شاهدت اخيراً فيلم العطر قصة قاتل (2006) للمخرج توم تيكوير، والمأخوذ من رواية للألماني باتريك سوسكيند، وهو يتكلم عن شخص يرى العالم بأنفه، عاش في فرنسا القرن الثامن عشر، واسمه جان باتيست، وقد اشترك في الفيلم داستن هوفمان في دور مسيو بالديني، والانجليزي الن ريكمان في دور انطوان فريشيس، والد لورا الضحية الثانية عشرة في قـائمة باتيست، والقصة تدور حول باتيست وجمعه لرائحة 12 امرأة جميلة، بعد قتلهن، وبطريقة مثيرة للانتباه، ليحصل على رائحة تجعله محبوباً من كل الناس، وتحرض من يشمها على الحب مهما كان متجاوزاً...! هذا الفيلم يفترض مجازاً، بأن استمالة الاخرين تحتاج الى حلول سحرية، خصوصاً اذا كنت مرفوضاً، حتى من اقرب الناس اليك، كما هو حال باتيست، الذي ولدته امه في سوق السمك، في استراحة قصيرة، ثم عادت لتمارس عملها، ولما صرخ، هربت وتركته مهملاً على الارض مع نفايات السوق، والعرض السينمائي يقدم جان القاتل وكأنــه ضحيـــة، اي انـــــه يتعـاطف معه، وأذكر من قراءتي، قصـــة الفنان والنجـــم الامريكي بول روبيسـون( 1898/1976) وفضيحته التى تناقلتها الصحافة الامريكية والاوربية، خلال ثلاثينات القرن العشرين، وتحديداً في 1و2 مايـو سنة 1932، عـــن علاقته العاطفية بالشاعرة البريطانية البيضاء نانسي كونارد، وكيف انها قالت بأن كونارد اقامت في فندق غرامبيان الخاص بالملونين، في ضاحية هارلم بمقاطعة نيــويورك، كي تتمكن مــن مقابلة روبيسون الاسود، وان مغازلتها وهيامها بالعرق الاسود، اكثر فضائحية مما يفعله روبيسون مع العرق الابيض، ورغم الانكار، ظهرت فضيحة ثانية في يوم 26 يونيو من نفس السنة، تقول بأن ايسلندا زوجة روبيسون دخلت في اجراءت الطلاق منه، بعد زوج استمر 11 سنة، واشارت الى ظروف حركت الطلاق، الذي لم يتم في النهاية، وان هناك امرأة، يعتقد بأنها بيضاء، في محاولة لاستثمار الفضيحة الاولى، وتكرر الانكار ولم تتوقف الحرب الاعلامية، لدرجة ان «رويترز» قامت بدراسة اجتماعية للزواج بين الاعراق، افادت فيها بأن الزواج الذي يكون طرفاه رجلاً اسود وبيضاء، يمثل غالبية الزيجات في تلك الفترة، واضافت، بأن الحياة مع شريك ابيض، تعزز المكانة الاجتماعية للسود، وان الرجال اكثر دخولاً فيها من النساء، مالــــم نقـــل بأن الاســـوشيتــــد برس حرفت تصريحاً له، اثناء مؤتمر السلام العالمي في باريس 1949، واوردت مطالبته، الملفقة، للامريكيين السود برفض الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، وفي هذا احالة ذكية على زيارته للاتحاد السوفيتي عام 1934، وموقفه من الاشتراكية، ودفاعه المثير للشبهات عن جوزيف ستالين. فضيحة روبيسون وكونارد، كشفت تحامل صحافة البيض الامريكية على السود، ومنها ذي نيويورك تايمز، ذي بوسطن هارولد وذي نيويورك اميركان، وربما اعطت روبيسون زخمــاً محدوداً، مكنه من تمرير الصوت الافروامريكي، وابراز معاناته كنموذج، او بأقل تقدير، كممثل مشهور يمنع دخوله الى الفنادق والمطاعم الخاصة بالبيض في امريكا، على اعتبار ان الاشاعة او الفضيحة، تعطي سلطة مؤثرة للمهمشين اوالمستبعدين من الخطاب الاجتماعي العام، وكتبـت باتريسيا تيرنر (1993) بأن الاشاعة تحرر الجماعات المهملة، وتسهل وصول صوتها، بالذات اذا وظفت في نقد تجاوزات النخب المسيطرة، ولعل الملفت ان الاعلام الامريكي في ذلك الوقت، حرص على التوحيد بين الشخصية الفنية والحقيقية لنجوم الفن والسينما، وقال كــريس روجيـــك في كتابه: الشهرة(2001) بأنه يجب الفصل بين الحياة العامة والخاصة للمشاهير، والمشكلة ان ريتشارد ديكوردوفا ذكر في مؤلفه: الشخصيات السينمائية(1990) بأن اهتمام الناس بالمشاهير، تثيره المعلومات القليلة المقدمة عن خصوصياتهم في الاعـــلام، وان كشف اسرارهم يحرك شهية الجمهور، ويقع في مركز الخطاب الاعلامي عنهم. ويمكن الوقوف على هذا الخطاب في فيلم «ستاردوم- 2000» او النجومية بالعربية، والفيلم اخرجه وشارك في كتــــابته الكندي دينيس اركاند، وعرض في افتتاح مهرجان كان السينمائى عام 2000، ويتناول صنـــاعة النجومية في الولايات المتحدة، في الفترة مابين عشرينات وخمسينات القرن العشرين، وربطها للنجم بعقود احتكار، لاتقل في معظم الاحوال عن سبع سنوات، بجانب اجتهادها في التأكيد، على ان الادوار التي يقوم بها النجم تعبر عن ذاته الحقيقية، في محاولة لايجاد انسجام بين العام والخاص في شخصيته، ووفق جوشوا غامسون (1992) فإن خطاب الشهرة، يمارس دعاية وتلميعاً للنجم، وبأسلوب منظم ومدروس، يوفق بين شخصيته الافتراضية في الشاشة وشخصيته الفعلية، واستـــدل بأن النجم الامــريكي الدونجـوان على الشاشة، كلارك كايبل، طلب صراحة في عام 1933، ان يلعب دوراً ولو بسيطاً، في عملية بناء صورته، وناقش البروفسور ريتشارد ديير في اصداره: الطريق الى الشهرة (1994) حرص السينما والتلفزيون الامريكي، على تعزيز التطابق بين الخاص والعام في حياة النجم، مشيراً الى ان الصورة الجماهيرية للنجم، اقرب الى الفبركة، وانها مصنوعة وبعيدة عن واقعه، وان التسويق التجاري للشخصية الكاذبة، صار ملمحاً اساسياً من ملامح النجومية. نعود الى مسألة التوحيد بين العام والخاص، لان روبيسون يشكل خروجاً على هذه القاعدة، وباستثناء دوره في فيلم «مناجم الملك سليمان-1937»، فانه قدم أفلاماً كرست الصورة النمطية عن السود، مثلما وصفها دونالد كرافتون(1997)، ولم يستثمر مواقفه السياسية، وايمانه بايديلوجية نهضة هارلم، التي ترى بأن الفن، يستطيع تجسير المسافة بين السود والبيض في امريكا، ومن هذه الاعمال: «ذي امبرير جونز-1933» وفيه لعب دور الاسود، الفظ والغبي و«حكـــايات مانهاتن-1942» الذي انتقده بنفسه، وقال انه ينقل معنى مشوهاً، ينظر للافريقي كصاحب افكار طفولية وساذجة، وكأنه في مستعمرة زراعية، كما في ايام الاقطاع الامريكي، والفيلم الامبريالي «ساندرز اوف ذي ريفر- 1935». الفيلسوف الفرنسي جان باودريلارد قال قي كتابه: المحاكاة والتطابق(1994) انه لا يوجد واقع غير ناقص او حقيقة كاملة، وذكر بأن ديزني لاند قدمت على انها خيال، حتى نعتقد بأن ما عداها هو الواقع. ولا ارى ان صورة العربي في الذهنية الغربية ستتغير، ما لم نضف الى دور صلاح الدين للنجم السوري غسان مسعود في «مملكة السماء- 2005» أو أفلاماً كالرسالة (1976) وعـمر المختار(1981) للمخرج السوري الامريكي مصطفى العقاد، ولا اقول «لورنس العرب- 1962» او «الحريم- 1986» لعمر الشريف...!
binsaudb@ yahoo.com
binsaudb@ yahoo.com