-A +A
عائض الردادي
في خبر نشرته عكاظ يوم 12/3/1427هـ أن أحد الباعة الجائلين في المدينة المنورة هدّد بالانتحار، وأن الدوريات الأمنية سيطرت على مشاجرة بالأيدي بين الباعة ومراقبي البلدية، وأن أصل المشكلة مخالفة الأنظمة بالبيع على الشارع العام من وجهة نظر البلدية،أما الباعة فقالوا: إنهم لا يستطيعون استئجار الأكشاك التي هيأتها البلدية لارتفاع أسعارها وأن ظروفهم الصعبة أجبرتهم على البيع في الشارع لجمع قوت أولادهم.
والمشكلة ليست جديدة، والتعامل معها بالمنع ممن بيده قوة السلطة ليس بجديد أيضاً، ولكنه لم يُعط حلاً على مدى السنين، والشيء الذي لم تلتفت له البلديات هو أن هؤلاء الباعة جياع، ولديهم في بيوتهم أفراخ صغار زغب الحواصل، ثم إنهم لو وجدوا سبيلاً للقوت غير ذلك لم يتركوه، وحسبهم أنهم يبحثوا عن الرزق من طريق مشروع، ولم يدفعهم الفقر لسلوك طرق الجريمة.

أن تصل المشكلة إلى أن يأخذ البائع السكين التي بحوزته ليحاول الانتحار، دليل على أن كل الطرق قد أُغلقت أمامه وهو يتساءل: أين نذهب لا نستطيع استئجار محلات البلدية ولدينا أفواه جائعة وأجساد عارية؟ وليس جوابه بمصادرة بضاعته من الخضار والفواكه، وليس بمطاردته وكأنه مجرم، بل بالبحث عن حل ييسر له المكان المناسب بسعر مناسب، وبمساعدته على أن يسعى للرزق الحلال بدلاً من إيصاله إلى حالة اليأس أو سلوك طرق الشر، بل لو أعطي له المكان مجاناً فإن ذلك ليس بكثير من أجل أمنه وأمن البلد، والرعاية الاجتماعية لصغاره.
لن نستطيع حل مشكلة هؤلاء المواطنين إذا لم نشعر بجوعهم، وبتقدير ظروفهم العائلية، ولن نستطيع أن نحل مشكلتهم إن لم تتضافر الجهود من البلديات ومن وزارة العمل على إيجاد مصدر الرزق الكريم لهم، وما لم يقم صندوق تنمية الموارد البشرية بوظيفته برعاية كل طالب عمل وهو سينفق حتى العام المقبل حوالى 1.7 مليار ريال على تأهيل الشباب السعودي وتوظيفه، وما لم يكن له ولوزارة العمل قرار فعلي في الاستفادة من نحو 105 آلاف وظيفة في القطاع الخاص، كما وردت هذه الأرقام على لسان مدير عام الصندوق في العدد 62 من رسالة معهد الإدارة.
صندوق تنمية الموارد البشرية أقام معرضاً في الجنادرية 21 زاره (135000) زائر وزائرة (صحيفة الجزيرة في 19/2/1427هـ) ولكنه لم يعلن كم وظف من المواطنين منذ إنشائه، والتناسب بين ذلك وما أعلنه معالي وزير العمل من أن إحصائية ستعلن خلال 3 شهور (أن نسبة البطالة ستصل إلى 25%).
والبلديات ينبغي أن تكون معيناً -إن لم تكن مسؤولة- في إيجاد فرص عمل للعاطلين وليست الرسوم هدفاً، فالدولة لديها من الموارد ما يغني عن الرسوم، وإيجاد مصدر رزق لمواطن أهم من جني الرسوم، وقد رأيت في كثير من أسواق الخضار محلات مغلقة أو شاغرة، والسبب انصراف الباعة بسبب ارتفاع قيمة الإيجار.
هل سيبيع المواطن على الرصيف لو لم تدفعه الحاجة والبحث عن الزرق الكريم؟ وهل سيقف بالخضار تحت هجير الشمس في الصيف لو لم يكن محتاجاً؟ إذا شعرنا بجوعه وتصورنا أنفسنا مكانه، وقدّرنا حق المواطن وحق أطفاله، عند ذاك سنحل مشكلته ولن نحتاج إلى رجال الأمن، ولن يرفع هو سكين اليأس.
ص.ب 45209 الرياض 11512 فاكس 012311053
IBN-JAMMAL@HOTMAIL.COM