-A +A
عاشها: د. محمد الحربي تصوير: غازي عسيري
«قويتو» تحية بدو صحراء الربع الخالي الخاصة بهم، وليست لدى غيرهم أبدا، الشيخ سرور بن مرسل بن عوض بن رابعة الصيعري شيخ شمل قبيلة آل خشيمة الصيعر يحدثنا عنها ويقول «قويتو» كلمة نقولها للتحية، حيث يقولها الشخص القادم ليحيي بها مجموعة كبيرة من الناس، وترد عليه هذه المجموعة بكلمة «نجيتو»، والكلمة الاولى تعني «قواكم الله» والاخرى تعني «نجاكم الله» وهي من الكلمات الدارجة ضمن عادات وتقاليد مجتمعنا، وتطلق كتحية بعد أداء تحية الاسلام «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته».مازالت عادات وتقاليد وسلوم البدو في صحراء الربع الخالي واضحة في المدن الحديثة كنجران وشرورة، مثلما هي في المحافظات والمناطق النائية في عمق الصحراء، وان كان نمط الحياة نفسه قد تأثر بالمدينة ومعطيات الحياة الحديثة. فجميعهم يمثلون امتدادا متبادلا لبادية هذه الصحراء العظيمة المترامية الاطراف والمتداخلة مع الحدود الدولية بين السعودية واليمن والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.
توارث البداوة

الشيخ سرور بن مرسل يؤكد ان معظم الشباب الآن مازالوا على عادات آبائهم وأجدادهم التي كانت قديما، فأبناء البادية يتوارثون عاداتهم وتقاليدهم عن ابائهم، ويحرص الأباء أن يورثوها لابنائهم، وعلى الرغم من ان الكثير منهم قد أصبحوا يعيشون في المدينة، الا ان ارتباطهم بالبادية مازال قويا وراسخا في عاداتهم وشيمهم وعلاقاتهم الاجتماعية.
قبل الدولة
ويتذكر الشيخ سرور حياة البدو في صحراء الربع الخالي ويقول: عشنا قديما في وقت جهل، لم تكن هناك دولة، ولم تكن هناك سيارات، وكنا بدوا رحل في ذلك الوقت، وكان البدو يعانون من قسوة الظروف الطبيعية في الصحراء، ومن شح الماء والظمأ والجوع، وكانوا يعانون من الخوف، فليس هناك دولة تحميهم، وكان عليهم أن يحموا انفسهم بأنفسهم.
ويضيف: وهذا الربع الخالي الذي نحن فيه الآن في الوقت الراهن، بعد أن أذن الله عز وجل للدولة السعودية بأن تملكه وتحييه، أراد الله له الخير ولكل البدو الرحل الذين يعيشون فيه.
اللحم واللبن
ويسترجع الشيخ سرور ذاكرته التي لم تشخ أبدا رغم تجاوزه التسعين، ولم تزدها قسوة الصحراء الا حضورا وصلابة ويقول: كنا اذا هطلت الأمطار علينا في الصحراء قديما في هذا الربع الخالي، وربعت الارض، اطلقنا إبلنا لترعى وحملنا أهلنا وأولادنا عليها وانطلقنا وراءها، وكنا نسكن حيث ينبت العشب وتكمن الحياة. وكان أكلنا من لحوم الابل، وشرابنا من لبنها ولم نكن نعرف أكلا غير هذا ولا شربا غيره.
ويضيف: مر علينا وقت طويل لم نكن نعرف الماء فيه، كان ماؤنا حليب الابل فقط، ولم نكن نعرف حتى الخبز أو أي نوع اخر من انواع الطعام غير لحوم الابل.
حياة الخوف
ويقول الشيخ سرور: كان الخوف شائعا بين البدو قديما، فالقبائل الاخرى واللصوص وقطاع الطرق يغيرون عليهم من كل جهة، ولا يعرفون متى تكون الغارة القادمة. ويضيف: كنا في حالة تأهب دائم، ومراقبة مستمرة لحماية اهلنا واولادنا وحلالنا. وأتذكر انه كان في منطقة الوديعة كان هناك «حيرة» -أي منطقة منخفضة- وتحتها «نصبة» عادها مركوزة -أي تلة.. مازالت قائمة- اذا هطلت الأمطار عليها «تغدي فضاية» -أي تصبح مجمعا للماء- يستمر الماء فيها سنة كاملة، وكنا نجتمع عليها ونسكن هناك، واذا جف الماء، حملنا خيامنا وجمعنا أهلنا وأولادنا وحلالنا ورجعنا لمواقعنا القديمة واراضينا المأثورة. وكانت هذه عادة جميع البدو في صحراء الربع الخالي.
وهكذا كان بدو الربع الخالي كلهم رحل، لم يجتمعوا في مكان واحد حتى شاءت ارادة الله أن تقوم الدولة وتتوحد كل هذه الاراضي الشاسعة تحت راية واحدة.
أول سيارة
ويتذكر الشيخ سرور: جاءتنا شركة يقولون لها «ارامكو» من طريق ابن سعود.. وكانوا يحمونها ثمانية أخوياء.. وعندما هبطوا في هذه البقعة، كانت الربع الخالي مجرد صحراء خالية لم تعرف سيارة في يوم من الايام، إلا عندما حضرت الشركة والحامية الخاصة بها. وكانت أول سيارة تمشي في الربع الخالي هي سيارتهم. وأتذكر كيف تجمع البدو حولهم في هذه البقعة. ويضيف: منذ ذلك الوقت بدأ البدو يرتاحون شيئاً فشيئاً وراحت عنهم «البلاوي» تدريجياً، وراح الخوف منهم، وراح الجوع منهم، وراح «القصي» -أي البعد والعيش النائي- منهم، وبدأ الاستقرار يعم جميع بدو الصحراء حتى قامت مدينة شرورة، ومدينة الوديعة، وتطورت درجة وراء درجة حتى صارت الى ما هي عليه اليوم بفضل الله ثم رعاية الدولة، واصبحت الحمد لله تضاهي كثيرا من مدن المملكة الاخرى في تطورها وعمرانها وخدماتها، وانتهت معاناة الكثير من البدو الرحل في هذه المدن.
مجيء أرامكو
ويتذكر الشيخ سرور ان شركة ارامكو جاءت الى الربع الخالي في منطقتهم في عهد الملك سعود، ويقول: «اعذروني.. فأنا لا أقرأ».. ولكن اتذكر انها لا تنقص عن 60-70 عاماً، كان وقتها الملك سعود بن عبدالعزيز ملكاً على البلاد وابن جلوي اميراً في الدمام. ويضيف: اتذكر ان الشركة يوم جاءت الى هنا كانت مراجعتها لابن جلوي في الدمام، الى ان تغيرت الامور فيما بعد واصبحت المراجعات في نجران، وتعاقب المسؤولون هنا مسؤول وراء مسؤول حتى ثبت المرحوم الشويعر اميراً على شرورة، وجاء بعده ابن بريك، وجاء بعده السديري ثم اولاده، وكان هو أول من ثبت فترة طويلة فيها.
البدوية في مقام الرجل
ويؤكد الشيخ سرور الصيعري شيخ شمل قبيلة آل خشيمة ان تعداد البدو الذين ما زالوا يعيشون حياة البادية في المناطق المحيطة بمحافظة شرورة يقدر بحوالى 15 ألف نسمة وما زالوا يحتفظون بعادات وتقاليد شيم بدو الصحراء.
ويضيف: المرأة في البادية ليست كالمرأة في الحاضرة فهي ما زالت تقوم في مقام الرجل في اشياء كثيرة كعادة ابناء البادية في كل مكان، وليس في صحراء الربع الخالي فقط، فهي تقوم بإكرام الضيف واستقباله في وجود الزوج والاخوان، وفي عدم وجودهم. وهذه العادة القديمة ما زالت موجودة لدى كل البدو الذين يعيشون في البادية، وان كانت قد تأثرت كثيراً بالنسبة للبدو الذين اصبحوا يعيشون في المدينة الآن.
القلب والرأس واللسان
ومن العادات البدوية القديمة المتجددة دائماً في حياة بدو صحراء الربع الخالي، يقول الشيخ سرور ان الضيف اذا «قلط» على الطعام في مناسبة، فإنه لا بد ان يبدأ الطعام بأكل جزء من قلب الذبيحة، ولا بد ان يأكل أي جزء يختاره من رأس الذبيحة، اما اذا كان الضيف شاعراً فلا بد ان يأكل لسان الذبيحة، واذا لم يفعل أيا من هذه الاشياء فإنه يكون بذلك قد وجه اهانة كبيرة لمضيفه وارتكب عيباً كبيراً في حق عرف وعادات وتقاليد البدو.
وقد أصر الشيخ سرور على ان نختبر هذه العادات الثلاث على مائدته بكرمه البدوي، وقد اختبرناها ثلاثتها.