-A +A
تركي العسيري
شرفني أخي الأستاذ/ «محمد بن سعود المتحمي» محافظ بيشة المكلف بدعوة كريمة لحضور اللقاء الذي تم في مقر المحافظة في وقت مضى لمناقشة مسودة الدراسة الأولية (لمشروع عسير 2030) وماذا يجب أن تكون عليه، وليس ما نتوقع أن نصل إليه مع نخبة من أعضاء المجلس المحلي والبلدي وعمداء الكليات. ومشروع الدراسة انطلق من قبل سمو أمير عسير أثناء اجتماعه بمجلس الاستثمار أواخر العام الماضي ليعكس رؤية سموه في «وضع عسير في موقع جديد على طريق التنمية.. تكون الرؤى الاستراتيجية والدراسات المستقبلية هي الآلية لتحقيق ذلك». ومعلوم أن منطقة عسير تعد من كبريات مناطق المملكة مساحة وسكاناً.. لذا فإن مشروعاً كهذا يعد خطوة مهمة على طريق استقراء المستقبل من خلال دراسات مستقبلية تضع صورة للحال الذي ستكون عليه المنطقة خلال (23) سنة قادمة. وأحسبها خطوة متقدمة وغير مسبوقة وتستحق الإشادة بها والسعي إلى تحقيقها. وبما أن محافظة (بيشة) تعدّ ثالث محافظات المنطقة من حيث التعداد السكاني والتنموي فقد كان حرياً بنا أن نتصور حال هذه المحافظة التاريخية بعد ربع قرن قادم، وقد كنت آمل أن تقدم كل محافظة رؤية مستقبلية عن الحال الذي ستؤول إليه عام 2030، وأظن هذا ممكناً.. لذا فإنني أستميح سمو أمير عسير بما عرف عنه من اهتمام بكل ما من شأنه الرقي لحال محافظات المنطقة أن أقدم رؤية خاصة -قد تخطئ وقد تصيب- بحال محافظة بيشة بعد ربع قرن وليعذرني حين استبدل (مايجب) بـ(مايمكن) في ظل وتيرة التنمية الحالية فلغة الوجوب تقتضي بالضرورة معطيات كثيرة في عالم متقلب، واقتصاد يخضع لاعتبارات غاية في الحساسية سواء منها ما يتعلق بالظروف الدولية التي ستنعكس حتماً على الوضع الاقتصادي برمته، وبودي أن أنوه إلى أنني قد عشت تلك المرحلة الانتقالية التي تحولت فيها هذه المحافظة من مجرد حاضرة أغلب مبانيها من الطين وقليل من الإسمنت إلى أن أصبحت مدينة حديثة تعج بالحركة وتغمرها المشاريع الحيوية، والتي جعلتها بحق عروساً حسناء تجلب العديد من السكان الذين يتوافدون عليها من المدن المجاورة.. هذا عن الحاضر والذي يعرفه سمو أمير المنطقة بالتأكيد. لكن.. ماذا عن المستقبل؟ ماذا ستكون عليه بعد ربع قرن؟ هو ذا السؤال المحوري الذي يدفعني إلى طرح هذه الرؤية. المدينة الحالية قد تكون المدينة الوحيدة في المملكة التي تنمو بشكل طولي من الغرب يحدها الوادي ومزارع النخيل العطشى، ومن الشرق يحدها المطار وأملاك وزارة الدفاع وبعض الاستراحات العشوائية، ومن الشمال الأحياء العشوائية التي تنامت وتم تملكها بطريقة غير معروفة، ولم يبق إلا طريق الجنوب، وأظن أنه لن يمضي كثير وقت وعند توزيع المخططات الموعودة حتى يتوقف النمو لصعوبة التضاريس الجبلية.. ومعلوم أن أعداد المواطنين في ازدياد وأن حجم الهجرة من القرى والمدن المجاورة سيتضاعف، فإذا افترضنا أن سكان المحافظة حالياً (250) مواطناً فإن العدد بعد ربع قرن سيكون الضعف. ولابد لي أن أشير إلى أن المدينة قد خططت من قبل مسؤولي تخطيط لم تكن لديهم رؤية مستقبلية لما سيحدث في المستقبل والذي أدى إلى معوقات كثيرة بتنا نلحظها، ولست هنا بصدد الطعن في الذمة فلها رب سيسأل عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون. سنرى ازدحاماً غير مسبوق لضيق الشوارع وعدم وجود تخطيط سليم للمواقف والميادين. بعد ربع قرن سنبحث عن مكان لإنشاء مستشفى أو مدرسة أو كلية فلا نجد، والمؤلم أن بيشة التي كانت إحدى أهم المحافظات الزراعية ومدينة المليوني نخلة تستورد حاجاتها من الفواكه والخضروات من مناطق المملكة الأخرى من الآن رغم وجود السد! الصورة سوداوية دون شك.. إذن ما الحل؟ الحل كما أراه يكمن في الجهة الشرقية للمدينة والتي توازي مساحتها أضعاف مساحة المدينة الحالية، نحتاج بالتأكيد إلى قرارات شجاعة باستعادة الأراضي التي منحتها البلدية في وقت مضى للاستثمار وتحولت إلى استراحات، ونحتاج إلى قرار حكومي على أعلى مستوى لنقل المطار وممتلكات وزارة الدفاع إلى طريق بيشة- رنية فقد بات المطار الآن في وسط المدينة وبإمكان الراكب الذي ينزل من سلم الطائرة أن يذهب إلى منزله مشياً على الأقدام وقد فعلتها أكثر من مرة. هو ذا الحل الذي أراه.. وأعرف أن الحل عسير ولكنه يبقى الحل الذي يمكنه أن يقدم خدمة لمدينة تنمو يوماً بعد آخر، وسيحل كل الإشكالات التي تعوق تطور ونمو محافظة مهمة كـ(بيشة).. ولعلي متفائل في جانب آخر بوجود قيادات شابة قادرة على أن تترجم كل العطاءات الخيرة التي ستقدم لهذه المدينة، وأرجو ألا يفوتني التنويه بهمة ونشاط ووعي محافظ بيشة المكلف الأستاذ محمد بن سعود المتحمي، والذي أضفى بحماسه وخلقه وإخلاصه الكثير مما سيساهم في تطوير وتفعيل آليات العمل في المحافظة والتي بتنا نلحظ بعض نتائجها.. ولنتذكر أن الخلود الحقيقي لكل الأفكار الخلاقة التي تطرح رؤيتها من أجل مستقبل يشع بالخير والأمل والنماء!!
تلفاكس 076221413