منذ سنة ونصف تقريبا، وأنا أشعر بالذنب كلما استقللت سيارتي وذهبت وعائلتي الصغيرة لرحلة استجمام قصيرة، لأنه سرعان ما يلوح بمخيلتي حالة ذلك الجندي الشجاع المرابط على الحد الجنوبي، والذي ترك وراءه والدته المسنة وزوجته وأطفاله دون عائل، وراح يضحي بروحه دفاعا عن مقدساتنا وأرواحنا، هذا الشعور نفسه، ينتابني أيضا حين أحضر حفلة أو مناسبة، حين أضع براد الشاي والمكسرات أمام التلفاز وأتهيأ لمتابعة نهائي الكأس.
حين ألهث خلف مطامع الدنيا وأنسى بأننا لا نزال في حالة حرب، كنت أرى بأنه ليس من الشهامة ولا المروءة أن استمتع بحياتي وأجاهر بالأفراح والأماني، في الوقت الذي يواجه فيه أولئك الجنود البواسل الرصاص والموت على الجبهة!؟
قبل أيام فقط، تصاعد هذا الشعور بداخلي حتى بلغ ذروته، حين اكتشفت بأن ما أمارسه لا يساوي شيئا أمام الإجراءات الرسمية التي اتخذها البعض ضد هؤلاء الأبطال، دون أي تقدير لتضحياتهم، حتى تصدى لها - مشكورا - معالي وزير العدل بإصداره تعميما عاجلا لمحاكم ودوائر التنفيذ بمختلف مناطق المملكة، يقضي بضرورة مراعاة ظروف المرابطين المتمثلة في صعوبة مراجعتهم للمحاكم، وجاء هذا التعميم بعدما وردت للوزارة معاريض بعثها عدد من الجنود على الحد الجنوبي يشيرون فيها إلى صدور قرارات تنفيذية لأحكام قضائية تتضمن إيقاف خدماتهم، ومنع الجهات الحكومية من التعامل معهم وحبسهم، وأن ذلك أضر بهم كثيرا نظرا لظروفهم الحالية التي لا يمكنهم معها المثول أمام المحكمة والدفاع عن أنفسهم.
حقيقة لا أدري من أين أبدأ وإلى من أوجه اللوم أولا، هل أوجهه للشخص الذي تعسف في المطالبة بحقه وأصر على تقديم الشكوى دون النظر إلى الظرف القاهر والعمل البطولي الذي يقوم به الجندي البطل، أم أوجهه للمحكمة التي استقبلت الدعوى وسارت في نظرها وأصدرت الحكم النهائي فيها وهي تعلم بأن غياب الجندي البطل كان لمبرر مشروع، أم أنها الجهة العسكرية التي يتبعها الجندي البطل كونها لم تبادر بحصر المطالبات الموجهة للجنود الذين على الجبهة والعمل على سدادها أو تكليف محامين بالمدافعة والمرافعة فيها، أم أن اللوم كل اللوم يقع على المجتمع المهايط الذي عودنا على فتح حسابات جمع ملايين الدية!.
يا الله، في الوقت الذي كان يجلس فيه الجندي البطل على الجبهة سواء بخط النار أو متحصنا داخل الخندق، وفي الوقت الذي كان يضع فيه خوذته ويرتدي سترته ويعبئ جعبته بالذخيرة ويصوب بندقيته باتجاه العدو دفاعا عنا، كان هناك هم آخر يشغله ويضعف كثيرا من يقظته وتركيزه، ألا وهو هم رصاصة المطالبة الغادرة التي قد تخترق ظهره وتسقطه من أعلى قصر الشجاعة الذي بناه بصموده وبسالته، مطالبة تتعلق بإيجار شقة أو قسط سيارة أو مصاريف علاج لا تساوي شيئا أمام تضحياته، ومع هذا نجد من يصر على تحصيلها بشتى الطرق، فهل هذا جزاء المرابطين على الحد الجنوبي الذين أحسنوا إلينا ووهبوا أنفسهم فداء لنا؟!.
للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 277 مسافة ثم الرسالة