-A +A
تركي العسيري
بعودة الاقتتال بين الإخوة الأعداء في شوارع غزة.. يعود مسلسل العنف الدموي بين الفرقاء الفلسطينيين، والذين كنا نعتقد أن اجتماع مكة قد وضع حداً نهائياً لعمليات الاقتتال والتشرذم.. غير أن المراقب للمشهد الفلسطيني، بل والمتتبع لتاريخ الحركات الفلسطينية ومن بينها بالطبع (فتح وحماس) لن يفاجأ بعودة الاقتتال ونقض الاتفاقات وتصفية الحسابات.
اتفاق مكة -كما أرى- كان اتفاقاً على المبادئ والخطط وإقامة حكومة وحدة وطنية ولم يكن اتفاقاً يضع حلاً لجذور المشكلة.

المشكلة أن «فتح وحماس» فصيلان متنافران فكرياً وسياسياً، فتح تؤمن بالسلام كمخرج وحيد للحالة الفلسطينية.. فيما ترى «حماس» أن الكفاح المسلح هو وحده القادر على إعادة الأرض. «فتح» تبنت اتفاقية (أوسلو) ومبدأ الحوار المفضي إلى حل.. و«حماس» ضد (أوسلو) وأي اعتراف بالعدو. «فتح» تنظيم علماني ينحو منحى ليبرالياً على الأقل في مقولاته.. و«حماس» حركة عقائدية تنهج نهجاً أصولياً موغلاً في أدبياته الجهادية.
هو ذا أس المشكلة.. عدا عن وجود أشخاص في كلا الفصيلين يعملان لإشعال فتيل الفوضى والفتنة في الشارع الفلسطيني لتحقيق مكاسب شخصية.. هذا بالطبع إلى جانب وجود طابور ثالث من العملاء الذين زرعتهم إسرائيل داخل المجتمع الفلسطيني بغية استمرار جذوة الخلاف.
وفي تقديري أن الزعامات الفلسطينية الحالية لا تملك القدرة الكاملة لكبح جماح وسيطرة قوى فاعلة على الأرض وتعمل لحسابها، وحساب جهات إقليمية معروفة.
التناحر الفلسطيني.. سيستمر رغم الاتفاقات المتكررة.. لأن القضية بين الفصيلين أعمق من اتفاقات القادة.. والذين بيدهم بعض الحل ولكن ليس كل الحل.
التأزم في الشارع الفلسطيني يضع القضية برمتها على كف عفريت، ويضع المبادرة العربية التي بذل العرب جهداً جهيداً في الوصول إلى الصيغة المثلى لحل القضية.. في مأزق حقيقي أمام الرأي العام العالمي.. الذي يصعب إقناعه وفي ظل أجواء مشحونة في داخل الأراضي الفلسطينية.. برغبة الفلسطينيين في السلام.. باعتباره الطريق الوحيد لاسترداد الحقوق المغتصبة، وإقامة وطن ذي سيادة. إن على اخوتنا الفلسطينيين أن يتوقفوا عن هذا العبث لإعطاء المبادرة العربية فرصتها، خاصة وقد شرع الأشقاء في مصر والأردن في اجراء حواراتهما مع الجانب الإسرائيلي كما نصت توصيات مؤتمر القمة في الرياض.. فعملية السلام في رأيي هي الحل الأمثل لاسترداد الحقوق، ولا أظن أن من الحكمة إفشالها عن طريق مواقف وعنتريات غير مدروسة من قبل بعض الفصائل.. فإطلاق «صواريخ القسام» المحدودة التأثير.. لن تجلب نصراً، بل ستعطي الإسرائيليين ذريعة الرد بعنف، وممارسة المزيد من الحصار، والمزيد من تدمير البنى التحتية للقطاع والضفة.
.. الاقتتال بين الإخوة مأساة مؤلمة لكل عربي ومسلم، وأظنها ستستمر رغم الاتفاقات التي تبرم بين السياسيين.. وينقضها «الزعران» كما قال أحد القادة الفلسطينيين.
المطلوب أن يتقي الله الساسة والمسلحون في هذا الشعب المسكين الذي ذاق ويلات الجوع والتشرد والحصار الظالم.. ويوقفوا نزيف الدم. العلة في النوايا التي يضمرها كل طرف من أجل تحقيق مكاسب آنية.. وينسون أنهم لا يملكون استقلالاً أو كياناً خاصاً بهم.. بل هم نزلاء سجن كبير يحاصره الإسرائيليون من كل جانب. ثم لماذا لا نقولها بصراحة.. فالصراع سياسي بالدرجة الأولى.. بين «فتح وحماس».
فتح لم تصدق فقدانها السلطة.. وحماس لم تصدق إمساكها بالسلطة.. وبين الحالتين يقتل «هابيل قابيل» بدم بارد..
الفرق أن «هابيل القديم» وارى سوءة أخيه.. بينما «هابيل الفلسطيني» ترك أخاه قابيل ملقى في الشارع.. وأخشى ما أخشاه أن تصبح القضية برمتها إذا استمر الوضع من مخلفات الماضي.. وعندها سنقول لكل فلسطيني.. كما قالت أم «أبوعبدالله» في الأندلس:
ابك كما تبكي النساء على «وطن» لم تحافظ عليه كالرجال!
وقفة :
إذا سألت عن العروبة قل لهم
هي أمة تلهو وشعب يكذب!
إلى الله المشتكى!!
تلفاكس 076221413