-A +A
حمد عائل فقيهي
(1)
.. كأنما العالم ليس هو العالم.. والكون ليس هو الكون وكأنما الانسان/الكائن لم يعد ذلك الانسان الذي بقدر ما هو منحاز لإنسانيته يبدو في هذه اللحظة الكونية الفاصلة والجذرية - اكثر خيانة لقيمة الانسان ولمعنى الانسانية.

كأنما هو عالم آخر - ينهض على أنقاض عالم آخر ايضا وكأنما كل ما انجزه هذا العقل البشري الذي هو - هبة الله - من انجازات ضخمة في حقل المعرفة والفن والابداع.. يتجه الى نسف.. كل ما يمكن ان يكون دليلا على قيمة هذا العقل، ودالا على وجود الانسان - وقيمه الرفيعة والسامية التي ناضل من اجلها، وجعل منها شعارا لمعنى الوجود - وشرعة في كون هذا الانسان الذي هو الحياة في كيانها وعمرانها معا.
.. ماذا يحدث اليوم...؟
منذ القرن الثامن عشر، وما تلاه كان هناك عقل انساني يتجه نحو بناء وصياغة العالم الجديد، وقام المفكرون والفنانون والمبدعون والخلاقون في الغرب.. والمخترعون الكبار بولادة هذا العالم الجديد، هذا الكون المبني من تلك العبقرية التي تاجها العقل - وبرزت الدولة الحديثة.. هكذا نرى هذا الغرب - غرب الديموقراطية.. والتكنولوجيا - والمجتمعات التي تلعب دورا محوريا في صناعة القرار السياسي.. وتلك المؤسسات العلمية والثقافية ودوائر صناعة الرأي - يبدو غربا آخر - هو ضد ديموقراطيته.. وضد كل هذا التألق الحضاري.
(2)
.. ان الغرب اليوم - ممثلا في الولايات المتحدة، وبريطانيا، يؤسس لحقبة استعمارية جديدة مستخدما كل انجازاته.. العلمية، والمعرفية والعسكرية، في خدمة صناعة الشر - لاصناعة الخير، صناعة الموت لا صناعة الحياة، وتحويل هذا العالم الذي من المفترض ان يكون اكثر تحضرا، واقترابا من اقصى حالات المدنية - الى عالم يعيش على وقع خطوات الرعب والخوف، والدمار التي تصل الى كل بقاع الدنيا، وكل مدينة وقرية.. من أجل الوصول الى «امتلاك» النفط، وخلق حالة من الفوضى داخل كل «دولة» كل ذلك يأتي تحت غطاء ما يسمى بـ«الفوضى الخلاقة» ومن ثم الدخول الى مرحلة «الديموقراطية الجديدة» ومحاولة تذويب «الهوية العربية» بغية تحويل اسرائيل - الكيان الداخل في الجغرافية العربية - غصبا واغتصابا كحالة اجتماعية وسياسية.
(3)
إذن هو غرب يخون حداثته، ومنجزاته العلمية والفكرية والفلسـفية والفنية، ليعود بالعالم، بفعل سلطة العقل وسلطة المعرفة، وبالهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية، وبالقوة العسكرية، الى بدائيته الاولى، وإن جاءت هذه البدائية وكأنها ارقى حالات البدائية، وكــأنما نحن اليوم امام غابة كـــونية جديدة، كــتـلـك الغـــابــة القـــديمة لكن تحت قشــــرة المدنــية والعالم الاكثر رقيا وارتقاء، ان الغرب يمارس «دمويته» وهـمـجـيـتـه ويقتل الانسان، في فلســـطين والعراق، وفي أماكن اخرى، وبــقــاع اخرى بحثا عن المصالح العاجلة والمـــؤجلة، وجعل الانسان الذي دافعت وناضلت عنه قيم الدولة الحـــديـثـة في الغرب ومبادئ الحــرية والعـــدالة، وحقـــوق الانسان، في ان يكون «محميا» من كل آلات العنف والقتل والنفي القسري، فيما هي هذه القيم وهذه المبادئ - هي اكثر تراجعا - بفعل جنوح هذا العقل الغربي.. وجنون هذا الفكر المعبر عن هذا العقل.
عالم بدائي جديد - هو أكثر بدائية من البدائية الاولى تصنعه الحضارة التي خانت حضارتها، والمدنية التي اذابت مدنيتها - وها هو العالم يدخل بوابة الخراب الكبير.. بوابة هذا الجحيم الكوني إنها الغابة الكونية حقا وليست القرية الكونية.