-A +A
يحيى باجنيد
هذا كلام لا (يودِّي) ولا (يجيب).. ولا يضر ولا ينفع.. تحمله الريح لجهات الدنيا الأربع.. يرتطم بآذان الحيطان ويرجع..! انه كلام في الريح.. فماذا تأخذ الريح من البلاط؟!
عندما تشكو للآخرين مللك فأنت بين أمرين إما ان تتكلم (بهذيان).. أو أن تسكت (بمرارة)..!

اعرف انني كنت متحمساً اكثر مما يقتضيه الموقف.. ولعله فهم شيئاً من هذه الكلمات التي كنت اصبها في اذنيه (بغزارة) دون ان تمتلئا.. مثل تلك الأوعية (المخروقة) التي تتسرب منها الأشياء.. وان ظل رأسه يهتز كما رأس (يونس شلبي في (العيال كبرت)، وهي حكمة عظيمة تخفي جهلاً مطبقاً، وتقدمنا للآخرين كمفكرين تفرض اليوم على مسرح الحياة أناس لا قيمة لهم!
كان صاحبي يستقبل هذا (البث) على موجة طويلة تلف وتدور حول رأسه (الوارم) من حديث الأمس.. وكان يهتز على درجة قياس أقرب الى (مقياس ريختر) الذي يقيسون به قوة (الزلازل)!
وسكتُّ..
أخذت أنظر الى عينيه (الفارغتين) وهما تقومان بجولات استطلاعية داخل فمي الذي نسيت أن أغلقه..
فراغ مشترك.. كنا نمضي فيه وقتاً طويلاً في ذكريات (تافهة) هي في احسن الاحوال لا تهم احداً!
كنا نقطع المسافة بين (البغدادية) و(النزلتين) -اليمانية والشرقية- على بسكليتة واحدة (بلا رفارف).. وبلا أنوار.. ولا (فرامل).. ولا (بوري)، قبل (طفرة البسكليتات) التي أتاحت لكل منا -فيما بعد- ان يستقل بوسيلة مواصلات خاصة!
اننا نمضع ذكرى ايام مضت، سعدنا فيها بأشيائنا الصغرى التي هي اليوم لا شيء!
وضحكنا حتى البكاء..
أو.. بكينا من الضحك، على هذا الشريط الـ(ابيض واسود) الذي ما عاد يُضحك احداً.. وكنا كما قال الشاعر:
نبكي ونضحك لا حزناً ولا فرحا
كعاشق خطّ سطراً في الهوى ومحا
أو هو (ضحك كالبكاء) على (قلة الحيلة) في زمن تفشى فيه (الاحتيال).
من ضحك على من؟!
لا يهم.. فسيأتي -يوماً ما- ذلك الذي (يضحك أخيراً) وبالألوان.
******
في (متحف الشمع) سرت كضيف (معتبر) أمام رؤساء العالم (الفارط).. ابتسم لأحدهم وأكشّر للآخر على كيفي!
ثم (عرّجت) على جناح (الافراح والليالي الملاح).. وتنهدت بحرقة.. وكانت (العروس) تبتسم لجميع الناس ولي ايضاً على اعتبار انني (من الناس لا باس)..
ثم دخلت نهاية تاريخ الإنسان (الظالم) لنفسه، فشهدت غُرف الإعدام وآلاته الموغلة في القدم، مثل (المقصلة) و(الخازوق) وغيرهما مما لا اعرف له اسماً أو رسماً.. وتمنيت لو انني بدأت بعنبر (الأتراح).. وانتهيت بـ(سرادق الأفراح والليالي الملاح)!
كانت المرشدة (السياحية) تفرط في مسامعنا (عِقْد) التاريخ و(عُقَده).. (بلاوي) زرقاء.. وحمراء.. وسوداء مثل قرن (الخرنوب).. ومن نكد الدنيا ان (الخرنوب) ليس له قرن واحد!
وسألت نفسي سؤالاً (تافهاً للغاية):
- كيف تستطيع هذه (المرشدة) السياحية الرقيقة الدقيقة الرشيقة الأنيقة أن تنام (الليل) بسبب طبيعة عملها اليومي وهو سرد وقائع وفظائع تاريخ الانسان على الأرض؟!
لكن زميلها اخبرني (وليته لم يخبرني) انها -أي الفتاة- تحتفظ في غرفة نومها بنماذج مصغرة منوعة لآلات الإعدام.. وتذكرت في تاريخنا الحاضر حكايات (الساطور والأكياس النايلون) وقلت مع ذلك (إنها) و(إنهن) قد تخرجن من مدرسة (السادة الرجال)!.