-A +A
محمد الجهني
خمسة ملايين وافد من بين ملايين مسجلين في التأمينات الاجتماعية لا يتجاوز راتب أحدهم الخمسة آلاف ريال فقط وفقا لبيانات التأمينات الاجتماعية المنشورة، نصفهم - أي مليونين ونصف المليون بالتمام والكمال - يتقاضون راتبا لا يتجاوز خمسمائة ريال فيما رصدت التأمينات نحو أربع وثلاثين ألف مواطن لا يتعدى راتب أحدهم ألفي ريال.
شخصيا لم أتمكن من استيعاب المعلومة لسببين، الأول محصور بواقع الحال المشهود، فالحالة المادية الخالية من الضرائب لدى معظم الوافدين متميزة بل إن الجميع دون استثناء لا يفضل المغادرة على الإطلاق والكل ينعم بالتأمين الصحي وبدل السكن وكثير من المزايا المنصوص عليها في إطار قوانين العمل والعمال الحازمة الملزمة، خصوصا فيما يتعلق بسرعة إيقاف خدمات المنشأة بمجرد التأخر في سداد مستحقات التأمين إلا إذا كان الحزم مقصورا على رسوم التأمين دون ماعدا تلك الرسوم والثاني قناعتي بأن هذا المبلغ البسيط لا يغري عاملا أيا كان مستواه لهجر الأهل والأبناء والوطن إذ لا يمكن أن تفي المئات الخمس بأقل المتطلبات الحياتية طوال ثلاثين يوما ناهيك عن التوفير حتى وإن كان المقصود عمال النظافة غير المعتمدين في الأصل على الراتب رغم معرفة ضخامة المبلغ في موطن القدوم أما فيما يتعلق بآلاف المواطنين المنطوين تحت مظلة التأمينات من ذوي الرواتب الأقل من ألفي ريال فالمعلومة تتنافى على الأقل مع الحدود الدنيا للرواتب وفقا لنظام العمل والعمال ولهذا فقط جاز لنا السؤال أولا عن العدد الحقيقي للعمالة الوافدة في ظل تسريب مثل هذه المعلومات العفوية غير المشكوك بصحتها ثانيا الاستفسار عن برامج التفتيش والمتابعة لمعرفة موارد العمالة المتدفقة لكافة أصقاع المعمورة خاصة بعد أن كشف أمين عام لجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية أن تحويلات العمالة الوافدة للخارج حتى نهاية العام المنصرم بلغت نحو 150 مليار ريال وأن المملكة العربية السعودية تعد الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بحجم التحويلات المالية الخارجية وفقا لنفس المصدر في حديث نشرته صحيفة اليوم وهذا يعني أن التحويلات المقصودة تمت من خلال ملايين مضاعفة لعمالة تتقاضى رواتب عالية وتحصل على دخول كبيرة إذ لا يمكن أن يكون أبطال التحويلات من ضمن الملايين الخمسة بأي حال من الأحوال إلا إذا كان لدى هذه الفئة دخول مادية سرية غير معلومة المصدر لا لشيء إلا لأن الحسبة البسيطة تؤكد أن حجم تحويلات كامل رواتب أصحاب المئات الخمس دون ادخار ريال واحد لا يتجاوز بأي حال من الأحوال خمسة عشر مليار في العام وهذا يؤكد أن سوق العمل مخترق فمجال التسويق العقاري على سبيل المثال مجال خصب متاح ومفتوح أمام الصغير والكبير المرأة والرجل المواطن والمواطنة الوافد والوافدة غير خاضع للتنظيم وهناك عشرات مجالات العمل المماثلة والمتاحة جهارا نهارا فيما تمنع معظم أنظمة العمل في كافة إرجاء المعمورة التداخلات والتجاوزات وتجرم التستر وتتفرغ لاكتشاف طرق التحايل والكسب غير المشروع ولا تكتفي بسن القوانين وإهمالها بل تعمل جاهدة لتطبيقها على أرض الواقع بحزم عادل أكثر من العمل على التأطير الورقي الباهت ولهذا فقط يستحيل أن ينشغل شخص بغير إتقان مهنته وحتما تستقيم حياة المهنيين وتنتعش المهن فنحن أمام معادلة صعبة تستوجب تنظيم سوق العمل بعيدا عن الشكليات وتستدعي الاهتمام بالأولويات والحفاظ على حق العامل كاملا غير منقوص مثلما تستدعي مراعاة صاحب العمل وتشجيع القطاع الخاص عوضا عن تقييده.