على المقام السامي ستجد الحلول اللازمة، لأن التفكير على انفراد لا يأتي بحل شامل.
• «عكاظ»: هل من مداخلة على ما طرحه المهندس طلال؟
•• إزدهار باتوبارة: نحن نتذكر أن وزارة الإسكان عملت ضمن خططها برنامجا خاصا لتسهيل التراخيص للمطورين والمستثمرين وتقديم الدعم اللوجستي له.
•• سمرقندي: صحيح أعلنت الوزارة أن هذا الأمر هو أحد التوجهات المستقبلية لكنه لم يفعّل حتى الآن ولم يتم تنفيذه، إذ يجري الآن الترتيب لتكون التراخيص من الوزارة، لأن إنشاء مخطط يحتاج الآن للأسف إلى ثلاث سنوات.
- إزدهار: الوزارة أكدت أن تنفيذ البرنامج سيسهم في تسريع و دعم عجلة التنمية.
•• عبدالهادي الرشيدي: المشكلة التي نواجهها هي عدم تطبيق الأنظمة وهذا هو المعوق الأساسي للتنمية، فمثلا الوزارة تتحدث عن برامج لها سنتان لم تنفذ ويصعب تنفيذها، ونستنتج من هذا أن المشكلة تكمن في عدم تفعيل الأنظمة.
مجلس أعلى للإسكان
•• رائد العقيلي: أرى أنه من أجل التغلب على مشكلة الإسكان أقترح تشكيل مجلس أعلى للإسكان على غرار الهيئة العليا لسيول جدة التي كان لها الفضل في إنهاء المشاريع في فترة وجيزة، لأن الإسكان يتصل بعدد من الوزارات ومنها العدل، الشؤون البلدية والقروية، التعليم، التجارة والاستثمار، النقل، والاقتصاد والتخطيط، فضلا عن الشركة السعودية للكهرباء.
وإذا تركت وزارة الإسكان لوحدها في هذه الظروف فأعتقد أنها ستواجه عوائق كثيرة، خصوصاً مع تضخم البيروقراطية، وأقترح كذلك أن يرأس المجلس ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لأن هذا سيؤدي إلى توحيد الجهود واتخاذ القرارات السريعة لحل أي عقبات تعترض التنفيذ بعيدا عن البيروقراطية.
•• سمرقندي: أرى أن يدرج هذا ضمن المجلس الاقتصادي، وأن يخصص المجلس الاقتصادي محورا من محاوره للإسكان.
ممثل للمواطنين
•• عبدالله الأحمري: أتفق مع الزملاء وهذه الخطوة كفيلة بالقضاء على البيروقراطية في هذه الوزارات، إذا كانت ضمن المجلس على شريطة أن تكون على مستوى الوزراء وليس على مستوى المندوبين، ولا بد أن يكون في المجلس ممثل لشريحة المواطنين يتحدث باسمهم ويتلمس حاجاتهم، وأن يكون لهم من يدافع عن حقوقهم ويطالب بها.
• «عكاظ»: نتواصل مع الأحمري لتسليط الضوء على محور آخر، وتحديدا برامج وزارة الإسكان.. كيف تراها بصفتك خبيرا عقاريا، وهل أسهمت في وضع الحلول لأزمة الإسكان؟
•• الأحمري: حقيقة عندما أنشئت وزارة الإسكان استبشر المواطنون خيراً لحل هذه المشكلة، وعملت الدراسات والخطط ليكون لكل مواطن سكنه الخاص، وهذا كان حلم القيادة العليا أيضاً، ثم تعثرت الوزارة بالدراسات واستعانت بخبرات خارجية وعملت بعض الورش التي للأسف اقتصرت على بعض المناطق ولم تستعن بالخبرات المحلية، ولا بأهل الشأن الذين يعرفون عن مشكلاتهم أكثر من غيرهم، لأن كثيرا من المنظرين يعملون وفقا لرؤاهم وأحلامهم، متناسين أن هناك طبقة تقدر بـ70 % من الشعب السعودي لا تتمتع بهذه الصفات التي اتخذها هؤلاء المنظرون ضمن إستراتيجية الإسكان، وحينما بدأت الوزارة في التنفيذ وجدنا أن لديها عدة برامج متميزة ولكن للأسف في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وتبخرت هذه الحلول في نهاية المطاف، إذ بنيت على أساس تقديم الأرض والقرض للمواطن، ولو تمت تلك الخطوة لأغنت المواطن عن تسليم نفسه أو عقاره للبنوك، لأن من حق أي مواطن أن يحصل على أرض من الدولة سواء كان قد منح في السابق أو لم يمنح، ويجب أن يأخذ مساحة تكفيه، على أن تراوح بين 300-600 متر مربع، رغم وجود نظام يجيز للمواطن أخذ منحة من البلدية التابع لها، فضلا عن منحة أخرى من المقام السامي تبلغ مساحتها 900 مترمربع.
بعد ذلك تم رصد 250 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة، ومضت على ذلك ست سنوات دون أن يكتمل المشروع، وآخر ما توصلت إليه الوزارة بحسب إستراتيجياتها:
أولا: يمكن للمواطن أن يحصل على مبنى أو وحدة سكنية في مبنى لم يمض عليه 20 عاماً، وهذا وضع واحداً من الحلول لأصحاب الدخل المحدود واعتبرناه من الحلول المعقولة.
ثانيا: سمحت الوزارة للأبناء بالبناء على عمارة الأب إذا كان يملك منزلا، بدلا من البحث عن أرض جديدة، وهذا من محاسن الوزارة.
أرباح مركبة
ثالثا: وجد المواطن صعوبة في الحصول على الأرض والقرض، وبعد ذلك جاء القرض المعجل الذي استبشر به المواطن ولكنه اكتشف أن الوزارة بهذا الحل تسلمه للبنوك ليتحمل الفوائد، ففي بداية المطاف يطلب البنك 30 % من قيمة القرض مقدما، ثم بعد ذلك يستلم المواطن القرض بضمان الوزارة.. وأنا لا أدري أين الضمان هنا! وأين خدمة الوزارة؟ وهنا يكون دور الوزارة مقتصراً على ضمان التزام المواطن بالتسديد.
رابعاً: على البنك ألا يعامل المقترض كما تعامله البنوك التجارية أو تلك التي تعمل بنظام المرابحة أو زيادة القرض أو توريطه في شراء عقار بنظام التأجير المنتهي بالتملك، وإذا تأخر بعدة أقساط يصادر منه البيت الذي دفع فيه أكثر من مليون ريال، هذه «قسمة ضيزى»، وهناك في أروقة المحاكم الكثير من القضايا حول هذا الموضوع.
البناء العمودي
أرى أن تتجه الوزارة إلى البناء العمودي بدلا عن البناء الأفقي لحل مشكلة ندرة الأراضي، ولو كان لديها على سبيل المثال مليون متر مربع داخل النطاق العمراني، فإن باستطاعتها أن تبني أبراجا مرتفعة تصل إلى 20 طابقا بالتنسيق مع الجهات المعنية، وكل برج يتسع لـ 300 وحدة سكنية، ومن ثم يجب على الوزارة أن تنهض بمهامها لتوفير المسكن للمواطن، ولنا أن نتساءل أين عقود الشركات التركية والكورية والماليزية التي تعاقدت الوزارة معها في وقت سابق لإنشاء المساكن؟ أين المساكن على أرض الواقع؟!.
•• رائد العقيلي: لدينا مشكلة وعلينا ألا نغرق في آليات تنفيذية وصعوبات، فمثلا بناء أبراج غير منطقي ومجرد كلام نظري، لأن المخطط مصمم لاستيعاب عدد معين من الوحدات السكنية، وإذا أنشئت فيه أبراج، فهذا يعني زيادة غير متوقعة في عدد الوحدات، وسوف يشكل ضغطا على البنية التحتية، وهذا يتطلب إعادة تصميم المخطط من جديد.
المشكلة ليست مالية، لأن الدولة وضعت 250 مليارا لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية، المشكلة الآن محصورة في تنفيذ الرؤية الملكية، وهنا ما يجب أن نركز عليه، فالمخطط لا تتم الموافقة عليه إلا بعد أن يخضع لكل جوانب البحث التي تغطي كل مراحل التخطيط، فمثلا الأنابيب المخصصة للصرف في عمارة تتكون من 10 أدوار يجب أن يختلف عن عمارة مكونة من دورين أو ثلاثة، وهذا يفهمه المهندسون، ويجب علينا أن لا نغرق في المثاليات، وأن لا نهاجم الوزارة، لأن هناك عقبات فعلية أمامها، فالوزارة لوحدها لن تستطيع عمل شيء كما ذكر ذلك المهندس طلال.
وتجب معرفة أن أهم العقبات تتمثل في الحصول على أراض داخل النطاق العمراني، وهناك حقيقة يجب عدم إغفالها، فتصميم مبنى يحتاج إلى سنتين، فكيف إذا تحدثنا عن إعادة تخطيط مدينة كاملة بكل مرافقها الحيوية من كهرباء وطرق ومجار... إلخ، وهنا يجب علينا أن نشخص المشكلة أولا.
•• الأحمري: عندما نتحدث عن إنشاء الأبراج المرتفعة، فنحن نسلط الضوء على الأراضي البور داخل المخططات العمرانية، ويجب أن تخضع تلك المخططات للدراسة قبل البدء في تنفيذ الأبراج، ويتم تخطيط البنية التحتية والطرق بناء على ذلك، ولو نظرنا لوجدنا أكثر من 30 إلى 40 حيا في جدة تحولت مبانيها بقدرة قادر من دورين إلى 7 أدوار، وهذا يدعونا إلى إعادة هيكلة الأحياء.
•• سمرقندي: أعجبتني الفكرة من حيث المبدأ، فبدلا من إنهاك الدولة بشراء أراض جديدة، أرى أن يمنح صاحب الأرض مميزات معينة مقابل أرضه، أما من ناحية التخطيط فيجب أن يدرس جيدا إضافة إلى تطوير البنية التحتية.
حاليا يسمح النظام لوزارة الشؤون البلدية والقروية باستقطاع 33 % من أي أرض مقابل النسبة المجانية للتخطيط، لماذا إذن لا تكون 40 % مقابل السماح بزيادة الارتفاعات للاستفادة منها.
•• نضال طيبة: هناك تجربة مطبقة في عدد من الدول على الأراضي التي مساحتها تزيد على الاستخدام السكني الفردي، أو لإنشاء مبان متعددة الوحدات يطالب مطورها بتوفير نسبة معينة من الوحدات التي يتم إنشاؤها للإسكان العام، فمثلا لو طور 100 وحدة عليه توفير 25 % منها للإسكان العام، بحيث لا تختلف مواصفاتها عن الوحدات التي يتم بيعها في السوق الاستثمارية، وهذه الميزة تخرج المواطن من حيز التمايز الاجتماعي.
•• سمرقندي: تقدمت بفكرة لأمانة العاصمة المقدسة وطلبت منهم منحنا أرضا، ونحن سنوفر لهم مطورا لا يطلب أرباحا أكثر من 15% بدلا من 30%، على أن يحصل المطور مقابل ذلك على ميزة تطوير الخدمات مثل المستشفى والسوق التجارية والمدرسة والمستوصف... إلخ.
ووافق الأمين وعرض الموضوع على الوزير الذي بدوره أبدى موافقته، وطرح المشروع وخضع للمنافسة وبدأ تنفيذه، وتم توفير 2200 وحدة سكنية من فئة الإسكان الميسر، والشركة المطورة ساهمت بمبلغ 50 مليون ريال لمن لا يستطيع توفير قيمة الإسكان الميسر كاملا، وتشكلت لجنة خاصة لهذا الغرض من قبل الأمانة لتحديد نسبة مساعدة المواطنين، وبيعت الوحدات على ثلاثة مستويات 80 و100و120 مترا مربعا. ومنح المطور ميزة بناء فلل وعمائر لمن يريد هذا النوع من المساكن.
المشكلة الوحيدة في الموقع هي أن المطور طالب بإيصال الكهرباء، لكن الشركة طالبته بدفع 100 مليون ريال، فعاد للأمانة، إذ إن الاتفاق نص على مسؤوليتها عن توفير التيار، وتقدمت الأمانة لشركة الكهرباء بالطلب، وطلبت الأخيرة 24 مليونا فقط. وأصبحت الأمانة بذلك مجرد مشرفة فقط وتخلت عن دور المنفذ، إذ أوكلته للمطور.
• عكاظ: المهندس نضال طيبة كيف تقيم مشاركة القطاع الخاص مع القطاع العام من أجل إيجاد حلول جذرية لمشكلة الإسكان؟
•• طيبة: لا شك أن توزيع الأدوار عامل متغير مع تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ومن هنا لابد أن يكون دورنا هو سد الثغرة في الإسكان من خلال عدة مشاريع وفقا لمنهجية تتعاطى مع عدة مستويات في المشروع، أولها مستوى الأرض وتوفير الأرض، فالتفكير النمطي أن نأتي بأراض حكومية وتكون بسعر رمزي من أجل تشجيع المستثمرين لتطوير مشروع سكني عليها.
هناك توجه آخر، المبادرة التي ذكرها المهندس طلال عن المشروع نجد أن عددا من الشركات يملكها صندوق الاستثمارات العامة وأمانات المدن في جدة والمدينة ومكة، وكل شركة منها تقع عليها مسؤولية توفير وحدة سكنية ميسرة وبشكل استثماري، لكن الفكرة تتمحور في البحث عن إجابة عن سؤال: أين الأراضي وأين مواقعها؟.
المشكلة التي وقعت فيها وزارة الإسكان سابقا أن الأراضي المتوفرة كانت خارج النطاق العمراني وبعيدة عن أماكن العمل والخدمات، وهذا ترتب عليه تأكيد الوزارة أن هذه الأراضي لا تنفعها.
التجديد الحضري
التفكير الآخر الذي يساهم في إيجاد حل جذري للمشكلة هي فكرة التجديد الحضري، إذ إن هناك أحياء في المدن لها قيمة تراثية وأخرى ليس لها أي قيمة تراثية، وسكانها هم أصحابها، ومن المفروض أن يمنحوا كل ما يستحقونه من امتيازات في سبيل الحفاظ على ما استثمروه في بيوتهم، على أن تعاد صياغة هذه المناطق بالشكل الذي يسمح باستيعاب عدد أكثر من الوحدات السكنية المنظمة التي تشتمل على كافة الخدمات.
•• سمرقندي: الحقيقة أضم صوتي إلى صوت المهندس نضال، بالفعل التجديد الحضري كنز كبير لابد من استغلاله، لأن الأحياء القديمة غير الأثرية أصبحت بؤرة للمشكلات، لأنها مبنية بطريقة عشوائية.
شركات الأمانات
•• الأحمري: استعادت الدولة ملايين الأمتار داخل النطاق العمراني وتم تسليمها للأمانات، ولكن المشكلة أنه عندما يتم إفراغ الأرض وتسلم للشركات التابعة للأمانة يتم استثمارها من الأمانة نفسها، ولنا أن نطرح سؤالا: أليست هذه الأراضي ملكا للدولة؟، لماذا لا يقتطع منها جزء وتسلم لوزارة الإسكان داخل النطاق العمراني؟، ولماذا كل وزارة تحتكر هذه الأراضي؟، ولماذا لا نضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار؟.
• عكاظ: مهندس نضال طيبة، هل لديك توضيح فيما يخص الشركات التابعة للأمانة؟!
•• طيبة: فيما يخص شركة جدة للتطوير العمراني فإن الأراضي الموجودة لديها لا يمكن التصرف في أي متر منها خارج ما هو مخطط له، وهناك محاضر لتلك الأراضي، سواء كانت في مجال الإسكان أو الكورنيش أو الواجهة البحرية أو الاستثمارات التي تخدم المرفق الحيوي للمدينة، لكن الأراضي التي تم تخصيصها لبناء وحدات سكنية لم تدخل حيز التنفيذ، باستثناء مشروع حي الوحدات السكنية بخليج سلمان، وهناك من المشاريع الأخرى مشروع مروج جدة بشرق المحافظة، وهذا المشروع مساحته تفوق 130 مليون متر مربع، والهدف الأساسي أو المحرك الأساسي هو إنشاء وجهة ترفيهية جديدة للمدينة، تسهم في استمرارية جاذبية محافظة جدة كوجهة سياحية، وتنويع التجربة الترفيهية لجدة بين البحر ووادي «العسلاة» شرق الخط السريع.
عدم الإنصاف
• عكاظ: هل أنصفت وزارة الإسكان المرأة؟
•• إزدهار: هناك شروط مجحفة بحق المرأة فيما يتعلق بالإسكان، الشرط الأول أن يكون معها صك حضانة، مع العلم أنها لن تستطيع الحصول على صك الحضانة لتحصل على السكن، والشرط الثاني بعد طلاقها بسنتين يحق لها التقديم للانضمام لمشروع الإسكان، وهذا شرط مجحف، أما الشرط الثالث فيما يخص الأرملة، فإن وزارة الإسكان تشترط أن يكون لديها أولاد، وهذا يطرح السؤال المؤلم حول وضع المرأة التي تعيش دون أولاد، هل يكون مصيرها الشارع؟
ولسان حال المرأة يقول: أنا مواطنة وأخدم بلدي مثل أي مواطن، وأنا ولية نفسي والمرأة أكثر احتياجا للسكن من الرجل ولابد أن تشعر بالأمان.
وشروط الوزارة التي وضعتها أمام المرأة غير منصفة، ولابد من إلغائها، ولكم أن تتخيلوا أن امرأة تعرضت للطرد من إخوانها، أين تذهب؟!، هل تنام في الشارع؟، أو تضطر للزواج بأي شخص لتحصل على مسكن؟!.
•• الأحمري كنت أتمنى حضور أحد المسؤولين المعنيين لنتناقش معه، ويرد على تساؤلاتنا.
• عكاظ: أتفق معك تماما، نحن وجهنا الدعوة لوزارة الإسكان ممثلة بمدير فرع مكة الدكتور عبدالله العتيبي، لكنه اعتذر، وأفاد بأن جميع التصريحات لابد أن تكون عن طريق المتحدث باسم الوزارة، وقبل ذلك استضفنا الوزير السابق شويش الضويحي في «عكاظ» مرتين بحضور الكتاب والخبراء العقاريين.
•• الأحمري: نعم، هذا صحيح وأنا كنت حاضرا في تلك الندوة، وقال الوزير إن المواطنين سوف يستلمون المنتجات السكنية بعد ستة أشهر، ومرت الآن ثلاث سنوات، ولم نر شيئا على أرض الواقع.
المواصفات المطلوبة
• عكاظ: ما المواصفات المطلوب مراعاتها في المنتج السكني؟
•• رائد العقيلي: مواصفات المنتج السكني هي: يجب أن يكون المنتج ملائما لسكن المواطن، فالطلب على المساكن يبلغ مليون وحدة سكنية والطلبات التي قدمت للوزارة بلغت 750 ألفا، ونحن لم نتطرق لهذا الموضوع، والطلبات السنوية نحو 200 ألف وحدة سكنية، فهل هذه الحلول التي تم ذكرها قادرة على معالجة المشكلة بحسب وزارتي التخطيط والإسكان؟ على الرغم من التضارب في الإحصاءات فإن 60 % من المواطنين لا يملكون مساكن مع أن وزارة الإسكان تقول إن النسبة تبلغ 50 %.
مكرر 10
أرى أن الحلول التي وضعت لا تستطيع أن تعالج المشكلة من جذورها، والحل الجذري هو ما أدركته وزارة الإسكان خلال فترة الوزير السابق، وهو تطوير الأراضي داخل النطاق العمراني، وهذا هو الحل السريع من وجهة نظري. وإذا لم يتم تأمين الأراضي داخل النطاق العمراني سنضطر للذهاب نحو الضواحي، وهذا له كلفة مالية أعلى، ويهدر وقتا أطول، بل إن مكرر تكلفة السكن المدعوم حكومياً بلغ 10 أضعاف بالنسبة لدخل الفرد، والمعدل العالمي يبلغ بين 3 إلى 5 فقط، وإذا تساءلنا لماذا نصل إلى تكلفة مكرر 10، يكون الجواب لأن قيمة الأرض مرتفعة في بعض المناطق، إذ تصل إلى ضعف تكلفة المبنى، فهل هذه ظاهرة صحيحة؟، بالتأكيد لا.
رسوم الأراضي البيضاء
وهنا نتساءل من سيتحمل هذه الزيادات في النهاية؟ المطور بالتأكيد لن يتحمل، فهل نثقل كاهله؟ أم أن الدولة ستتحملها، وهل هناك مسوغ لتتحمل الدولة مثل هذه التكاليف؟ أرى أن هناك حلولاً أكثر منطقية وأكثر سرعة، ولن تكلف الدولة شيئا، وأرى أن خطوة وضع الرسوم على الأراضي لم تكن تهدف إلى الجباية، بل إلى تخفيض أسعار الأراضي، وكان هذا هو أول بنود القرار، وكان البند واضحا وصريحا، لأن سعر الأراضي عندنا أصبح عائقا أمام تأمين مليون وحدة سكنية للمستحقين، المهم أن مليون مواطن الآن يحتاجون إلى سكن، إضافة إلى 200 ألف وحدة هي معدل الزيادة السنوية.
خيبة أمل
•• الأحمري: أولاً، إحصائية وزارة الإسكان غير دقيقة لأن الرقم المعلن يمثل المواطنين الذين تقدموا بطلباتهم عبر البوابة الإلكترونية، لكن الوزارة نسيت أن بعض القرى والهجر لم تصلها خدمة الإنترنت، ولا يتعامل المواطنون فيها مع التقنية بالشكل المطلوب، ولو أن الوزارة لديها بالفعل خطط عملية لأرسلت مندوبيها إلى كل منطقة من المناطق.
•• الرشيدي: احتكار الأراضي (مادة خام) رفع سعر الأراضي من 100 ألف إلى مليونين، وأنا أتكلم من واقع خبرة، فنحن مطورون للأراضي، وشاركنا في تخطيط 20 مخططا في جدة، كما أن الشح في الأراضي الجديدة أسهم في رفع الأسعار وفقاً لقاعدة العرض والطلب، وينطبق ذلك على كل مدن المملكة. وقبل ثماني سنوات أدخل المطورون معهم شركات أجنبية، لكنها لم تستطع العمل هنا، وعادت من حيث أتت. والمعوقات التي تقف في طريق المطور هي التي تساعد في رفع الأسعار، ولكم أن تتخيلوا أن المخطط الذي كان يحتاج إلى أسبوع للموافقة عليه في وقت سابق، أصبح اليوم يحتاج إلى ثماني سنوات.
بيروقراطية الكهرباء
•• الأحمري: المعوقات وبيروقراطية شركة الكهرباء شيء مؤسف على عكس شركات الكهرباء في العالم، إذ تستثمر كل عداد من عداداتها لتجني مقابله الأرباح، بينما شركتنا تطلب تكاليف التوصيل.
• عكاظ: مهندس عبدالهادي الرشيدي باعتبارك مطورا عقاريا، أغلب المواطنين يشتكون من رداءة المنتج السكني، هل اللوم يعود على المنفذ كمطور عقاري، أم على وزارة الإسكان؟.
•• الرشيدي : خلال الأعوام السابقة كان المقاول الفردي ينفذ بطريقته، والشركات تحرص على سمعتها ولا يمكن أن تنفذ مشاريع متدنية، ووقعنا مع الوزارة أحد المشاريع، لكنها إلى الآن لم تتخذ قررا بتسليم الدفعة الأولى للمقاولين للبدء في العمل، والوحدات الجديدة التابعة للإسكان لها مواصفات ومقسمة إلى عدة شرائح.
•• طيبة: ما يؤخذ على شركات التطوير الخاصة أو العامة، أنها قدمت منتجات سكنية سيئة ورديئة، أما بالنسبة لعقود وزارة الإسكان فلابد أن تلتزم بشروط ومواصفات، وتكون هناك جهة تستلم هذه المشاريع.
المشاركون:
• المهندس طلال سمرقندي - الرئيس التنفيذي لمكتب الخطوط المعمارية ونائب رئيس لجنة المكاتب الهندسية بغرفة جدة.
• المهندس نضال طيبة - نائب رئيس شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني.
• عبدالله الأحمري - رئيس لجنة التثمين العقاري.
• المهندس عبدالهادي الرشيدي - مدير عام شركة عقارات للتطوير والتنمية التابعة لمجموعة العيسائي.
• المهندس رائد العقيلي - خبير عقاري.
• ازدهار باتوبارة - عضو اللجنة العقارية بغرفة جدة.