تتجه أنظار المسلمين، في شتى أرجاء العالم – في هذه الأيام المباركة – إلى بلادنا، وبالذات إلى: الأراضي المقدسة، في هذه الديار العزيزة والغالية – على كل عربي ومسلم.... فهي موطن الحرمين الشريفين، ومهوى أفئدة المسلمين... على مدار الساعة، وليس فقط في هذه الأيام. ولكن تؤدى في هذه الأوقات الجليلة فريضة الحج... الركن الخامس، من أركان الدين الإسلامي الحنيف. وقد أتى المسلمون من شتى بقاع الأرض... ليشهدوا منافع لهم... وليطوفوا بالبيت العتيق.... في ثرى مكة المكرمة الطاهر، وليصلوا في مسجد الرسول الأمين، في المدينة المنورة، ويسلموا على المصطفى تسليماً.
ولا شك، أن أداء فريضة الحج يتضمن: تحمل شيء من مشاق السفر، وعناء الإقامة في غير مسقط الرأس.... ويتطلب القيام بشعائر هذه العبادة وسط جموع حاشدة، وزحام شديد مزعج، لم يعتده أغلب حجاج البيت من قبل. فمحدودية المكان، وقيود الزمان تضفي كثيراً من المشقة على أداء هذه الشعيرة – مهما توفرت سبل الرفاه والسعة لضيوف الرحمن.
****
ومعروف، أن حكومة المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، تبذل قصارى جهدها لتوفير الأمن والراحة والطمأنينة التي تساعد الحاج على القيام بهذه الشعيرة المقدسة، بأقصى قدر ممكن من اليسر والسهولة. الأمر الذي يجعل حج هذه الأيام أسهل منالاً وأيسر أداءً. ويبدأ اهتمام حكومة المملكة بحج كل عام فور انتهاء موسم الحج الراهن. فتبذل الجهود وتنفق الأموال... لجعل حج كل عام أيسر من الذي قبله.... عبر الاستفادة من الدراسات الرصينة لمركز أبحاث علمية متخصص، أنشئ لهذا الغرض، هو «معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج»، وكذلك التجارب السابقة.
وقد تجسدت كثير من هذه الدراسات، في أرض الواقع، بناءً وتطويراً. وليت المعهد يعيد النظر – دورياً – في بعض الأمور المنفذة، ومنها: الخيام الجاهزة بمنى (لتستبدل بمبانٍ مناسبة). كما أرى أن توسعة الحرمين الشريفين يجب ألا تستمر إلى ما شاء الله، ويجب أن تتوقف عند حد مناسب معين. لأن طبيعة البيئة المحيطة بهما لا تسمح بإجراء توسعة مستدامة، ولا نهائية. وليت الساحات المحيطة بالحرمين تخلو من أي مبانٍ، وتخصص لزوار المسجدين. وليت سكن الحجاج يقام خارج المنطقة المركزية، ويربط بمواصلات مكوكية مع الحرمين. بحيث تُشاد مساكن ذات درجات مختلفة، تستوعب ملايين الحجاج، وتربط بالحرمين بقاطرات مكوكية. وبذلك، تبقى الساحات المركزية للعبادة فقط.
****
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. لذلك، يمنع خلاله الرفث والفسوق... بل حتى لغو الكلام، ناهيك عن إثارة الفوضى والفتن. وذلك لا يتناقض مع كون الحج «مؤتمراً سنوياً إسلامياً عاماً»... يجب أن يستغله مثقفو الأمة، وقادة الرأي فيها لمناقشة حال الأمة – نقاشاً موضوعياً هادئاً وراقياً، ويستعرضون ما هي فيه من محن، و«مسببات» هذا الواقع، ومن ثم يضعون «الحلول» العملية المناسبة، ويصفون البلسم الناجع. إن الأمة عندما تجرح أو تمرض، فإن خير من يكاليها هم الصفوة المثقفة من أبنائها الشرفاء والمخلصين. ولكن هذا ينبغي أن يتم (في الحج) عبر قنوات ومنابر محددة، ومنظمة، وبما لا يفسد للحج الصحيح قضية.
ويتم حج هذا العام (1437هـ) والأمة في غم عظيم، وخطر جسيم... ربما لم تتعرض لمثل قسوته من قبل. فهي ضعيفة ومتهالكة، وتواجه عدواناً صارخاً، يشنه أعداؤها التقليديون، وفئات ضالة محسوبة على المسلمين... على كل الصعد. إن هذا الخطر داهم... وسبل مواجهته، واتقاء أغلب شروره، معروفة... وما زالت فرص مواجهته مواجهة فعالة، قائمة وإن كانت تتناقص يوماً بعد يوم. وكفى خطباً وهياجاً، وكلاماً رناناً.... يدور في هذا الفلك أو ذاك، ثم ينتهي بتكريس الواقع المؤلم، وزيادة الطين بلة.
****
ولا جدال، أن التمسك بالشريعة الإسلامية الغراء والصحيحة هو الوسيلة الأكبر... للسعادة في الدارين. ولكن، ومع التمسك بالشريعة، لا بد من الأخذ بـ«الأسباب» العملية للنهوض، ومواجهة التحديات المعاصرة. إن «أسباب» النهوض، والقوة والرفعة والتقدم، معروفة وموصوفة... ويتبقى على عقلاء العرب والمسلمين أن يأخذوا بهذه الأسباب بالفعل... وما نيل النجاة بالتمني... وما حفظ الكرامة بالتغني. وأهم عناصر هذه الأسباب هي وحدة الصف والكلمة، والتفاني في خدمة الصالح «العام» المفرد والمشترك.... ومن ثم اتخاذ مواقف فعلية موحدة تجاه كل التحديات...
****
إن هذه الأيام المباركة تعتبر موسما للتقوى.... والعمل للآخرة (الدين) وأيضاً مناسبة مواتية للسعي في هذه الأرض، من أجل حياة أرقى وأفضل (الدنيا). فحري بالمسلمين أن يغتنموا هذه الفرصة للتفكر في أوضاعهم الحاضرة، والتخطيط الرشيد لمستقبل أحسن.... طمعاً في حياة أجمل وأمكن. فالمسلم القوي خير من المسلم الضعيف. ومن المسلّم به أنه من المستحب أن تُعقد خلال موسم كل حج مؤتمرات علمية وفكرية رفيعة..... تضم نخبة من أبرز فقهاء وعلماء الأمة العربية والإسلامية، في شتى المجالات..... مهمتها: مناقشة وضع الأمة الحالي، وسبل النهوض بها إلى مصاف الأمم المتقدمة والقوية.
وقد بادرت كل من «رابطة العالم الإسلامي»، ووزارة الحج مشكورتين، ومنذ سنوات، بعقد لقاء علمي وفكري سنوي، على هامش موسم الحج.... يسعى لتحقيق هذا الهدف النبيل، راجين أن لا تقتصر مواضيع الندوات السنوية على المسائل الفقهية وأمور العبادات... بل تتضمن «أمور الدنيا» أيضاً.... وتحديات الحاضر والمستقبل. وهذا يعني: ضرورة مشاركة علماء في شتى العلوم الإنسانية والاجتماعية بخاصة، وبكثافة، في هكذا ندوات.
نسأل الله أن يعلي شأن الإسلام والمسلمين... وأن ينتشل غالبية الموحدين مما هم فيه من تخلف وضعف، وأن يتقبل من الحجيج نسكهم، وأن يكون العام القادم أطيب لهذه الأمة، من عامهم هذا... وكل عام وأنتم بخير.
sfadil50@hotmail.com
ولا شك، أن أداء فريضة الحج يتضمن: تحمل شيء من مشاق السفر، وعناء الإقامة في غير مسقط الرأس.... ويتطلب القيام بشعائر هذه العبادة وسط جموع حاشدة، وزحام شديد مزعج، لم يعتده أغلب حجاج البيت من قبل. فمحدودية المكان، وقيود الزمان تضفي كثيراً من المشقة على أداء هذه الشعيرة – مهما توفرت سبل الرفاه والسعة لضيوف الرحمن.
****
ومعروف، أن حكومة المملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، تبذل قصارى جهدها لتوفير الأمن والراحة والطمأنينة التي تساعد الحاج على القيام بهذه الشعيرة المقدسة، بأقصى قدر ممكن من اليسر والسهولة. الأمر الذي يجعل حج هذه الأيام أسهل منالاً وأيسر أداءً. ويبدأ اهتمام حكومة المملكة بحج كل عام فور انتهاء موسم الحج الراهن. فتبذل الجهود وتنفق الأموال... لجعل حج كل عام أيسر من الذي قبله.... عبر الاستفادة من الدراسات الرصينة لمركز أبحاث علمية متخصص، أنشئ لهذا الغرض، هو «معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج»، وكذلك التجارب السابقة.
وقد تجسدت كثير من هذه الدراسات، في أرض الواقع، بناءً وتطويراً. وليت المعهد يعيد النظر – دورياً – في بعض الأمور المنفذة، ومنها: الخيام الجاهزة بمنى (لتستبدل بمبانٍ مناسبة). كما أرى أن توسعة الحرمين الشريفين يجب ألا تستمر إلى ما شاء الله، ويجب أن تتوقف عند حد مناسب معين. لأن طبيعة البيئة المحيطة بهما لا تسمح بإجراء توسعة مستدامة، ولا نهائية. وليت الساحات المحيطة بالحرمين تخلو من أي مبانٍ، وتخصص لزوار المسجدين. وليت سكن الحجاج يقام خارج المنطقة المركزية، ويربط بمواصلات مكوكية مع الحرمين. بحيث تُشاد مساكن ذات درجات مختلفة، تستوعب ملايين الحجاج، وتربط بالحرمين بقاطرات مكوكية. وبذلك، تبقى الساحات المركزية للعبادة فقط.
****
والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. لذلك، يمنع خلاله الرفث والفسوق... بل حتى لغو الكلام، ناهيك عن إثارة الفوضى والفتن. وذلك لا يتناقض مع كون الحج «مؤتمراً سنوياً إسلامياً عاماً»... يجب أن يستغله مثقفو الأمة، وقادة الرأي فيها لمناقشة حال الأمة – نقاشاً موضوعياً هادئاً وراقياً، ويستعرضون ما هي فيه من محن، و«مسببات» هذا الواقع، ومن ثم يضعون «الحلول» العملية المناسبة، ويصفون البلسم الناجع. إن الأمة عندما تجرح أو تمرض، فإن خير من يكاليها هم الصفوة المثقفة من أبنائها الشرفاء والمخلصين. ولكن هذا ينبغي أن يتم (في الحج) عبر قنوات ومنابر محددة، ومنظمة، وبما لا يفسد للحج الصحيح قضية.
ويتم حج هذا العام (1437هـ) والأمة في غم عظيم، وخطر جسيم... ربما لم تتعرض لمثل قسوته من قبل. فهي ضعيفة ومتهالكة، وتواجه عدواناً صارخاً، يشنه أعداؤها التقليديون، وفئات ضالة محسوبة على المسلمين... على كل الصعد. إن هذا الخطر داهم... وسبل مواجهته، واتقاء أغلب شروره، معروفة... وما زالت فرص مواجهته مواجهة فعالة، قائمة وإن كانت تتناقص يوماً بعد يوم. وكفى خطباً وهياجاً، وكلاماً رناناً.... يدور في هذا الفلك أو ذاك، ثم ينتهي بتكريس الواقع المؤلم، وزيادة الطين بلة.
****
ولا جدال، أن التمسك بالشريعة الإسلامية الغراء والصحيحة هو الوسيلة الأكبر... للسعادة في الدارين. ولكن، ومع التمسك بالشريعة، لا بد من الأخذ بـ«الأسباب» العملية للنهوض، ومواجهة التحديات المعاصرة. إن «أسباب» النهوض، والقوة والرفعة والتقدم، معروفة وموصوفة... ويتبقى على عقلاء العرب والمسلمين أن يأخذوا بهذه الأسباب بالفعل... وما نيل النجاة بالتمني... وما حفظ الكرامة بالتغني. وأهم عناصر هذه الأسباب هي وحدة الصف والكلمة، والتفاني في خدمة الصالح «العام» المفرد والمشترك.... ومن ثم اتخاذ مواقف فعلية موحدة تجاه كل التحديات...
****
إن هذه الأيام المباركة تعتبر موسما للتقوى.... والعمل للآخرة (الدين) وأيضاً مناسبة مواتية للسعي في هذه الأرض، من أجل حياة أرقى وأفضل (الدنيا). فحري بالمسلمين أن يغتنموا هذه الفرصة للتفكر في أوضاعهم الحاضرة، والتخطيط الرشيد لمستقبل أحسن.... طمعاً في حياة أجمل وأمكن. فالمسلم القوي خير من المسلم الضعيف. ومن المسلّم به أنه من المستحب أن تُعقد خلال موسم كل حج مؤتمرات علمية وفكرية رفيعة..... تضم نخبة من أبرز فقهاء وعلماء الأمة العربية والإسلامية، في شتى المجالات..... مهمتها: مناقشة وضع الأمة الحالي، وسبل النهوض بها إلى مصاف الأمم المتقدمة والقوية.
وقد بادرت كل من «رابطة العالم الإسلامي»، ووزارة الحج مشكورتين، ومنذ سنوات، بعقد لقاء علمي وفكري سنوي، على هامش موسم الحج.... يسعى لتحقيق هذا الهدف النبيل، راجين أن لا تقتصر مواضيع الندوات السنوية على المسائل الفقهية وأمور العبادات... بل تتضمن «أمور الدنيا» أيضاً.... وتحديات الحاضر والمستقبل. وهذا يعني: ضرورة مشاركة علماء في شتى العلوم الإنسانية والاجتماعية بخاصة، وبكثافة، في هكذا ندوات.
نسأل الله أن يعلي شأن الإسلام والمسلمين... وأن ينتشل غالبية الموحدين مما هم فيه من تخلف وضعف، وأن يتقبل من الحجيج نسكهم، وأن يكون العام القادم أطيب لهذه الأمة، من عامهم هذا... وكل عام وأنتم بخير.
sfadil50@hotmail.com