قدر السودان أن يظل مأزوما دائما وأن يكون غير مستقر وأن يدفع ثمن انفتاح حدوده على تسعة بلدان افريقية وأن يظل جيرانه متوجسين منه دائما.. البروفيسور حسن مكي محمد أحمد
الخبير الاستراتيجي في شؤون القرن الافريقي وعميد مركز البحوث والدراسات الافريقية في جامعة افريقيا العالمية واحد من كبار المؤرخين في تأريخ السودان السياسي في العصر الحديث وصاحب رؤية استراتيجية ثاقبة في الشأن السوداني والافريقي على حد سواء.. سألته عن الحلول المطروحة لمشاكل السودان المتجددة يوميا فقال ان كل مشاكل افريقيا وقبائلها وتناقضاتها وتخلفها موجودة على ارض هذه القارة الصغرى ولن تستقر السودان حتى ترى افريقيا الكبرى بكل دولها هذا الاستقرار الذي يبدو كحلم جميل في ظل الأطماع التي تعيشها كل دول القارة من اسرائيل تحديدا والعالم الغربي عموما. البروفيسور مكي كشف حقائق وأرقاما لم تعلن من قبل عن الواقع السوداني وقال لـ«عكاظ» ان في بلاده التي لايعرفها حتى العرب سودانيين لايلبسون الملابس ويعيشون عرايا في ما بينهم ويعتقدون أنه لوكانت هناك حاجة للملابس لما خلقهم الله، كما أن فيها ممن يتصدرون للسياسة والحكم هذه الأيام أشخاص يعتقدون أنهم يجب أن لايموتوا ميتة طبيعية عندما يعجزون ويهرمون ومن ثم يجب أن تنتقل أرواحهم سالمة الى روح ثانية فيأتون بنسائهم ليقمن بقتلهم.
ادمان الفشل
هل على السودانيين أن يدمنوا الفشل كما يقول منصور خالد؟
- عين الرضا عن كل عيب كليلة، وكما قال القرآن الكريم (ومنهم من يلمزك بالصدقات فان أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون) ومنصور خالد لولم يكن في السلطة لكان له رأي آخر.. وما أستطيع أن أقوله ان السودان الذي يعد عاشر قطر في العالم فيه أكبر درجات حرارة في العالم وأكبر مستنقعات أيضا من حيث المساحة، فيه 86 لغة والخرطوم يتكلم فيها لوحدها أكثر من مائتي لهجة والسودان ككل فيه قرابة 100 قبيلة مشتركة وخمس سكان السودان من قبائل لديهم جنسية مشتركة ويكفي ان الرئيس التشادي مثلا نصفه سوداني ونصفه تشادي والعربي لايعرف أن من السودانيين الذين يعرف أنهم عرب أناس لايلبسون الملابس ويعيشون عرايا في ما بينهم ويعتقدون أنه لوكانت هناك حاجة للملابس لما خلقهم الله كذلك، وهناك مناطق في السودان لاتصلها الابعد ستة أسابيع وعن طريق البحر فقط وهناك أيضا مناطق لايمكن الوصول لها الاعن طريق الجو فهذا بلد السلطة لاتحكم فيه الا 150 ميلا بعد الخرطوم فيما قطر البلد بالكامل 1200 ميل تقريبا، ومن ثم فالأصل أن حكم هذا البلد صعب أصلا ومن ثم فمقياس النجاح مع الدول العربية أو الآخرين لايصلح مع السودان الذي يعتبر قارة افريقية مصغرة لوحده، ولاتنس أن الديانات الموجودة هنا غريبة ومختلفة فهناك أناس يعبدون (الكدور) في جبال النوبة وهم أشخاص يظنون بتلبس الروح فيهم ومن ثم يتلطخ بالقاذورات ويظن أنه ينزل المطر، ويشفي المرضى ويحكم بكثير من الأحكام والقضايا وهناك من يعبد الثعابين في مناطق قور وبعضهم عندهم ما يسمى (رس الشلق) في جنوب السودان وهؤلاء يعتقدون أنهم يجب أن لايموتوا ميتة طبيعية عندما يعجز ويهرم ومن ثم يجب أن تنتقل روحه سالمة الى روح ثانية فيأتي بنسائه ليقمن بقتله.
مامدى تأثير القبيلة والحدود على القرار السياسي في السودان وعلى توازن القوى داخل البلاد؟
- أثرت الجهويات بشدة في السودان ويكفي أن جنوب السودان ظل يحارب خمسين سنة وهو يظن أن عنده شخصية مختلفة عن الشخصية العربية لأنه لم يكن عربيا لا في لسانه ولالونه ولاتكوينه العقلي وهو دائما ما يجد نفسه في كينيا أو اوغندا، فيما شمال السودان يجد نفسه في مصر والحجاز فهذه هويات مختلفة وصراع شخصيات وثقافات، وتجد أن كل هذه التأثيرات تنعكس على السلطة المركزية من قبل هذه القبائل حسب المواقف السياسية للدول المجاورة المؤيدة لها وبما لايتماشى مع حكومة السودان ورغم هذا تجد في الدول المجاورة للسودان وزراء ورؤساء من قبائل سودانية فوزير دفاع أوغندا من قبيلة الكاكوة وكذلك كان الرئيس الراحل عيدي أمين.. ولو تمعنت في جيش الرب الموجود في الجنوب الآن لعرفت أنهم من قبيلة (الأشودو) وهي قبيلة سودانية أوغندية ولذلك فان للتأثير القبلي والحدود دورا كبيرا في رسم السياسة السودانية.
مساومة السلام
اتفاق الجنوب كان نتاج مساومة بين أقلية في الشمال وأكثرية في الجنوب.. هل هذا صحيح وهل يمكن أن يصمد هذا الاتفاق؟
- هذا صحيح والمساومة كانت لحقن الدماء التي شقت السودان الى أفارقة وعرب مثلما حدث في دارفور بين جنجويد العرب والأفارقة ومن ثم فقد كان الوصول للسلام دفع لتهمة أن العرب همجيون ومصاصو دماء ومغتصبو نساء وهذه هي الأوصاف التي كان يبثها الاعلام العالمي في وقفته مع الجنوبيين الذين وقفت معهم أمريكا واسرائيل والكنائس الأوروبية فيما كانت الجهات العربية والاسلامية الرسمية والطوعية تعيش مأزق أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولم يعد بامكان العرب أن يقدموا ولو دعما أدبيا ومن ثم كان لابد من الوصول الى حل وهو على أية حال سيتكلم عنه التاريخ لكن يبدو في ظروف القوى الموجودة أنه الحل الممكن وليس الحل المطلوب تحديدا.
الخرطوم عاصمة النزوح في العالم.. كيف ترى هذا الواقع المؤلم؟
- للأسف.. أنه واقع صحيح مئة في المئة لأن الخرطوم ملتقى النيلين كان يسكنها العام 1956م أقل من نصف مليون شخص وكان العنصر العربي فيها حوالى 400 ألف شخص ولم يتجاوز عدد الجنوبيين وأهالي النوبة فيها 26 ألفا، أما اليوم فتضاعف عدد سكان الخرطوم 16 ضعفا فأصبح عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة وأصبح سكانها من العرب بمفهوم النقاء العرقي لايتجاوز الثلاثة ملايين نسمة فيما الخمسة ملايين الآخرون من الأفارقة القادمين من جنوب وغرب السودان وغرب افريقيا أيضا وتقاسم أهالي الخرطوم الموارد التي لم تصل الى أربعة أضعاف ماكان موجودا مع الوافدين والنازحين القادمين من خارج العاصمة بعد أن ضرب الجفاف كل دول الساحل الافريقي مالي والنيجر وتشاد ولذلك الخرطوم مدينة مأزومة وعليها ضغط كبير والسكن العشوائي بها أكبر وبها أحياء غريبة.
الترابي لن يعتزل
هناك من يرى أن على الدكتور حسن الترابي اعتزال السياسة؟
- هذه يحددها د. الترابي نفسه والسياسة فعل عقلي وليست فعلا جسميا كالكرة يتطلب الشباب، ومشكلة الترابي ليست في السن ولكن المشكلة أن أقوى رجاله هم الذين يحكمون الآن.. ولا أعتقد أنه في رحلة العمر القصيرة هذه سيتمكن من بناء ذات الجيل الذي فجر شعبان وحرك ثورة رجب وثورة المساجد وحركة يوليو 1976م.. والانسان لا يستطيع أن يسبح في ذات تيار الماء مرتين، لأن التيار يتحرك. ولكن أعتقد مع ذلك أن الترابي له قدرة ويحب التحدي وهذه أبرز خصائص شخصيته..
في بلد ينتشر فيه السلاح انتشار النار في الهشيم هل يمكن أن تنجح الديمقراطية التي يتحدث عنها السودانيون كثيرا؟
- أشك في ذلك واذا جاءت الحكومة الديمقراطية فإن حكمها سيكون قصيرا جدا لأن الايمان بالديمقراطية والقبول بحكم الأغلبية في بلد تنتشر فيه أكثر من عشرة ملايين قطعة سلاح خارج يد الحكومة ويمتلك الآن ستة جيوش هي الجيش الوطني وجيش حكومة الجنوب وجيش دفاع الجنوب وجيش حركة تحرير السودان وجيش قبائل الشرق وجيش حركة العدل والمساواة خلاف الميليشيات المسلحة يعد أمرا مشكوكا فيه.
المخطط الاسرائيلي
د. حسن: ماهي أهداف اسرائيل في السودان تحديدا؟
يمكن تلخيص ذلك في أن اسرائيل قسمت الدول المحيطة بها الى دول طوق ودول محيط، أما دول الطوق فهي مصر وسوريا والأردن ولبنان وقد تمكنت تماماً من كسر الطوق حيث تتمتع بعلاقات مباشرة مع مصر والأردن، كما أنها بوجودها في الجولان تسعى لضبط علاقاتها مع سوريا ومغازلتها من حين لآخر كما جاء في دعوة أولمرت قبل أيام للرئيس الأسد، ومع أن السودان اعترف بمعاهدة كامب ديفيد وبمبادرة الملك عبدالله للجامعة العربية الا أن اسرائيل ترغب في اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع السودان وعلى طريقة موريتانيا نسبة لان لاسرائيل طوقاً من السفارات الدبلوماسية شمالاً وجنوباً «كمبالا - نيروبي وكينشاسا» جنوباً وعمان والقاهرة شمالاً وأديس واسمرا شرقاً فلماذا ليس الخرطوم؟!
الدور السعودي
ما هي رؤيتك للدور السعودي في دارفور بعد اتفاق الجنادرية بين السودان وتشاد؟
- الدور السعودي في دارفور يمكن أن ينجح اعتمادا على حب أهالي دارفور للأراضي المقدسة وأعتقد أن مبادرة أخرى لجمع الرافضين لاتفاق ابوجا ستكون ناجحة أيضا لكن المبادرة الأهم في نظري هي تنمية دارفور نفسها لأنها تستند الآن على دعم الجمعيات والارساليات التبشيرية والأمم المتحدة التي تصرف على دارفور ثمانمائة مليون دولار لتوفير الطعام فقط بمعنى أن كل شخص دارفوري يأكل بمائة وعشرين دولارا سنويا وهؤلاء المستفيدون كلهم مسلمون وفي رأيي أن السعودية يمكن أن ترمي بثقلها في ظل غنى الأراضي الذي تمتلكه دارفور ولو نفذت طريق غرب دارفور لما احتاجت الى الاغاثة التي تأتي عن طريق الطيران لأن الأكل سينساب عبر العربات بسهولة ويسر أما الآن فالوضع صعب في ظل انعدام الأمن والأمطار أن تقطع العربات مسافة 1800 كيلومتر من الخرطوم إلى دارفور بسهولة.. ويمكن أيضا في ظل وجود كميات مهولة من المياه الجوفية في دارفور أن تتولى المملكة مشروع حفر الآبار التي لو وصلت الى 1000 بئر لحلت مشاكل الصراع بين الرعاة والزراع وتصور لو أن كل خمسة آلاف شخص استفادوا من بئر واحدة لحلت مشاكل لاحصر لها بين قبائل دارفور ولهدأت الأوضاع بشكل دائم وليس مؤقتا كما يحدث الآن.
الخبير الاستراتيجي في شؤون القرن الافريقي وعميد مركز البحوث والدراسات الافريقية في جامعة افريقيا العالمية واحد من كبار المؤرخين في تأريخ السودان السياسي في العصر الحديث وصاحب رؤية استراتيجية ثاقبة في الشأن السوداني والافريقي على حد سواء.. سألته عن الحلول المطروحة لمشاكل السودان المتجددة يوميا فقال ان كل مشاكل افريقيا وقبائلها وتناقضاتها وتخلفها موجودة على ارض هذه القارة الصغرى ولن تستقر السودان حتى ترى افريقيا الكبرى بكل دولها هذا الاستقرار الذي يبدو كحلم جميل في ظل الأطماع التي تعيشها كل دول القارة من اسرائيل تحديدا والعالم الغربي عموما. البروفيسور مكي كشف حقائق وأرقاما لم تعلن من قبل عن الواقع السوداني وقال لـ«عكاظ» ان في بلاده التي لايعرفها حتى العرب سودانيين لايلبسون الملابس ويعيشون عرايا في ما بينهم ويعتقدون أنه لوكانت هناك حاجة للملابس لما خلقهم الله، كما أن فيها ممن يتصدرون للسياسة والحكم هذه الأيام أشخاص يعتقدون أنهم يجب أن لايموتوا ميتة طبيعية عندما يعجزون ويهرمون ومن ثم يجب أن تنتقل أرواحهم سالمة الى روح ثانية فيأتون بنسائهم ليقمن بقتلهم.
ادمان الفشل
هل على السودانيين أن يدمنوا الفشل كما يقول منصور خالد؟
- عين الرضا عن كل عيب كليلة، وكما قال القرآن الكريم (ومنهم من يلمزك بالصدقات فان أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون) ومنصور خالد لولم يكن في السلطة لكان له رأي آخر.. وما أستطيع أن أقوله ان السودان الذي يعد عاشر قطر في العالم فيه أكبر درجات حرارة في العالم وأكبر مستنقعات أيضا من حيث المساحة، فيه 86 لغة والخرطوم يتكلم فيها لوحدها أكثر من مائتي لهجة والسودان ككل فيه قرابة 100 قبيلة مشتركة وخمس سكان السودان من قبائل لديهم جنسية مشتركة ويكفي ان الرئيس التشادي مثلا نصفه سوداني ونصفه تشادي والعربي لايعرف أن من السودانيين الذين يعرف أنهم عرب أناس لايلبسون الملابس ويعيشون عرايا في ما بينهم ويعتقدون أنه لوكانت هناك حاجة للملابس لما خلقهم الله كذلك، وهناك مناطق في السودان لاتصلها الابعد ستة أسابيع وعن طريق البحر فقط وهناك أيضا مناطق لايمكن الوصول لها الاعن طريق الجو فهذا بلد السلطة لاتحكم فيه الا 150 ميلا بعد الخرطوم فيما قطر البلد بالكامل 1200 ميل تقريبا، ومن ثم فالأصل أن حكم هذا البلد صعب أصلا ومن ثم فمقياس النجاح مع الدول العربية أو الآخرين لايصلح مع السودان الذي يعتبر قارة افريقية مصغرة لوحده، ولاتنس أن الديانات الموجودة هنا غريبة ومختلفة فهناك أناس يعبدون (الكدور) في جبال النوبة وهم أشخاص يظنون بتلبس الروح فيهم ومن ثم يتلطخ بالقاذورات ويظن أنه ينزل المطر، ويشفي المرضى ويحكم بكثير من الأحكام والقضايا وهناك من يعبد الثعابين في مناطق قور وبعضهم عندهم ما يسمى (رس الشلق) في جنوب السودان وهؤلاء يعتقدون أنهم يجب أن لايموتوا ميتة طبيعية عندما يعجز ويهرم ومن ثم يجب أن تنتقل روحه سالمة الى روح ثانية فيأتي بنسائه ليقمن بقتله.
مامدى تأثير القبيلة والحدود على القرار السياسي في السودان وعلى توازن القوى داخل البلاد؟
- أثرت الجهويات بشدة في السودان ويكفي أن جنوب السودان ظل يحارب خمسين سنة وهو يظن أن عنده شخصية مختلفة عن الشخصية العربية لأنه لم يكن عربيا لا في لسانه ولالونه ولاتكوينه العقلي وهو دائما ما يجد نفسه في كينيا أو اوغندا، فيما شمال السودان يجد نفسه في مصر والحجاز فهذه هويات مختلفة وصراع شخصيات وثقافات، وتجد أن كل هذه التأثيرات تنعكس على السلطة المركزية من قبل هذه القبائل حسب المواقف السياسية للدول المجاورة المؤيدة لها وبما لايتماشى مع حكومة السودان ورغم هذا تجد في الدول المجاورة للسودان وزراء ورؤساء من قبائل سودانية فوزير دفاع أوغندا من قبيلة الكاكوة وكذلك كان الرئيس الراحل عيدي أمين.. ولو تمعنت في جيش الرب الموجود في الجنوب الآن لعرفت أنهم من قبيلة (الأشودو) وهي قبيلة سودانية أوغندية ولذلك فان للتأثير القبلي والحدود دورا كبيرا في رسم السياسة السودانية.
مساومة السلام
اتفاق الجنوب كان نتاج مساومة بين أقلية في الشمال وأكثرية في الجنوب.. هل هذا صحيح وهل يمكن أن يصمد هذا الاتفاق؟
- هذا صحيح والمساومة كانت لحقن الدماء التي شقت السودان الى أفارقة وعرب مثلما حدث في دارفور بين جنجويد العرب والأفارقة ومن ثم فقد كان الوصول للسلام دفع لتهمة أن العرب همجيون ومصاصو دماء ومغتصبو نساء وهذه هي الأوصاف التي كان يبثها الاعلام العالمي في وقفته مع الجنوبيين الذين وقفت معهم أمريكا واسرائيل والكنائس الأوروبية فيما كانت الجهات العربية والاسلامية الرسمية والطوعية تعيش مأزق أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولم يعد بامكان العرب أن يقدموا ولو دعما أدبيا ومن ثم كان لابد من الوصول الى حل وهو على أية حال سيتكلم عنه التاريخ لكن يبدو في ظروف القوى الموجودة أنه الحل الممكن وليس الحل المطلوب تحديدا.
الخرطوم عاصمة النزوح في العالم.. كيف ترى هذا الواقع المؤلم؟
- للأسف.. أنه واقع صحيح مئة في المئة لأن الخرطوم ملتقى النيلين كان يسكنها العام 1956م أقل من نصف مليون شخص وكان العنصر العربي فيها حوالى 400 ألف شخص ولم يتجاوز عدد الجنوبيين وأهالي النوبة فيها 26 ألفا، أما اليوم فتضاعف عدد سكان الخرطوم 16 ضعفا فأصبح عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة وأصبح سكانها من العرب بمفهوم النقاء العرقي لايتجاوز الثلاثة ملايين نسمة فيما الخمسة ملايين الآخرون من الأفارقة القادمين من جنوب وغرب السودان وغرب افريقيا أيضا وتقاسم أهالي الخرطوم الموارد التي لم تصل الى أربعة أضعاف ماكان موجودا مع الوافدين والنازحين القادمين من خارج العاصمة بعد أن ضرب الجفاف كل دول الساحل الافريقي مالي والنيجر وتشاد ولذلك الخرطوم مدينة مأزومة وعليها ضغط كبير والسكن العشوائي بها أكبر وبها أحياء غريبة.
الترابي لن يعتزل
هناك من يرى أن على الدكتور حسن الترابي اعتزال السياسة؟
- هذه يحددها د. الترابي نفسه والسياسة فعل عقلي وليست فعلا جسميا كالكرة يتطلب الشباب، ومشكلة الترابي ليست في السن ولكن المشكلة أن أقوى رجاله هم الذين يحكمون الآن.. ولا أعتقد أنه في رحلة العمر القصيرة هذه سيتمكن من بناء ذات الجيل الذي فجر شعبان وحرك ثورة رجب وثورة المساجد وحركة يوليو 1976م.. والانسان لا يستطيع أن يسبح في ذات تيار الماء مرتين، لأن التيار يتحرك. ولكن أعتقد مع ذلك أن الترابي له قدرة ويحب التحدي وهذه أبرز خصائص شخصيته..
في بلد ينتشر فيه السلاح انتشار النار في الهشيم هل يمكن أن تنجح الديمقراطية التي يتحدث عنها السودانيون كثيرا؟
- أشك في ذلك واذا جاءت الحكومة الديمقراطية فإن حكمها سيكون قصيرا جدا لأن الايمان بالديمقراطية والقبول بحكم الأغلبية في بلد تنتشر فيه أكثر من عشرة ملايين قطعة سلاح خارج يد الحكومة ويمتلك الآن ستة جيوش هي الجيش الوطني وجيش حكومة الجنوب وجيش دفاع الجنوب وجيش حركة تحرير السودان وجيش قبائل الشرق وجيش حركة العدل والمساواة خلاف الميليشيات المسلحة يعد أمرا مشكوكا فيه.
المخطط الاسرائيلي
د. حسن: ماهي أهداف اسرائيل في السودان تحديدا؟
يمكن تلخيص ذلك في أن اسرائيل قسمت الدول المحيطة بها الى دول طوق ودول محيط، أما دول الطوق فهي مصر وسوريا والأردن ولبنان وقد تمكنت تماماً من كسر الطوق حيث تتمتع بعلاقات مباشرة مع مصر والأردن، كما أنها بوجودها في الجولان تسعى لضبط علاقاتها مع سوريا ومغازلتها من حين لآخر كما جاء في دعوة أولمرت قبل أيام للرئيس الأسد، ومع أن السودان اعترف بمعاهدة كامب ديفيد وبمبادرة الملك عبدالله للجامعة العربية الا أن اسرائيل ترغب في اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع السودان وعلى طريقة موريتانيا نسبة لان لاسرائيل طوقاً من السفارات الدبلوماسية شمالاً وجنوباً «كمبالا - نيروبي وكينشاسا» جنوباً وعمان والقاهرة شمالاً وأديس واسمرا شرقاً فلماذا ليس الخرطوم؟!
الدور السعودي
ما هي رؤيتك للدور السعودي في دارفور بعد اتفاق الجنادرية بين السودان وتشاد؟
- الدور السعودي في دارفور يمكن أن ينجح اعتمادا على حب أهالي دارفور للأراضي المقدسة وأعتقد أن مبادرة أخرى لجمع الرافضين لاتفاق ابوجا ستكون ناجحة أيضا لكن المبادرة الأهم في نظري هي تنمية دارفور نفسها لأنها تستند الآن على دعم الجمعيات والارساليات التبشيرية والأمم المتحدة التي تصرف على دارفور ثمانمائة مليون دولار لتوفير الطعام فقط بمعنى أن كل شخص دارفوري يأكل بمائة وعشرين دولارا سنويا وهؤلاء المستفيدون كلهم مسلمون وفي رأيي أن السعودية يمكن أن ترمي بثقلها في ظل غنى الأراضي الذي تمتلكه دارفور ولو نفذت طريق غرب دارفور لما احتاجت الى الاغاثة التي تأتي عن طريق الطيران لأن الأكل سينساب عبر العربات بسهولة ويسر أما الآن فالوضع صعب في ظل انعدام الأمن والأمطار أن تقطع العربات مسافة 1800 كيلومتر من الخرطوم إلى دارفور بسهولة.. ويمكن أيضا في ظل وجود كميات مهولة من المياه الجوفية في دارفور أن تتولى المملكة مشروع حفر الآبار التي لو وصلت الى 1000 بئر لحلت مشاكل الصراع بين الرعاة والزراع وتصور لو أن كل خمسة آلاف شخص استفادوا من بئر واحدة لحلت مشاكل لاحصر لها بين قبائل دارفور ولهدأت الأوضاع بشكل دائم وليس مؤقتا كما يحدث الآن.