-A +A
علي فايع (أبها)
أثار المقال الذي كتبه مدير مركز دراسات ممارسات الإعلام وتأثيرها على المجتمع في جامعة يونشوبنك في السويد (ليون برخو) ونشرته الزميلة صحيفة الاقتصادية السعودية العديد من التساؤلات عن خطر اللغة العربية واستخدامها في مطارات العالم، وهل هذا واقع أم أنه تهويل؟
أشار برخو في مقاله إلى انزوائه في مطار بروكسل أثناء تصفحه للصحف العربية؛ كي لا يرى أو حتى يلحظ أي شخص شاشة الكمبيوتر وهو ينتقل من موقع عربي إلى آخر.

وأضاف برخو إلى أن الخشية والانزواء كانت نتيجة الواقع الذي أجبره على تصور أن هناك حراسا قد يشتبهون أو يتصورون أنه يقوم بعمل ضار وهو يقرأ بالعربية بعد أن أصبح استخدام الحروف العربية أو النطق بالعربية أو قراءة العربية في المطارات، كما يقول برخو، سببا في كثير من الأحيان لمعاناة شديدة، حسب الصحافة العالمية.
علق المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو والكاتب الصحفي الدكتور زياد الدريس على هذه المقالة بقوله:
قد تكون اللغة العربية الآن ملمحا وقد توظف للتهديد أو الاشتباه وهذا لا يمكن أن يستخدم ذريعة لنا لأن نحقق أو نساند في جعل اللغة العربية رمزا للخوف والحذر. وأضاف الدريس «يتم هذا إذا استجبنا لهذه الضغوط مثلما قد نستجيب بأن الإسلام هو مصدر خطر وتهديد وبالتالي نمتنع عن إظهار أي ملامح تنبئ عن أننا مسلمون» وذكر الدريس أن هذا قد ينسحب بالمثل على اللغة العربية التي أصبحت عند البعض تمثل رمزية أن هذا الشخص عربي وبالتالي فهو مسلم وبالتالي فهو إرهابي محتمل.
ورأى الدريس أن ما يجب أن نعمله نحن هو ألا نستجيب لهذا القلق لأننا إذا استجبنا أو أن الأغلبية قد استجابوا إليه فسيصبح القلة يستخدمون العربية وستكون قلة مشبوهة أو مشتبها فيها.
وإذا بقي العرب يستخدمون لغتهم بكل انفتاح وبكل ثقة فهم يوصلون رسالة للعالم ويؤكدون بألا علاقة للغة العربية بالإرهاب ولا بالخوق ولا بالقلق.
فيما يرى الكاتب والأكاديمي الدكتور خالد الرفاعي ابتداء أنه لا يمكن تقرير ظاهرة من الظواهر بالاستناد إلى حالات فردية متناثرة، كما لا يمكن الاعتماد على التوصيفات التي تطلقها الدوائر الإعلامية الغربية ضدّ العرب خصوصا والمسلمين عموما، خصوصا في هذه المرحلة المثقلة بعثرات التحيّز والتحريض.
ويضيف الرفاعي من الصعب -تبعاً لذلك- القطع بأننا أمام ظاهرة، تستلزم منا اليوم إظهار حالة من حالات التموقف السلبي، والدليل أن الذي يمكن أن نرصده اليوم بوضوح هو التوسع في تعلّم وتعليم اللغة العربية في عدد كبير من دول العالم، ومن المدهش أنّ الأحداث الإرهابية قد أفضت –في أمريكا على الأقلّ- إلى التوسع في فرص تعلّم وتعليم اللغة العربية وليس العكس، ففي أعقاب الحادي عشر من سبتمبر تبنّت الحكومة الأمريكية الكثير من مجالات خدمة اللغة العربية انطلاقاً من رؤية محددة لحماية الأمن القومي، وكان هذا مفيداً للغة العربية من ناحية الكمّ (إذ اتسعت فرص دراستها وتعددت المجالات الوظيفية للناطقين بها) وإنْ أثّر سلباً في القيمة أو المعنى لأسباب أشار إلى بعضها الدكتور بسام خليل فرنجية في ورقته: «واقع تعليم اللغة العربية في الولايات المتحدة الأمريكية».
ويمكن أن يؤكدَ هذا الرأيَ ما نلمسه في السنوات الأخيرة من بعض صور الاهتمام الآسيوي والأوروبي بالسائح العربي، ومن ذلك توجه عدد من مطارات دول آسيا وأوروبا إلى إدراج العربية في لوحاتها الإرشادية، إضافة إلى سعي المطارات والمكاتب السياحية وقطاع الإيواء إلى إتاحة اللغة العربية ضمن الخيارات اللغوية للتواصل والتنسيق إما بصورة مفتوحة (دائمة) وإما في حالات معينة يمكن أن تُدرج تحت (الضرورة).
ويقر الرفاعي بإمكان تعرّض اللغة العربية في أمريكا وأوروبا (تعلّماً وتعليماً وتداولاً) لبعض المشكلات في المستقبل، خصوصا في حال استمرار العمليات الإرهابية التي يقوم بها مسلمون وعرب ضدّ العواصم الإدارية والاقتصادية والسياحية هناك، لكن من المبكّر أن نقول إنّ شيئاً من هذا قد حدث فعلاً، ومن خلال الاطلاع على الأبحاث التي رصدت تجاربَ تعليم اللغة العربية في دول آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية فإنني لم ألمس حضوراً لهذا النوع من الخطورة. ولعل متابعة ارتفاع عدد السياح الخليجيين في صيف هذا العام يبين أن كل ما يمكن أن نتحدث عنه في هذا السياق لا يعدو كونه وقائع فردية تقع بخطأ من العربي نفسه أو بخطأ من الأفراد التابعين للمؤسسات الأمنية، وفي الحالين نحن على مسافة بعيدة من نشوء (الظاهرة)!