-A +A
إعداد: عارف العضيلة
عادة ما تهدف ادارات الاندية الرياضية وهي تدخل مجال الاستثمار التجاري لإيجاد دخل مالي مناسب يمكن النادي من تسيير شؤونه الفنية والادارية وإيجاد الموارد غير التقليدية وهي المتمثلة في الدعم الحكومي المقدم من الرئاسة العامة لرعاية الشباب والدعم الشرفي على أن يكتسب هذا الدخل الاستثماري صفة الاستمرارية.

عمدت الاندية إلى مجال الاستثمار التجاري منذ وقت مبكر وقبل أن يقر بشكل رسمي من قبل الجهة المشرعة «الرئاسة العامة لرعاية الشباب» وظهر ذلك تحديدا قبل عقدين من الان.. إلا أن هذه التجارب الاستثمارية إن صح التعبير لم يكتب لها النجاح واختفت هذه المنتجات التجارية من السوق بشكل كلي.. والغريب أن أي علامة استفهام لم توضع حول هذا الاختفاء وايضا رغم تكرار هذه التجارب غير الناجحة لم ينبر أحد لدراسة هذه الظاهرة والتنقيب حول اسباب هذا الفشل.

لبن الهلال.. البداية

كان أول ظهور علني لمشروع تجاري يتولاه ناد رياضي سعودي في عام 1406هـ حين ظهر للاسواق منتج يحمل اسم «لبن الهلال» كان المنتج التجاري يحسب لنادي الهلال، صاحب هذا الظهور حملة اعلانية مكثفة. كانت الادارة الهلالية تهدف إلى الحصول على عوائد مالية كبيرة من هذا المشروع التجاري الذي كان يعتبر مميزا جدا ويصنف ضمن المشاريع الناجحة والمنتج مطلوب كثيرا بالسوق السعودي.

ولكن ماهي إلا فترة قصيرة من الزمن حتى اختفى هذا المنتج من الاسواق والاغرب أن هذا الملف اغلق تماما ولم يظهر أي شيء لا سلبي أو ايجابي عن هذا المشروع. ذات السيناريو تكرر حين اطلق نادي الاتحاد مشروع «منتجات الاتي الغذائية» كانت البداية قوية تسويقا وانتاجا وكان يتوقع ان يحقق هذا المشروع استمرارية وان يستفيد من تجربة نادي الهلال ولكن هذا المشروع لم يعمر طويلا وتوارى عن الانظار هو ا لاخر وبقيت اوراقه حبيسة الادراج تحت شعار «سري للغاية».

وعاد الناديان إلى استرجاء الدعم الشرفي.. وانتظار الدعم الحكومي السنوي.



القلعة.. على الورق

مشروع القلعة الخضراء مشروع انطلق من النادي الاهلي كان يأمل المتحمسون له أن يتم تأسيس منشأة تجارية كبيرة تصرف عوائدها لإدارات النادي الاهلي المتعاقبة للتمكن من تنفيذ خططها وبرامجها.. المتحمسون للمشروع كانوا يسعون لتمويل المنشأة التجارية وهي تؤسس للحصول على تمويل من اعضاء شرف النادي. صاحبت فكرة «القلعة الخضراء» حملة اعلامية واسعة استمرت قرابة العام.. كان اصحاب الفكرة والمتحمسون لها يؤكدون أن القلعة الخضراء ستعمل بمجالات تجارية متعددة كالعقارات والمقاولات.

لكن القلعة الخضراء. المشروع لم ير النور إلا على الورق فقط.. ووئدت الفكرة في مهدها.

ويبدو ان رأس المال المقترح فشل تجميعه أو أن هناك عوائق اخرى حالت دون تنفيذ هذا المشروع.

ولأن ملف هذا المشروع الفكرة لم يكشف هو الاخر بقي مثارا للتساؤلات والتكهنات.

أما الضلع الرابع ضمن مربع الاندية السعودية الرئيسية نادي النصر فهو لم يخض مثل هذه التجارب وكان مسؤولوه يؤكدون بأن دخول الاندية لمجال الاستثمار التجاري مغامرة فاشلة واكتفى نادي النصر بالاستثمار التجاري من خلال الاعلانات التجارية في النادي أو على قمصان اللاعبين وتأجير مرافق النادي، كالمسابح والملاعب. وانتهج نادي الشباب طريقاً مغايرا حين انشأ نادي الراقي الصحي..

كأول ناد ينشئ هذا المرفق قبل أن تعمم التجربة على باقي الاندية.



للفشل اسبابه

يعلق الخبير المصرفي والمالي ماجد الفهد على تجارب الاندية التجارية فيقول: بصراحة المعلومات عن هذه الاستثمارات قليلة جداً.. والجزم بالحكم عن اسباب فشلها صعب جداً.. ولكن يمكن تحديد ابرز الاسباب بشكل عام كالتالي:

- عدم وجود ادارة تجارية محترفة فغالبية اعضاء مجالس ادارات الاندية تنقصهم الخبرة التجارية التي هي مهمة لأي مشروع تجاري.

- كثرة التدخلات الداخلية والخارجية بالاندية من اعضاء شرف أو اعلام أو جهات حكومية اخرى.. وهذا سبب رئيسي لتعرقل صدور أي خطوة استثمارية جديدة.

- ضعف الرقابة المالية والادارية بالأندية.. فرقابة الجمعية العمومية للنادي ضعيفة وكذلك رقابة الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. والثغرات بالانظمة كثيرة ويسهل اختراقها لذا فمجال التلاعب سهل جدا.

- كثرة تغيير الادارات فلا يوجد سياسة عامة لأي ناد وكل مجلس ادارة يسعى لتحقيق بطولة كروية دون أن يكون له اي اهتمام اخر.. اداري أو استثماري.



نجاحات القدساويين منطقية

بسبب زيادة الوعي الاستثماري الذي يعيشه المجتمع السعودي بكل فئاته للطفرة الجديدة التي تمر بها البلاد فقد انعكس ذلك بشكل طبيعي على الاندية فزادت استثماراتها في صناديق الاسهم السعودية المنظمة التي انتشرت وكثرت في ظل طفرة الاسهم التي يعيشها السعوديون حاليا..

والنموذج الابرز في هذا المجال نادي القادسية بالخبر الذي استثمر العوائد المالية التي حصل عليها نتيجة بيع عقود عدد من لاعبيه لأندية كبيرة فبسبب الادارة التجارية المحترفة التي يمتلكها رئيس اعضاء شرف النادي المهندس احمد الزامل كشف النادي عن عدد من المشاريع التجارية الرائدة والمنوعة اهمها:

- استثمار جزء كبير في صناديق اسهم استثمارية.

- مركز تدريب وتأهيل للبراعم والناشئين، أو كما يسمى اكاديمية كروية يهدف النادي إلى تأهيل المواهب الكروية، ثم بيع عقودهم.

- الدخول في مجال الاستثمار في المدارس الاهلية، وقد حصلت ادارة نادي القادسية على موافقة الجهات المختصة لهذه الاستثمارات والتي هي مرشحة لتكون استثمارات ناجحة يعلق عليها الاقتصادي فهد المطلق قائلاً: الخطوة الابرز لاستثمارات نادي القادسية وسر نجاحها المتوقع، أنها أوكلت لمختصين مؤهلين فالبنك ابرز من يدير محافظ الاسهم واذا استمرت الادارة القدساوية في اكمال مهمة الاستثمار التجاري الى عقول محترفة ومؤهلة واعطتها استقلالية تامة عن شؤون وشجون ادارة النادي ومشاكلها المتعددة.

فستحقق اهداف الادارة بوجود دخل مالي مناسب جدا لتتمكن الادارة من تنفيذ خططها ومناشطها دون اي عوائق مالية.



الاسهم والعقارات انسب

بينما يؤكد المصرفي ماجد الفهد أن ابرز مجال يكون ناجحا للاستثمار بالنسبة للأندية هو مجال الاسهم والعقارات فبدراسة وضع النادي وتركيبته الادارية والنظامية فهذه الاستثمارات هي الانسب لأن مجهودها أقل ومشاكلها قليلة وليست معقدة كثيرا. ويعلق الفهد على الاندية الصحية التي انتشرت كاستثمارات داخل الاندية.. ويقول: هي تناسب طبيعة النادي وهي مشروع ناجح جدا لكن ليس من الافضل ان تتولى ادارة النادي إدارة هذا المشروع فالافضل ان تتولاها جهة تجارية مستقلة ويحصل النادي على عائد مادي متفق عليه وفق فترة زمنية معينة.. وهذا حتى لا تتكرر الاخطاء التي حدثت في نادي الطائي الصحي، التي تناقلتها وسائل الاعلام كثيرا.

يذكر عدد من خبراء الاستثمار ان مجالات الاستثمار التقليدية داخل النادي بحاجة لمزيد من التفعيل.. فبهذا ستكون ذات عوائد اكثر بكثير فمرافق النادي الداخلية والاعلانات التجارية داخل النادي وعلى قمصان اللاعبين، واسم وشعار النادي كل هذه فرص استثمارية بحاجة لاعادة دراسة وتنظيم وسيكون اثرها مميزا على دخل النادي المالي.

وحاليا تتردد أنباء عن قرب صدور قرار بالموافقة على السماح للأندية باستحداث قنوات فضائية تلفزيونية. وهذه القنوات ستكون مصدر دخل اضافي وكبير للاندية.



الفايز: التفكير مؤقت

ويعلق سليمان الفايز عضو مجلس ادارة النادي العربي خلال فترات سابقة بقوله: أهم عقبة تقف في وجهه استثمارات الاندية هو الشح المادي الذي تعاني منه خاصة في السنوات الخمس الاخيرة، فالمبالغ المادية التي ينجح في توفيرها مجلس الادارة بواسطة اعضاء الشرف سرعان ما تصرف على خطط عمل النادي وعلى فرقه المتعددة وخاصة فريق كرة القدم الاول.. وبسبب هذا الشح المالي فان موضوع الاستثمارات يكون موضوعا هامشيا بل وترفا في جدول اعمال مجلس الادارة ويكون دائما بند عمل مؤجل لحين توفر السيولة.

ويقول الفايز بأن هذه الاستثمارات إن وجدت في الاندية فإن الفشل سيكون حليفها ويتضح هذا من خلال مشاريع بعض الاندية الكبيرة التي فشلت ويلخص الفايز الاسباب قائلاً: من أهم الاسباب أن العمل الاداري في الاندية يفتقر للتخطيط السليم، فهو يعتمد على الارتجالية والاجتهادات الشخصية، فالخطط الادارية والمالية قصيرة وطويلة الاجل غير موجودة مطلقا.. وكذا انحسار جهود وتركيز مجلس الادارة بصفته السلطة العليا بالنادي على ادارة شؤون النادي الفنية والادارية وانشغالها بتسيير فرق النادي.. ومشاكله المتعددة. ويؤكد الفايز أن العمل بمجلس ادارة اي ناد هو عمل متعب ومعقد خاصة في ظل عدم وجود اداري محترف كل هذه الاسباب تجعل أي مشروع تجاري غير ناجح ويقترح الفايز أن ترتبط استثمارات الاندية الرياضية بشكل مباشر بالجهة المختصة بالرئاسة العامة لرعاية الشباب.. التي يخول لها أن تتولى وفق لجان مؤهلة ومختصة متابعة الاستثمارات التجارية في الاندية خاصة الكبرى منها.

ويرى الفايز أن انسب استثمار للاندية ذات الدخول المحدودة هو التركيز على ما تحت يديها من استثمارات وتطويرها كالمسبح والصالة الصحية والبوفيه وواجهات النادي حتى يتم حل اشكالية التمويل الذي تعاني منه.



استيعاب الفكرة

من جهته يعلق الدكتور فهد المطلق العضو العامل في عدة اندية والقريب من الشأن الرياضي بقوله: لا يجب ابدا ان نقارن بين استثمارات الاندية السعودية والمشاريع الاستثمارية في الاندية الخارجية.. فهذا ظلم لكلا الطرفين فالظروف المالية والاجتماعية مختلفة. ويواصل قائلاً: أولى خطوات النجاح هي اعترافنا بأن الاستثمار في الاندية السعودية حتى تاريخه فاشل وهذه المشاريع التي طرحت كان الفشل نصيبها ويجب ان تخضع لدراسة مستفيضة من قبل الجهات الحكومية ذات العلاقة، وبالتالي تنشر التوصيات والاسباب فهذا طريق النجاح. ويلخص المطلق اسباب فشل استثمارات الاندية قائلاً: عدم استيعاب مجلس ادارة اي ناد لفكرة الاستثمار كما أن جميع ادارات الاندية السعودية هي اشبه ما يكون بادارات طوارئ أو ادارات انتقالية فمجلس الادارة في غالبيته لا يكمل السنتين.. ويكون جهده منصبا على شؤون الفريق الكروي..

وهو يعتبر وفق المعيار السائد نجاح أي مجلس ادارة لأي ناد مع شديد الاسف.

ويواصل أنه رغم هذا ظهرت عدد من الوجوه الادارية ذات الامكانيات العالية في مجالس الاندية..

والامير عبدالله بن مساعد رئيس الهلال السابق نموذج لما يجب أن يكون عليه العمل في الاندية لكن واقع الاندية السعودية منعه من تنفيذ خططه وبرامجه الاستثمارية والتي وضعها بصفته رجل اعمال واداريا محنكا.

ويتمنى المطلق ان تنفذ الرئاسة العامة لرعاية الشباب لجنة عمل تتولى دراسة الاستثمارات التي من الممكن وجودها في الاندية وتطرح في منافسة عامة للقطاع الخاص.. الذي هو قادر على انجاح هذه المشاريع.