-A +A
تركي العسيري
قال صديقي وهو يقرأ أحد إعلانات الأطباء التي يلقيها «السماسرة» من نوافذ السيارات على السياح العرب: ألا ترى أنهم يضحكون علينا ويستغلون سذاجتنا. تصور طبيب أسنان كتب في إعلانه عن قدرته على علاج الضعف الجنسي. ما دخل الأسنان في العجز الجنسي؟ لم أجب وقتها فقد كان الجو آسراً بما يكفي لسرحان لذيذ في تلك المدينة النائية الممطرة. وحين عدنا إلى الفندق، وشاهدنا عند بوابته باعة العقاقير التي يدّعي أصحابها قدرتها العجيبة في إصلاح ما أفسده الدهر، قلت: أيهما أصدق: طبيب الأسنان أم هؤلاء الباعة الذين لم يكمل بعضهم تعليمه الأولي.. على الأقل ذاك طبيب، وهؤلاء نصابون محترفون.. ضحك وهو يقول بسخرية: يبدو أن أطباء الأسنان في ذلك البلد يعالجون من فوق إلى أسفل! مساكين نحن يا سيدي، تقلصت أحلامنا، وتقزمت أمانينا حتى بات أقصى ما نتمناه رضا «أم العيال» والفوز بحبة «فياجرا» أو «سنافي».
تتبارى الدول المتقدمة بانتاج السلاح (الذي جربوه فينا) وتضيع العقاقير والمبتكرات لإسعاد البشر، ونحن نتبارى في متابعة آخر أخبار الأطباء الزائرين ممن يدّعون القدرة على علاج أي شيء منتهي الصلاحية في أجسادنا ثم يلهفون دراهمنا وحسن نوايانا، ويهربون.. وبعدها على من تدق مزاميرك يا داوود!

أتساءل بشفقة: لماذا سادت عيادات الضعف الجنسي، وخبراء «إعادة الشيخ إلى صباه» في كل مدننا وقرانا وأريافنا الجميلة.. التي كانت تعالج ضعفها وقلة حيلتها بالتوكل على الله وتجرّع «المريس» و«الحلبة» وشيء من الأدعية المأثورة!
أنا أعرف أن ذاكرتنا العربية مُثخنة بأخبار الفحولة حتى غدت مقرونة بالرجولة مع أنني أعرف أبطالاً صناديد في التاريخ لم يتزوجوا، ولم يبتلوا بهموم الأولاد، أو مشاكل النساء اللواتي يجلبن الصداع النصفي والقولون العصبي! هل لدينا خلل ما في تركيبتنا الجسدية.. في جيناتنا الوراثية مثلاً، تختلف عن باقي البشر في هذا العالم الفسيح.. أم أننا نعاني من أزمة مرضية تنغّص علينا عيشتنا وهناءتنا.
لقد بات السائح منا وبفضل ممارسات البعض منا.. محطّ أنظار بعض «البشر» الذين لا يتورعون عن بيع أي شيء. «قلت أي شيء وافهموها بقى!» لا من أجل سواد عينيه بل من أجل سواد جيبه ويومه!.
تذهب للاستشفاء فيلقاك هؤلاء بسحناتهم الرمادية تعلن أنك جئت للعلاج لا لشيء آخر.. فيتغامزون وكأنما يقولون: علينا..!! تخرج من باب مكتبه وأنت تتأبط كتباً جديدة تعزز نظراتك ونظارتك وتلتفت لتجد من يراقبك، ويتتبع خطواتك ليفوز بالنصيب.. والنصيب معروف! تصرخ في هؤلاء.. وأنك جئت كسائح «نظيف» يبحث عن نسمات الهواء المنعش، ورائحة المطر الاستوائي.. عن المتاحف والآثار والكتب الممنوعة.. يبتعدون عنك، ولكنهم لا يصدقونك..
السؤال المر: من المسؤول عن هذا؟! نحن نعرف الإجابة، ولأننا نعرف الإجابة.. فمن المؤسف أن يستمر هذا الفهم القاصر لإنسان هذه الأرض.. بفعل البعض منا..
أما عندنا في الداخل.. فإن نصيحتي لعجائزنا -أحسن الله خاتمتنا وخاتمتهم- بدلاً من البحث عن هذه اللذة الغابرة عبر الحبة الزرقاء وأخواتها.. فإني أنصحهم «ونفسي» بتعلم بعض العادات المفيدة والألعاب المسلية «كالكيرم» و«البلوت» علّه ينسيهم قساوة الزمن الرديء وأفعال السنين العجاف.. وبعد أن يتعبوا يضطجعوا على وسائدهم ويناموا، وسيكون نومهم ذاك عميقاً، وأحلامهم سعيدة.. جربوا.. وادعوا لي..!!
تلفاكس 076221413