هذه قصة رجل آخر من رجالات المملكة العربية السعودية العصاميين الذين برزوا في دنيا المال والأعمال وقدموا خدمات اقتصادية واجتماعية جليلة لبلدهم منذ حقبة ما قبل اكتشاف النفط؛ أي منذ ثلاثينات القرن العشرين، متخذاً من الحجاز قاعدة لنشاطه التجاري متعدد الأوجه. إنه عميد عائلة شربتلي المرحوم حسن عباس شربتلي، إضافة إلى لقب «وزير دولة فخري»، وذلك بناء على أمر أصدره الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ في عام 1934. كان ذلك تكريماً للرجل واعترافاً بدور شركته العائلية، ليس في أعمال التنمية الاقتصادية في حقبة ما قبل النفط فحسب، وإنما أيضاً لإسهاماته في نشر التعليم والثقافة، ناهيك عن أعمال البر والإحسان التي خصص لها الرجل ثلث ثروته بهدف تخفيف حدة الفقر فاستحق عن جدارة لقب «المحسن الكبير» الذي ارتبط باسمه منذ بدايات تأسيس المملكة العربية السعودية.
وفي حقبة ما بعد اكتشاف النفط وتصديره كان شربتلي في مقدمة من شمّروا عن سواعدهم من رجال الأعمال لتأسيس المؤسسات الاقتصادية الرائدة مثل بنك الرياض وشركة المصافي العربية السعودية (سافكو) وعدد كبير من الشركات العاملة في مجالات العقارات والسيارات والتجارة العامة وغيرها، من تلك التي تركها لأولاده وأحفاده من بعد وفاته.
ولتسليط الضوء على المسيرة العصامية الحافلة لهذه الشخصية الحجازية الاستثنائية نستعين بمقابلة قديمة أجراها معه الأستاذ وهيب غراب في أغسطس 1993 ونشرتها مجلة «الرجل» السعودية، مع تطعيم المعلومات التي وردت فيها بتفاصيل استقيناها من مصادر أخرى متناثرة.
ولد شربتلي في مدينة جدة عام 1913، وفيها ترعرع ودرس لبعض الوقت في كتاتيبها، لكنه لم يكمل تعليمه وهجر مدرسته بسبب استيائه من تعنيف معلمه وما كان يمارسه من ضرب متواصل للطلبة لأتفه الأسباب. وهكذا قرر الصبي، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، أن يلتحق بشقيقيه عبدالله وعلي اللذين كانا يعملان مع والدهما عباس شربتلي في التجارة. ولم تكن تلك التجارة في حينها سوى إمداد الحجاج بالمواد الغذائية ووسائل المواصلات البدائية كالجمال والحمير والبغال التي تمكنهم من الوصول إلى مكة والمدينة وبقية المشاعر المقدسة، انطلاقا من الجزر القريبة من جدة التي كان يـُطلق عليها مجتمعة اسم «الكرنتينا» (هذه الجزر هي: أبو سعد والواسطة وأبوعلي، وهي الآن جزء من ميناء جدة الإسلامي).
وشيئاً فشيئاً استطاع الأشقاء حسن وعبدالله وعلي تنمية تجارة والدهم، فأقدموا على ما لم يقدم عليه أحد قبلهم وقتذاك؛ وهو استيراد الفاكهة والخضراوات من مصر والشام والسودان، لكن حسن قرر بعد فترة من الزمن أن يستقل بتجارته، فكان له ذلك. إذ بدأ نشاطه التجاري المستقل عن تجارة عائلته برأسمال متواضع استثمره في استيراد الفاكهة ومواد العطارة والأعشاب والأحجار الكريمة من بلاد الشام والهند وعدن، وتسويقها في الحجاز، وكان عمره 23 عاماً.
ومن الأشياء التي أتى شربتلي على ذكرها في مقابلته مع مجلة «الرجل» أنه في ستينات القرن الماضي، حينما قررت حكومة بنما تصدير منتجاتها من الهيل والأرز والدقيق إلى السعودية، زاره وزير بنمي بغية منحه أعلى وشاح في بلاده وتعيينه قنصلاً فخرياً لدولته في الشرق الأوسط وذلك من باب تشجيعه على استيراد المنتجات الغذائية البنمية وترويجها في أسواق المنطقة. يقول شربتلي إنه طلب أولاً استئذان الملك فيصل رحمه الله، فوافق الأخير على موضوع الوشاح، ولم يوافق على مسألة القنصل الفخري «على اعتبار أنني وزير دولة سعودي»، ولهذا تخلى شربتلي عن الوشاح ومنصب القنصل الفخري معاً لولده إبراهيم الذي هو واحد ضمن ذرية مكونة من تسعة أولاد وست بنات، حرص والدهم على إرسالهم إلى أفضل المدارس والمعاهد في بريطانيا وسويسرا لتلقي أرقى درجات التعليم، علما بأن هؤلاء الأبناء والبنات رزق شربتلي بهم من ثلاث زوجات: الأولى سعودية من عائلة الشلبي، والثانية حضرمية، والثالثة مصرية.
قال شربتلي في المقابلة إن ما حققه من نجاحات في دنيا المال والأعمال، لم يكن للشهادة العلمية أي دور فيه، وإنما سببه «إرادة الله وتوفيقه»، ثم دعاء والديه اللذين يقول عنهما: «كانا دائمي الدعاء لي، وكنتُ أطيعهما إلى أبعد حد، وأقبل أيديهما وأرجلهما رغم رفضهما. وقد توفي والدي ثم تبعته أمي بعد شهرين». أما هو فقد انتقل إلى جوار ربه في عام 1999 وهو دائن بعشرات المليارات من الريالات التي لم يجد سبيلاً لتحصيلها في حياته.
وفي حقبة ما بعد اكتشاف النفط وتصديره كان شربتلي في مقدمة من شمّروا عن سواعدهم من رجال الأعمال لتأسيس المؤسسات الاقتصادية الرائدة مثل بنك الرياض وشركة المصافي العربية السعودية (سافكو) وعدد كبير من الشركات العاملة في مجالات العقارات والسيارات والتجارة العامة وغيرها، من تلك التي تركها لأولاده وأحفاده من بعد وفاته.
ولتسليط الضوء على المسيرة العصامية الحافلة لهذه الشخصية الحجازية الاستثنائية نستعين بمقابلة قديمة أجراها معه الأستاذ وهيب غراب في أغسطس 1993 ونشرتها مجلة «الرجل» السعودية، مع تطعيم المعلومات التي وردت فيها بتفاصيل استقيناها من مصادر أخرى متناثرة.
ولد شربتلي في مدينة جدة عام 1913، وفيها ترعرع ودرس لبعض الوقت في كتاتيبها، لكنه لم يكمل تعليمه وهجر مدرسته بسبب استيائه من تعنيف معلمه وما كان يمارسه من ضرب متواصل للطلبة لأتفه الأسباب. وهكذا قرر الصبي، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، أن يلتحق بشقيقيه عبدالله وعلي اللذين كانا يعملان مع والدهما عباس شربتلي في التجارة. ولم تكن تلك التجارة في حينها سوى إمداد الحجاج بالمواد الغذائية ووسائل المواصلات البدائية كالجمال والحمير والبغال التي تمكنهم من الوصول إلى مكة والمدينة وبقية المشاعر المقدسة، انطلاقا من الجزر القريبة من جدة التي كان يـُطلق عليها مجتمعة اسم «الكرنتينا» (هذه الجزر هي: أبو سعد والواسطة وأبوعلي، وهي الآن جزء من ميناء جدة الإسلامي).
وشيئاً فشيئاً استطاع الأشقاء حسن وعبدالله وعلي تنمية تجارة والدهم، فأقدموا على ما لم يقدم عليه أحد قبلهم وقتذاك؛ وهو استيراد الفاكهة والخضراوات من مصر والشام والسودان، لكن حسن قرر بعد فترة من الزمن أن يستقل بتجارته، فكان له ذلك. إذ بدأ نشاطه التجاري المستقل عن تجارة عائلته برأسمال متواضع استثمره في استيراد الفاكهة ومواد العطارة والأعشاب والأحجار الكريمة من بلاد الشام والهند وعدن، وتسويقها في الحجاز، وكان عمره 23 عاماً.
ومن الأشياء التي أتى شربتلي على ذكرها في مقابلته مع مجلة «الرجل» أنه في ستينات القرن الماضي، حينما قررت حكومة بنما تصدير منتجاتها من الهيل والأرز والدقيق إلى السعودية، زاره وزير بنمي بغية منحه أعلى وشاح في بلاده وتعيينه قنصلاً فخرياً لدولته في الشرق الأوسط وذلك من باب تشجيعه على استيراد المنتجات الغذائية البنمية وترويجها في أسواق المنطقة. يقول شربتلي إنه طلب أولاً استئذان الملك فيصل رحمه الله، فوافق الأخير على موضوع الوشاح، ولم يوافق على مسألة القنصل الفخري «على اعتبار أنني وزير دولة سعودي»، ولهذا تخلى شربتلي عن الوشاح ومنصب القنصل الفخري معاً لولده إبراهيم الذي هو واحد ضمن ذرية مكونة من تسعة أولاد وست بنات، حرص والدهم على إرسالهم إلى أفضل المدارس والمعاهد في بريطانيا وسويسرا لتلقي أرقى درجات التعليم، علما بأن هؤلاء الأبناء والبنات رزق شربتلي بهم من ثلاث زوجات: الأولى سعودية من عائلة الشلبي، والثانية حضرمية، والثالثة مصرية.
قال شربتلي في المقابلة إن ما حققه من نجاحات في دنيا المال والأعمال، لم يكن للشهادة العلمية أي دور فيه، وإنما سببه «إرادة الله وتوفيقه»، ثم دعاء والديه اللذين يقول عنهما: «كانا دائمي الدعاء لي، وكنتُ أطيعهما إلى أبعد حد، وأقبل أيديهما وأرجلهما رغم رفضهما. وقد توفي والدي ثم تبعته أمي بعد شهرين». أما هو فقد انتقل إلى جوار ربه في عام 1999 وهو دائن بعشرات المليارات من الريالات التي لم يجد سبيلاً لتحصيلها في حياته.