-A +A
تركي العسيري
لايمكن لأي مواطن أو مقيم أن ينكر الدور الايجابي العظيم الذي تقوم به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في درء الكثير من المخالفات، أو «الانفلات» اللاأخلاقي الذي يسببه بعض الشباب خاصة في المراكز التجارية أو المجمعات الترفيهية وغيرها.. وبقدر إيماننا بهذا الدور وتقديرنا للجهود المبذولة.. بقدر ما نشعر بالقلق من جراء التجاوزات الخطيرة التي تنسب الى بعض رجال الهيئة والتي لايمكن السكوت عنها او الدفاع عنها.
وفي ظني كمواطن محب لهذا الجهاز ان الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان بإمكانها أن تنأى بنفسها عن الوقوع في حبائل الكثير من المشكلات والمخالفات القانونية التي تنسب الى بعض أفرادها، لأنفسهم وللأخرين، لو أنها سلكت مسلكا حكيما ومتزنا في التعاطي مع المواقف التي تعترضها وترى فيها مخالفة شرعية من وجهة نظرها.. والتي وصلت الى حد غير مقبول وفيه امتهان لكرامة الانسان ولحقوقه التي كفلتها كل الرسالات السماوية.. كمداهمة المنازل والتعدي على ساكنيها بالضرب والاستجواب واقتياد المتهم الى مراكز الهيئة وهو في وضع صحي خطير بدلا من الذهاب به الى المستشفى مما ادى الى وفاة احد المتهمين كما حدث في الرياض وتبوك مؤخرا.. فللمنازل حرمتها، وللمواطنين والمقيمين كرامتهم، مهما تكن المبررات، فللمخالفات الشرعية طرقها القانونية التي لاتخفى على أحد.
ثمة في تقديري خلل ما في عمل رجال الهيئة كما تدل الحوادث الاخيرة التي باتت خبرا يوميا على اعمدة الصحف، والتي لاتختص بها مدينة او منطقة دون اخرى بل تكاد تعم شتى مناطق المملكة.
مكمن الخلل في رأيي هو حين تتحول الهيئة من مؤسسة تأمر «بالمعروف» وتدعو الى الفضيلة.. وتنهى عن المنكر.. بالنصح اللين كما يفترض.. الى أداة رقابية تملك سلطة التحقيق والتوقيف والمتابعة وتنفيذ الحدود العقابية كالجلد مثلا.. أي أنها تمارس عمل أجهزة شرعية وأمنية عديدة.
وإذا كان المولى القدير قد أمر نبيه «موسى» وأخاه ان يقولا لـ (فرعون) وهو الطاغية المتجبر.. «فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى».. فإن رجال الحسبة مطالبون بأن يكون «اللين» شعارهم في تعاملهم مع المخالف.. فاللين في التعامل يأسر القلوب، وله مفعول السحر في الأنفس.. ويؤدي الى النتائج المتوخاه من عمل الهيئة كحارسة للقيم والاخلاق.
ان اعتقاد بعض رجال الهيئة أنهم يملكون صلاحيات استثنائية في المراقبة والتوقيف والحجز واقتحام المنازل.. دون مساءلة هو ما يوقعهم في هذا الخلل الخطير.
إن على رجال الحسبة ان يعلموا أننا لانعيش في مجتمع ملائكي لامكان فيه للخطأ، بل نعيش في مجتمع بشري فيه مخالفات وتجاوزات واخطاء ينبغي استنكارها والتنبيه اليها وفق منطق «اللين» والمعروف، واتباع الطرق القانونية في التعامل معها، فالمجتمع المثالي الخالي من الاخطاء غير موجود البته منذ نشوء الخليقة وحتى زمن الصحابة رضوان الله عليهم - وهو مجتمع الصفوة الاخيار - كان الخمر والزنا والسحر وغير ذلك من المخالفات الشرعية موجودة.
لذا فانني اذ اقترح على الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف.. بعض الاقتراحات التي اعتقد انها ستجنبها الكثير من المشكلات.. وستجعلها تؤدي عملها بكل نجاح وفعالية.. وهي:
1- أن تقوم الرئاسة باستبعاد «الشباب» من افرادها الذين تقل اعمارهم عن الاربعين عن القيام «بالجولات» في الاسواق والمجمعات واماكن الترفيه.. فأغلب مشاكل الهيئة تأتي من هؤلاء الشباب المتحمسين الذين يفتقدون الى الحكمة والروية.. وبعضهم من المتعاونين كما في تبوك.
2- ان تلحق الهيئة بجهازها اساتذة الشريعة وائمة المساجد والافراد المشهود لهم بالصلاح والحكمة والتقوى من المتقاعدين الذين تجاوزوا الستين.. وعندها ستحل الكثير من الاشكالات.
3- انشاء معهد عال لالحاق جميع منسوبي الهيئة ولتخريج دفعات من رجال الحسبة تدرس فيه المواد الشرعية، والحقوقية وكيفية التعامل مع الناس والمخالفين.
هذه بعض المقترحات التي اعتقد انها ستحد كثيرا من حجم المخالفات والمشكلات والتجاوزات التي يحدثها بعض اعضاء الهيئة او المخالفين لها.
وارجو الا يفوتني ان اشيد هنا بسعة صدر الرئيس العام لهيئة الامر بالمعروف الشيخ «ابراهيم الغيث» في تقبل الرأي الآخر الذي يهدف الى الارتقاء بعمل الهيئة، وتفعيل دورها الحيوي.. وإني والله فيما اسلفت «ناصح محب أمين»!!.

تلفاكس: 6221413/07