-A +A
خالد نايف الهباس
صادفت الذكرى الأربعين لهزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل خلال خمسة أيام تغطية إعلامية كبيرة في وسائل الإعلام العربية على مدار الأيام الماضية. وكان القاسم المشترك هو معرفة أين وقع الخطأ: هل كان مسؤولية القرار السياسي أم القرار العسكري؟ وما هو أثر النكسة على النظام السياسي العربي؟ بل وعلى العقلية العربية؟ هذه في الواقع أسئلة لها الكثير من المشروعية، رغم أن الكلام في الميت حرام كما يقال. لكن الحدث كان جللاً، ويستحق الحديث عنه حتى بعد أربعين عاماً من وقوعه. بيد أن هذه التغطية شابها بعض القصور.
أولاً: أنها ركزت على الإستراتيجية العسكرية، بينما أغفلت دور العلاقات السياسية العربية، وأيضاً دور الدول الكبرى في دفع المنطقة إلى هاوية الحرب. فقد تم تجاهل محاولة الدول الغربية تقليم أظافر القيادة المصرية التي كانت قنديلاً يستنير به الباحثون عن النور وسط ظلمات الاستعمار، حيث كانت مبادئ عدم الانحياز، ودعم ثورات التحرر، ومحاربة النفوذ الغربي في المنطقة العربية وخارجها، مصدر قلق لإستراتيجية الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

ولا يزال هناك اختلاف حول طبيعة الهزيمة وأسبابها، وهذا يعكس عدم قدرة الأمة على الاستفادة من دروس الماضي بالشكل المطلوب.
ثانياً: لعل من الأسئلة المهمة، التي أغفلت أيضاً: لماذا دخلت مصر الحرب رغم أن أكثر من 60 ألف جندي مصري كانوا يقاتلون في اليمن؟ ما هو السبب الذي دفع جمال عبدالناصر إلى توقيع معاهدة دفاع مشترك مع سوريا في نوفمبر 1966، رغم أن عبدالناصر كان يختلف مع النهج الثوري المتشدد للقيادة السورية؟ هل كان عبد الناصر فعلاً يريد الحرب ولذلك طالب بسحب قوات الطوارئ الدولية المتواجدة على الحدود المصرية- الإسرائيلية قبيل الحرب؟ ولماذا أعلن عبدالناصر إغلاق مضيق تيران في وجهة الملاحة الإسرائيلية في مايو 1967؟ هل كان الزعيم المصري يعاني من إحباط في ما يتعلق بالسياسة الإقليمية والحرب في اليمن، ومن هنا بحث عن نصر خارجي، على غرار أزمة السويس التي رفعت من أسهمه وسلمت له مقود السياسة العربية- رغم أن أمريكا هي التي أجبرت دول العدوان الثلاثي على وقف العمليات؟ أم أنها المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر، والدعم العسكري والاقتصادي الذي تقدمه إدارة جونسون لإسرائيل خلال تلك الفترة؟
ثالثاًً: إن محاولة التنظير لتتالي الأحداث عقب الهزيمة مروراً بحرب 73 ومن ثم معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل عام 79 لم تخل من عدم الموضوعية. فالحكم على حدث ماض من خلال المعطيات السياسية المعاصرة تشويه للحقيقة. أن تحكم على معاهدات السلام بأنها كانت قراراً صائباً، لأنها أعادت سيناء، وأن دولاً عربية أخرى حذت حذو مصر في التسعينات ووقعت سلاماً منفرداً مع إسرائيل، يبدو سبباً غير مقنع. هل سوف تقوم إسرائيل بغزو لبنان عام 82؟ وهل ستطمح العراق إلى القيادة العربية لو لم تخرج مصر من الصف العربي تطبيقاً لقرارات القمة العربية في بغداد عام 78، التي عاقبت مصر على توقيعها معاهدة السلام ؟ هل ستستمر قاعدة حرب عربية-إسرائيلية كل عشر سنوات لو بقيت مصر ضمن الصف العربي،...الخ؟
أخيراً، إن محاولة ربط تنامي التيار السياسي الإسلامي في العالم العربي بالهزيمة أمر مثير للاستغراب! إنها من وجهة نظري محاولة للتغطية على فشل الحكومات العربية في برامج التحديث السياسي وتعثر مسيرة التحول الديمقراطي، وأيضاً فشل البرامج التنموية العامة في هذه الدول، ناهيك عن التبعية في السياسة الخارجية.
knhabbas@hotmail.com