شهد منتصف الستينات من القرن الماضي تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، بهدف تمثيل الفلسطينيين دوليا على المستوى السياسي، وقد تبنت المنظمة عند تأسيسها استراتيجية الكفاح المسلح لتحرير جميع الأراضي الفلسطينية، وبعد حرب 1967 تلاقت أهداف المنظمة مع المصالح المصرية التي كانت تهدف لتدشين حرب استنزاف تضعف وتنهك قوى الإسرائيليين، واستقر مقر المنظمة بعد حرب 67 في عمّان وبقيت فيها حتى عام 1970، وخلال هذه الفترة قامت التنظيمات الفلسطينية المسلحة بشن هجمات متقطعة فدائية عبر الحدود المشتركة بين إسرائيل والأردن، وكان مدى هذه الهجمات يصل للعمق الإسرائيلي، مما حدا بإسرائيل للرد بقوة على هذه الهجمات داخل حدود الأردن نفسه مما أزعج القيادة السياسية الأردنية بشدة خوفا من اجتياح إسرائيلي للعمق الأردني، وهو ما دفع الملك حسين لكبح جماح ميليشيات المنظمة المسلحة، والتي زادت الطين بلة بقيامها بخطف متكرر للطائرات والهبوط بها داخل الأردن نفسه، وهو ما أحرج القيادات الأردنية وأشعرها بأن الوضع يوشك على أن يخرج عن السيطرة، وبدأ عندئذ ما عُرف تاريخيا بـ«فترة الأحداث المؤسفة» والتي تمت بين قوات الجيش الأردني والميليشيات الفلسطينيية المسلحة أو ما يعرف بأحداث أيلول الأسود.
انتهت أحداث أيلول الأسود بعد وساطة مصرية قبيل وفاة الرئيس المصري عبدالناصر بخروج القوات الفلسطينية المسلحة نهائيا من الأردن بكامل عتادها إلى لبنان، وفي مصر بدأت الأحداث تتغير بعد تولي الرئيس المصري السادات -الذي كان نائبا لناصر- سدة الحكم، والذي كان يمتلك رؤية مختلفة عن رؤية سلفه لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، فقد بادر السادات بعد توليه الحكم بإرسال رسائل للأمريكيين والإسرائيليين باستعداده للسلام مقابل عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب 67، غير أن إسرائيل لم توافق على ذلك وأصرت على الاحتفاظ بمكاسبها العسكرية، غير أن هذا الرفض والتعنت الإسرائيلي لم يدفعا السادات للاندفاع لأحضان السوفييت كما فعل رئيسه السابق؛ لأنه عرف ببصيرته أن جميع خيوط اللعبة بيد الولايات المتحدة، والتي بدأ في التقرب لها للحصول على مساعدتها، فطلب من كيسنجر والرئيس الأمريكي نيكسون مساعدة مصر في استعادة سيناء، غير أن كيسنجر أخبره أن موقف مصر بات ضعيفا بعد نكسة 67، وأن هذا الضعف لا يخول لها الدخول في مفاوضات جادة لاستعادة أراضيها المحتلة.
اجتمع السادات بقادة جيشه وأخبرهم بضرورة القيام بعملية عسكرية لتحريك المفاوضات، تحفّظ وزير الدفاع وقتها الفريق محمد صادق إذ بدا مترددا من خوض الحرب، الأمر الذي دفع السادات لإقالته وتعيين المشير أحمد إسماعيل بدلاً منه إضافة إلى تعيين الفريق الشاذلي رئيساً للأركان، كان هذان الجنرالان من المتحمسين جدا لخوض الحرب، لكنهما أخبرا السادات أنه وفي ضوء الإمكانيات الحالية للجيش المصري فإنه لا يمكن استعادة سيناء بالكامل، وعرضا عليه خطة بديلة تسمى بـ«المآذن العالية» تشمل عبور القناة واستعادة مساحة 12 كيلومتراً من الضفة الشرقية على طول القناة، وتكبيد الإسرائيليين أكبر خسائر ممكنة بالصمود، فكان رد السادات كما ذكره سعد الدين الشاذلي «لو استرجعتم سنتيمترا واحدا من سيناء وحافظتم عليه فإن هذا ما نحتاجه لتحريك المفاوضات».
في الوقت نفسه تحالف السادات مع السوريين لاستعادة هضبة الجولان المحتلة، اندلعت الحرب واستطاعت مصر تنفيذ خطة المآذن العالية بكفاءة لم يتوقعها أي طرف من الأطراف المتصارعة، وتمكنت من عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلاله ثم التمركز شرق القناة تحت حماية المظلة الصاروخية، وعلى الجانب السوري تمكن الجيش السوري من استرجاع الجولان.
بعد هذه الإنجازات أوقف المصريون الهجوم طبقا لخطتهم المعدة سلفا والمدروسة بعناية، فاتجه الإسرائيليون بمدرعاتهم للجانب السوري وبدأوا في استعادة الجولان، وللضغط على الجانب المصري صرح ديان بنيّته في احتلال دمشق، ثم تدخلت الولايات المتحدة وألقت بثقلها لإنقاذ الإسرائيليين وأقامت جسرا جويا عسكريا بينها وبين إسرائيل، ضغطت الولايات المتحدة على السادات ليقبل بوقف إطلاق النار، فاشترط السادات احتفاظه بمكتسباته المتمثلة في الشريط الحدودي بسيناء، «من المؤكد أن حرب 73 كانت نصرا عسكريا للعرب بكل المقاييس حتى في الأدبيات الإسرائيلية، إذ لا تتسع المساحة هنا للتوسع في حيثيات هذا النصر وربما أفرد لها الكاتب مقالا مستقلا في وقت آخر»، تمكن السادات بعد الحرب من فتح قناة السويس بعد أن ظلت مغلقة لما يزيد على السنوات الثماني (من 67-75).
في المقابل لم يستطع السوريون سوى استرجاع مدينة القنيطرة، واضطر السادات لقبول وقف إطلاق النار بعد وعود زائفة مخادعة من كيسنجر مفادها أن الولايات المتحدة ستقوم بالضغط على إسرائيل لتعيد بقية الأراضي المحتلة، لكن كيسنجر ماطل كثيرا ولم يفِ بوعوده، وهو ما دعا السادات للتهديد بشن حرب أخرى ضد إسرائيل، وفي هذه الأثناء جاءت حكومتان جديدتان، واحدة في إسرائيل بزعامة مناحم بيجين، والثانية في الولايات المتحدة بزعامة جيمي كارتر، عاد السادات مرة أخرى للضغط على حكومة كارتر للبدء في محادثات السلام واستعادة سيناء، فادعى كارتر وقتها أن السادات غير جاد في طلب السلام مما حدا بالسادات إلى التصريح بـأنه مستعد للذهاب إلى إسرائيل نفسها من أجل السلام، وقد شعر الإسرائيليون بالحرج أمام المجتمع الدولي بعد تصريح السادات، مما دفع بيجين للترحيب بزيارة السادات للقدس.
على الجانب الآخر ما إن وصل عرفات بميليشياته المسلحة للبنان حتى بدأ في إعادة تجربته بالأردن؛ إذ انتشرت قواته في البقاع اللبناني وبدأت بالإغارة على الحدود الإسرائيلية، وهو ما دفع الإسرائيليين بطبيعة الحدود بالرد بطريقة أقوى والتوغل داخل العمق اللبناني، وقد ورد على لسان الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل أن الميليشيات الفلسطينية المسلحة سعت لإقامة سلطة ودولة موازية للحكومة اللبنانية الرسمية، وبدأت في تحدي الحكومة اللبنانية، وهو ما مثل الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لما يزيد على 15 عاما. وللحديث بقية.
انتهت أحداث أيلول الأسود بعد وساطة مصرية قبيل وفاة الرئيس المصري عبدالناصر بخروج القوات الفلسطينية المسلحة نهائيا من الأردن بكامل عتادها إلى لبنان، وفي مصر بدأت الأحداث تتغير بعد تولي الرئيس المصري السادات -الذي كان نائبا لناصر- سدة الحكم، والذي كان يمتلك رؤية مختلفة عن رؤية سلفه لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، فقد بادر السادات بعد توليه الحكم بإرسال رسائل للأمريكيين والإسرائيليين باستعداده للسلام مقابل عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب 67، غير أن إسرائيل لم توافق على ذلك وأصرت على الاحتفاظ بمكاسبها العسكرية، غير أن هذا الرفض والتعنت الإسرائيلي لم يدفعا السادات للاندفاع لأحضان السوفييت كما فعل رئيسه السابق؛ لأنه عرف ببصيرته أن جميع خيوط اللعبة بيد الولايات المتحدة، والتي بدأ في التقرب لها للحصول على مساعدتها، فطلب من كيسنجر والرئيس الأمريكي نيكسون مساعدة مصر في استعادة سيناء، غير أن كيسنجر أخبره أن موقف مصر بات ضعيفا بعد نكسة 67، وأن هذا الضعف لا يخول لها الدخول في مفاوضات جادة لاستعادة أراضيها المحتلة.
اجتمع السادات بقادة جيشه وأخبرهم بضرورة القيام بعملية عسكرية لتحريك المفاوضات، تحفّظ وزير الدفاع وقتها الفريق محمد صادق إذ بدا مترددا من خوض الحرب، الأمر الذي دفع السادات لإقالته وتعيين المشير أحمد إسماعيل بدلاً منه إضافة إلى تعيين الفريق الشاذلي رئيساً للأركان، كان هذان الجنرالان من المتحمسين جدا لخوض الحرب، لكنهما أخبرا السادات أنه وفي ضوء الإمكانيات الحالية للجيش المصري فإنه لا يمكن استعادة سيناء بالكامل، وعرضا عليه خطة بديلة تسمى بـ«المآذن العالية» تشمل عبور القناة واستعادة مساحة 12 كيلومتراً من الضفة الشرقية على طول القناة، وتكبيد الإسرائيليين أكبر خسائر ممكنة بالصمود، فكان رد السادات كما ذكره سعد الدين الشاذلي «لو استرجعتم سنتيمترا واحدا من سيناء وحافظتم عليه فإن هذا ما نحتاجه لتحريك المفاوضات».
في الوقت نفسه تحالف السادات مع السوريين لاستعادة هضبة الجولان المحتلة، اندلعت الحرب واستطاعت مصر تنفيذ خطة المآذن العالية بكفاءة لم يتوقعها أي طرف من الأطراف المتصارعة، وتمكنت من عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واحتلاله ثم التمركز شرق القناة تحت حماية المظلة الصاروخية، وعلى الجانب السوري تمكن الجيش السوري من استرجاع الجولان.
بعد هذه الإنجازات أوقف المصريون الهجوم طبقا لخطتهم المعدة سلفا والمدروسة بعناية، فاتجه الإسرائيليون بمدرعاتهم للجانب السوري وبدأوا في استعادة الجولان، وللضغط على الجانب المصري صرح ديان بنيّته في احتلال دمشق، ثم تدخلت الولايات المتحدة وألقت بثقلها لإنقاذ الإسرائيليين وأقامت جسرا جويا عسكريا بينها وبين إسرائيل، ضغطت الولايات المتحدة على السادات ليقبل بوقف إطلاق النار، فاشترط السادات احتفاظه بمكتسباته المتمثلة في الشريط الحدودي بسيناء، «من المؤكد أن حرب 73 كانت نصرا عسكريا للعرب بكل المقاييس حتى في الأدبيات الإسرائيلية، إذ لا تتسع المساحة هنا للتوسع في حيثيات هذا النصر وربما أفرد لها الكاتب مقالا مستقلا في وقت آخر»، تمكن السادات بعد الحرب من فتح قناة السويس بعد أن ظلت مغلقة لما يزيد على السنوات الثماني (من 67-75).
في المقابل لم يستطع السوريون سوى استرجاع مدينة القنيطرة، واضطر السادات لقبول وقف إطلاق النار بعد وعود زائفة مخادعة من كيسنجر مفادها أن الولايات المتحدة ستقوم بالضغط على إسرائيل لتعيد بقية الأراضي المحتلة، لكن كيسنجر ماطل كثيرا ولم يفِ بوعوده، وهو ما دعا السادات للتهديد بشن حرب أخرى ضد إسرائيل، وفي هذه الأثناء جاءت حكومتان جديدتان، واحدة في إسرائيل بزعامة مناحم بيجين، والثانية في الولايات المتحدة بزعامة جيمي كارتر، عاد السادات مرة أخرى للضغط على حكومة كارتر للبدء في محادثات السلام واستعادة سيناء، فادعى كارتر وقتها أن السادات غير جاد في طلب السلام مما حدا بالسادات إلى التصريح بـأنه مستعد للذهاب إلى إسرائيل نفسها من أجل السلام، وقد شعر الإسرائيليون بالحرج أمام المجتمع الدولي بعد تصريح السادات، مما دفع بيجين للترحيب بزيارة السادات للقدس.
على الجانب الآخر ما إن وصل عرفات بميليشياته المسلحة للبنان حتى بدأ في إعادة تجربته بالأردن؛ إذ انتشرت قواته في البقاع اللبناني وبدأت بالإغارة على الحدود الإسرائيلية، وهو ما دفع الإسرائيليين بطبيعة الحدود بالرد بطريقة أقوى والتوغل داخل العمق اللبناني، وقد ورد على لسان الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل أن الميليشيات الفلسطينية المسلحة سعت لإقامة سلطة ودولة موازية للحكومة اللبنانية الرسمية، وبدأت في تحدي الحكومة اللبنانية، وهو ما مثل الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لما يزيد على 15 عاما. وللحديث بقية.