-A +A
صدقة يحي فاضل
ما زلنا نتحدث عن مبدأ التضامن العربي، بصرف النظر عما يتعرض له من سوء فهم وتطبيق، ومشروع تعديل ميثاق جامعة الدول العربية الذى يطرح في الوقت الحاضر، دون تطويل، وضمن ما يسمح به هذا الحيز، يمكننا القول: إنه لا يوجد عربي ومسلم عاقل ونزيه يرفض مبدأ «التضامن العربي» الفعلي.. عطفا على ما يربط بين البلاد العربية من روابط ووشائج، لا مثيل لقوتها بين أي مجموعة من دول العالم الحالية، وما يواجه البلاد العربية من تحديات كبرى، على كل الصعد. تلك هي فكرة من ذهب.. وسوء فهم أو تطبيق أي مبدأ (أو فكرة) لا يعنى (بالضرورة) فساد تلك الفكرة. إذ غالبا ما يكمن الفساد، والسوء، والانحراف، في سوء التطبيق والالتزام.
ومعروف أن أفرادا وجماعات عدة معينة أساءت كثيرا لهذا المبدأ، واستخدمته لتحقيق مصالح خاصة ورخيصة. ومن غير المنطقي – بالتالي – أن يلصق بهذا المبدأ ما نتج عن سوء فهمه والتلاعب في تطبيقه. ومن غير المعقول أن يسخر البعض من المتحمسين الحقيقيين للتضامن العربي، وأن يوصفوا – تهكما – بأنهم «قومجية»...؟! فبالإمكان جعل العروبة لا تتقاطع مع الإسلام. وعندما يحصل تقاطع ما، يجب – بالطبع - أن يكون الإسلام أولا. الأمم النابهة تجتهد لإيجاد وخلق «روابط» تعاون وتكامل في ما بينها، ومن ثم استغلال هذه الروابط لخدمة المصالح المشتركة، ودرء الأخطار المشتركة. بينما في أمتنا العربية من «يتفنن» في تسفيه هذه الروابط، والميل نحو «العشائرجية»...؟! (قد يعتبر البعض حرف «الجيم» تهكميا عندما يدخل على صفة تنتهى بحرف الياء). ويبدو أن المتهكمين لا يرتاحون للدولة المدنية، ناهيك عن فكرة التكتل الدولي.
لقد أجمع العقلاء وغالبية الباحثين في هذا الشأن على: أهمية إقامة تضامن وتكامل عربي فعال، يرتبط بتضامن فعلى مع الأمة الإسلامية، كإطار أوسع لنهضة عربية شاملة. وحتى الآن، تجسد التعاون العربي والعمل العربي المشترك في ما يعرف بـ«جامعة الدول العربية». وما زالت هذه الجامعة تطور نفسها، ولكن بسرعة سلحفائية مشهودة. وقد اعتمد مجلس جامعة الدول العربية أخيرا مناقشة مشروع تعديل ميثاق الجامعة. طرحت مسودته الأولى على الدول الأعضاء، وناقشها مجلس وزراء الخارجية العرب يوم 8 /‏ 9 /‏2016م، في جلسته المنعقدة بالقاهرة.
****
وقد أبدت الدول العربية الأعضاء ما تراه من ملاحظات على التعديلات المقترحة. وانصبت معظم هذه الملاحظات على: العضوية بالجامعة وما يتعلق بها من أمور. إضافة إلى تعيين الأمين العام ومساعديه، واختصاصات المجلسين الأعلى والوزاري، وما إلى ذلك. وأرى أن يتم أيضا التركيز على مسألة «التصويت» في مجالس الجامعة المختلفة... بحيث يكون التصويت في المسائل الموضوعية بأغلبية الثلثين (مثلا) وفى المسائل الإجرائية بالأغلبية البسيطة، وأن تستبعد قاعدة «الإجماع» سيئة الذكر. إضافة إلى دعم البرلمان العربي، وإقامة هيئة أكثر فاعلية لتسوية المنازعات البينية، واختيار الأمين العام بالتناوب بين الدول الأعضاء.
****
نعم، منذ إنشاء جامعة الدول العربية، وهي تعاني من الإعاقة الملحوظة، وعدم التماسك، وضعف القرارات، إضافة إلى ضعف التزام أغلب أعضائها بما يتم الاتفاق عليه من سياسات، وما يتخذ من قرارات – إن اتخذ. وكان «عدم الالتزام» هذا -وما زال- إحدى أهم العقبات التي تواجه العمل العربي المشترك.. وتضعف التضامن العربي المأمول. فكم من القرارات اتخذ – واتفق عليه – ولكنه لم ير النور في الواقع، بسبب عدم أو ضعف الالتزام من قبل معظم أعضاء الجامعة. وقد سد صدور نظام هيئة متابعة الالتزامات - كما أشرنا - ثغرة كانت موجودة في الإطار القانوني للتعاون العربي الشامل. ولكن ميثاق الجامعة نفسه كان – وما زال – في أمس الحاجة للمراجعة الدورية والتعديل بما يتلاءم والتطورات المتلاحقة، والمستجدات والتحديات الخطيرة، التي تواجه هذه الأمة.
والمهم الآن أن يتم التوصل لميثاق جديد أكثر فاعلية وعصرية وجدوى. والأهم أن يطبق.. ثم يُراجع بشكل دوري – مرة كل خمس سنوات مثلاً – للنظر في مدى صلابته وشموله، وإيجابيته، عند سريانه. ومن ثم، تُقترح التعديلات التي يرى المعنيون ضرورة إدخالها عليه، من حين لآخر؛ لضمان فاعليته ومساهمته (الفعلية) في دعم العمل العربي المشترك، لما فيه الصالح العربي العام. ولا بد من العمل للحيلولة دون تحول الميثاق الجديد إلى نظام روتيني هلامي (حال الميثاق الحالي، ومعظم الاتفاقات البينية العربية).. لا يحقق الهدف السامي من تبنيه. فإقامة أي بناء على أساس هش غالبا ما لا يعود بمردود إيجابي. وذلك أمر، إن حصل، ينسف (مع الأسف) أي تفاؤل في فجر جديد، مقبول شعبيا، للجامعة العربية.
الشعوب العربية تريد جامعة عربية فعلية، لا تكتلا شكليا.. غالبا ما يقتصر دوره على إصدار بيانات جوفاء، ينتهى مفعولها فور جفاف الحبر الذى كتبت به. لذلك، لا بد من ميثاق عصري فعال.. ينطلق على أساسه عمل عربي مشترك ذي معنى وتأثير، يسهم في دعم مكانة العرب، وحماية حقوقهم المشروعة، أسوة بما تفعله الأمم النابهة.

sfadil50@hotmail.com