-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
تضمن حديث خادم الحرمين الشريفين لصحيفة «الباييس» الأسبانية التأكيد على ثلاثة محاور رئيسية حول ظاهرة الإرهاب هدفت إلى بناء رؤية واضحة متوافقة مع المجتمع الدولي حول هذه الظاهرة وسبل علاجها. أول هذه المحاور هو التأكيد على أن الإرهاب ظاهرة عالمية، لا ترتبط بدين معين أو حضارة أو زمن أو دولة معينة. فليس الإرهاب ظاهرة محلية تخص المملكة بعينها والتي كانت ضحية للإرهاب بكل أشكاله شأنها في ذلك شأن أكثر دول العالم. فلم تعد هناك دولة بمنأى عن هذه الظاهرة، حيث كانت المملكة من أوائل الدول التي عانت منها وسقط أبناؤها ضحية لها. ولا أدل على عالمية هذه الظاهرة من تلك الأعمال البشعة التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء في العديد من دول العالم كالولايات المتحدة وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا على أيدي إرهابيين من مختلف الديانات والأطياف السياسية. وثاني هذه المحاور هو التأكيد على أن المعركة ضد الإرهاب ليست معركة أمنية فحسب بل هي معركة فكرية تستهدف هوية الأمة الإسلامية. يتجلى ذلك من إشارة خادم الحرمين الشريفين إلى تضامن الحكومة والشعب السعودي بجميع أطيافه في مناهضة الإرهاب والفكر المتطرف. فقد تصدت الأجهزة الأمنية في المملكة بنجاح لمرتكبي الجرائم الإرهابية والمخططين لها، ونجحت في عزل هذه الفئة الضالة وتفكيك شبكاتها، وعملت على تجفيف منابع تمويل الإرهاب، واستهدفت دعاة الفكر الضال والمحرضين على أعمال العنف، وعملت المملكة على سن التشريعات والانضمام للاتفاقات الدولية المناهضة للإرهاب، وتعزيز العمل الجماعى العربي والدولي ضد الإرهاب خاصة فى مجال التعاون الأمني والقضائي وتسليم المجرمين. وتاريخ المملكة يشهد بفطنة وحنكة وواقعية قادتها وإدراكهم لملامح ومستقبل الإرهاب. وللمملكة بجميع مكوناتها، قدم السبق في محاربة ظاهرة الإرهاب فكريا، وبيان مخالفته لتعاليم الإسلام، واهتمت بمعالجة الفكر المتطرف ومظاهر الغلو وإيجاد الحلول النفسية والإجتماعية المؤدية لانتشاره، وأسهمت في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية، والترويج لثقافة الإعتدال على الصعيدين المحلي والدولي.
أما ثالث هذه المحاور فهو التأكيد على أهمية معالجة أسباب وجذور الإرهاب، والتشديد على أن غياب التسوية السياسية الشاملة للنزاعات في المنطقة، والتي تمر حاليا بمرحلة من الغليان السياسي والانفلات الأمني، هو أحد الأسباب الجذرية للإرهاب. فالانتهاك المنتظم لحقوق الانسان، والاضطهاد المستمر، وتهميش إرادة الشعوب، وإنكار حقها فى تقرير مصيرها تحت ظل الاحتلال الأجنبي هو من الجذور الرئيسية التي تغذي التطرف والإرهاب، ويستغلها الإرهابيون كما أشار خادم الحرمين الشريفين «للترويج لمخططاتهم الإجرامية». فتبني منطق الحل العسكري واستبعاد العمل السياسي وإغفال تأثير الفقر والفساد المالي والإداري ومختلف أشكال الظلم والاجحاف لا يمكن أن يوجد نهاية لهذه الظاهرة بل كل ذلك يتسبب في إذكاء جذوتها. أما حل النزاعات التي تزخر بها منطقتنا فسوف يؤدي إلى تعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة، والذي بدوره يلقي بظلال إيجابية على الأوضاع الإقتصادية والثقافية والاجتماعية والنفسية لشعوب المنطقة، ويدعم كما أشار خادم الحرمين الشريفين جهود المملكة المتواصلة في مكافحة هذه الظاهرة، ويجرد الإرهابيين من حججهم وذرائعهم لتبرير جرائمهم بحق الأبرياء.

ويبدو أن هناك توافقاً دولياً مع رؤى خادم الحرمين الشريفين لأسباب هذه الظاهرة. يدل على ذلك ما أشار إليه منسق الاتحاد الأوروبي لشئون مكافحة الإرهاب غيجز دي فرايس من أنه «ما زالت الجهود الرامية إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط تمثل أيضا أهمية أساسية. ومع أن إحراز التقدم على المسار السلمي بين إسرائيل والفلسطينيين لن يؤدي في حد ذاته إلى وقف الإرهاب، إلا أن تحقيق هذه الغاية سوف يشكل ضربة قوية للدعاية الإرهابية والتحريض الإرهابي.» فالأمن والدبلوماسية، كما أكد وزير الداخلية البريطاني جون ريد، يجب أن يسيرا جنبا إلى جنب لمواجهة الإرهاب، وإلا فإننا سوف نواجه عزلة عن بقية دول العالم...ففي عالم اليوم، لا يمكن لأي دولة أن تقف بمفردها في مواجهة هذه الظاهرة. إن هذا الجانب المتفتح والبناء من حديث خادم الحرمين الشريفين حقيق بأن يؤدي إلى تضافر الجهود، واعتماد استراتيجية فعالة لتجفيف منابع الإرهاب الدولي، والقضاء على عوامل نموه واستمراره.
afansary@yahoo.com