-A +A
د. طلال صالح بنان
ليس من المتوقع أن يسفر اجتماع مدريد اليوم بين خافيير سولانا المنسق الأعلى للسياسة الخارجية الأوربية، وكبير المفاوضين الإيرانيين على لاريجاني في قضية ملف إيران النووي، عن أي اختراق في اتصالات الجانبين الأوروبي والإيراني، حول ملف برنامج الأخيرة النووي. الأوروبيون، مع موقف الولايات المتحدة بضرورة أن تُعَلِّق إيران برنامج تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها النووية، قبل أي حديث عن مصير هذا البرنامج.. بينما إيران تصر على أن أي مفاوضات حول برنامجها النووي مع الأوروبيين ومجلس الأمن، لا يجب أن تخضع لأي شروط مسبقة.. وأنها لن تتراجع عن برامجها لتخصيب اليورانيوم، مهما كان تكلفة موقفها هذا، الذي تعتبره مبدئياً ويتعلق بقرارات سيادية ملتزمة بها الحكومة الإيرانية.
في خلفية هذه المحادثات بين الجانبين، هناك استمرار للتهديد الأمريكي بفرض مزيد من العقوبات على طهران، بعيداً عن مجلس الأمن، إذا ما اقتضى الأمر ذلك. السيدة رايس في طريقها إلى مدينة بوتسدام الألمانية لحضور الاجتماع التحضيري لقمة الدول الصناعية الكبرى الأسبوع القادم، في مدينة هلنغدام، قالت ان هناك حزمة جديدة من العقوبات سوف تدفع الولايات المتحدة لتفعيلها ضد إيران، إذا ما فشل اجتماع مدريد بين سولانا ولاريجاني، دون ما حاجة إلى صدورها من مجلس الأمن، في إشارة إلى المعارضة الصينية والروسية في المجلس، لفرض مزيد من العقوبات على طهران.

هناك أيضاً، في خلفية محادثات مدريد اليوم، تأييد فرنسي للطريقة التي تدير بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، في الوقت الذي طالب الإيرانيون بوساطة فرنسية، في مسعى للوصول إلى تسوية سلمية لها. حيث قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية دوني سيمونو : نحن متضامنون كلياً مع شركائنا الأوربيين ( بريطانيا وألمانيا ) والدول الثلاث الأخرى في مجلس الأمن (الولايات المتحدة والصين وروسيا) التي تتفاوض معنا في إطار هذا الملف.
ولكن ليست كل مواقف الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني، مع قضية وقف تخصيب اليورانيوم، بالمطلق... هناك اتجاه يقوده مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية محمد البرادعي ، يقول: بإمكانية السماح لإيران بتخصيب جزئي لليورانيوم في إطار رقابة الوكالة، للخروج من هذا المأزق الذي قد يقود إلى أزمة تهدد سلام العالم وأمنه.
في النهاية: يحكم إدارة الأزمة سيناريو “كلاسيكي” لوضعية المعادلة الصفرية، التي لا تسمح بأي تنازل من قبل أي طرف عن موقفه المبدئي ( المتشدد ) في إدارة الأزمة، دون المخاطرة بالهزيمة في المواجهة بينهما. مستوى المخاطرة، إذن، عالٍ لطرفي الأزمة، بما قد يقود إلى فشل الطرفين في احتواء الأزمة ضمن بعدها الدبلوماسي، إلى التفكير في خيار المواجهة المباشرة بينهما، على أمل حسم الأزمة، بالاحتكام إلى متغير القوة. المشكلة الأساسية تكمن في: عدم توفر الثقة في نوايا أطراف الأزمة، تجاه بعضهم البعض. الإيرانيون، يعتقدون أنهم مهما بلغ تعاونهم للتأكد من سلمية برنامجهم النووي، فإن الطرف الآخر في المواجهة، لن يسمح لإيران من أن تتمكن من تطوير التقنية النووية، على المطلق. يعزز هذا تصريحات تصدر من الجانب الغربي، خاصة الولايات المتحدة بأن هناك خطراً جسيماً محتملاً في تمكن إيران من التقنية النووية، من أن تطور رادعاً نووياً خاصاً بها، مهما بلغ نظام الرقابة الدولية على برنامج إيران النووي من الصرامة والدقة. الحل الأمثل، في نظر الأمريكيين: الحيلولة دون إيران والتكنولوجية النووية، من المنبع..!؟
إيران، من ناحية، تفشل في إقناع الطرف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة وأطراف أخرى في المنطقة، بأن برنامجها النووي مخصص للاستخدامات السلمية. هناك تخوف دولي وإقليمي، من احتمال تنام لطموحات نووية إيرانية لأغراض استراتيجية غير تقليدية. سلوك إيران المصر على استمرار برنامج تخصيب اليورانيوم، بعيداً عن أي رقابة دولية.. وخطاب طهران السياسي المتشدد بأنها لن تسمح لأي جهة دولية أو إقليمية بعرقلة برنامجها النووي... هذا، بالإضافة إلى أن طهران فشلت في الحصول على دعم إقليمي لبرنامجها النووي بسبب هذا الغموض الذي يكتنف سلوك وتوجه النخبة السياسية الحاكمة في طهران، في إدارتها لملفها النووي.
خطورة الموقف تكمن في سلوك الجانبين التفاوضي الذي يعتمد على النظرية الصفرية في إدارة الأزمة. إذا لم يتلمس الجانبان احتمال تفجر الأزمة، نتيجة لسلوكهما التفاوضي المتشدد، فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة ويحدث المحظور. إلى الآن لا يمكن رؤية ضوء في نهاية النفق. الخطورة هنا تكمن في السماح للأزمة بأن تُدار من قبل طرفيها المتشددين. اقتراح السيد البرادعي، يمكن أن يفتح الباب لأطراف إقليمية ودولية لأن تدخل منه لمساعدة الطرفين التوصل لحل مرضٍ... ولكن، يظل حائط التشدد الذي يكتنف موقف الطرفين الرئيسيين في الأزمة، هو العقبة الكأداء للخروج من عنق الزجاجة.