تحدثنا في الحلقة السابقة عن خالد الحسن وصائب سلام وفي هذه الحلقة يحدثنا الوزير ادمون رزق عن حرب 75 وتفاصيلها وينتقل الى خفايا التحرير وكيف عولجت قضية ميشال عون في شكل خاطئ. كما يتطرق بنا الى كيفية خروجه من حزب الكتائب وخلافه مع القيادة ثم مع الرئيس الياس الهراوي وطلبه منه ان يمتنع عن التفرد بالكلام.
ثم يحدثنا الوزير رزق عن اتفاق الطائف ويؤكد انه لا يزال يمثل طريق الحل، وقد كان ذلك منذ البداية ويرى ان عدم الاخلاص والانتماء هو السبب وراء عدم تطبيق الطائف.
بدأ رزق حديثه في هذه الحلقة بقوله: طرح ترشيحي في انتخابات 1964 لكني رفضت لان الخصمين التقليديين في منطقتي النائبين الراحلين مارون كنعان والوزير جان عزيز وكلاهما زعيم بارز في المنطقة ألفا لائحة مشتركة فلم اشأ قسمة وحدة البلدة بلائحة ثانية، وفي 1968 جاء ترشيحي بشكل طبيعي، فألفت لائحة مواجهة وكان حليفهما الراحل بيار فرعون فيما كان معي الراحلان الوزير والنائب نقولا سالم، والسفير فكتور خوري فخرقت اللائحة وفزت وحدي. في 1972 ألفت لائحة مع الدكتور فريد سرحال ونديم سالم ففازت اللائحة بكاملها، وبقينا في المجلس النيابي حتى العام 1992، حين عرفت عن الترشح لان قانون الانتخاب غير دستوري وغير وفاقي وينقض وثيقة الطائف.
خلاف وخروج من «الكتائب»
الخلاف مع القيادة كان مبدئيا، فبعد بيار الجميل لم تكن القيادة مؤهلة لادارة الحزب ولم تكن تملك القرار.
وقد اختلفت مع رئيس الجمهورية (امين الجميل) لانه لم يعتمد الاداء المناسب وتدخل في انتخابات مكتب مجلس النواب ضد الرئيس كامل الاسعد، واعتبرت ذلك عقوقا شخصيا، واساءة الى مصلحة الوطن واخلاقية الحزب، فاختلفنا واستقلت مع لويس ابوشرف الخطيب التاريخي للحزب، النائب والوزير، ولكن القيادة المسيرة عمدت الى فصلنا خشية ان نقوم بحركة تصحيحية او ما شابه.. بعد ذلك تراجعت القيادة عن قرار الفصل، ولكننا أصررنا على موقفنا الرافض الاداء الخاطئ من قبل قيادة الحزب ورئيس الجمهورية.
وخلال اجتماعات الطائف كنت انا والدكتور جورج سعادة (رئيس الكتائب)، من الاشخاص الذين حققوا الاتفاق.. فقد كنا نسعى لوقف الحرب وكنت منذ عام 1984 اقترحت عقد اجتماع للنواب خارج لبنان، للاتفاق على صيغة مصالحة، وقد غادرت لبنان الى باريس بسبب خلاف مبدئي مع الرئيس امين الجميل تفاقم بعد قصف الضاحية الجنوبية وانعقاد مؤتمري لوزان وجنيف اللذين عارضتهما، ولم اكن قد تركت الحزب رسميا بعد احتراما للشيخ بيار الجميل في اواخر حياته.
لقد اعتبرت ان الاجتماع في الخارج يتيح فرصة للمصارحة بين النواب، وفي سبتمبر 1989 نضجت فكرة عقد المؤتمر فكانت الدعوة الى الطائف، من قبل اللجنة العربية الثلاثية العليا تنفيذا لقرار مؤتمر القمة في الدار البيضاء.
ان اتفاق الطائف لم يطبق عندما يكون الانسان ملتزما قضية ما لا يفتش عن حصة نحن لم يكن هاجسنا الربح الشخصي بل مصلحة البلد وقد حققت ذلك بمشاركتي في حكومة الرئيس سليم الحص الاولى بعد الطائف حيث توليت وزارتي العدل والاعلام في حكومة تضم 14 وزيرا منهم ميشال ساسين نائب رئيس الحكومة ووزير الاسكان والرئيس عمر كرامي وزير التربية ووليد جنبلاط وزير الاشغال، والرئيس نبيه بري وزير الموارد، والبير منصور وزير الدفاع، والياس الخازن وزير الداخلية، ومحسن دلول وزير الزراعة وعبدالله الراسي وزير الصحة ونزيه البزري وزير الاقتصاد، وسورين خان اميريان وزير النفط وجورج سعادة وزير الاتصالات.
وشعرت في هذه الحكومة ان هناك انقلابا على الطائف.. فرئيس الجمهورية الياس الهراوي لم يستوعب ما حصل في الطائف، لانه لم يشارك في لجنة صياغة الوثيقة ولا في مناقشتها حتى ولا الاطلاع على تفاصيلها، ولم يكن لديه بُعد فكري، وهمه الوحيد ان يسير مصالحه ويؤمن مستقبل عائلته، بما في ذلك توزير صهره وما الى ذلك من مكاسب ومنافع شخصية.
سوريا اختارت الهراوي
ومن البديهي ان يكون النواب الموارنة مطروحين في شكل عام ضمن اطار البحث عن رئيس الجمهورية انا لم اطرح نفسي لكني كنت موجودا وكان لي دور بناء في الطائف وعندما وجدت ان هناك امكانا لانتخاب رينيه معوض واعتمد هو عليّ فعلا، وطلب ان اكتب له خطاب القسم ثم سائر الخطب التي القاها قبل استشهاده، فضّلت ان انتخبه وقد رغب اليّ في ان ابقى الى جانبه، وضمن فريقه للحكم، فوافقت.
بعد اغتيال الرئيس معوض وقع البلد في فراغ وذهب النواب الى بعلبك ثم الى شتوره حيث استقر بنا المقام لانتخاب رئيس جديد.
في ذلك الحين لمست رغبة حقيقية وواضحة عند اكثرية النواب الموجودين لانتخابي رئيسا للجمهورية وقد صارحوني بذلك و كان الرئيس حسين الحسيني يزكي بيار حلو الذي لم يكن متحمسا للامر في حينه لأن القبول بتولي رئاسة الجمهورية كان مجازفة واعتقد ان الرئيس الحسيني في قرارة نفسه كان بالرغم من صداقتنا الشخصية يتذكر اني خرجت من حزب الكتائب بسبب اصراري على الوفاء لكامل الاسعد ومن الطبيعي ان لا يتحمس لترشيحي.
فعندما اظهر هذا العدد من الزملاء النواب رغبة جدية في انتخابي رئيسا للجمهورية اقترحت عقد اجتماع حضره بضعة وعشرون نائبا واعلنت ردا على المطالبة بترشيحي، استعدادي لتحمل مسؤولية الرئاسة اذا وقع الاختيار عليّ.. ومن جملة من ايدوا ترشيحي يومها نواب اللقاء الاسلامي ولا سيما الوزيران الدكتوران زكي مزبودي وجميل كبي، بالاضافة الى المقربين من الرئيس فرنجيه، الدكتور باخوس حكيم وصهره الوزير الدكتور عبدالله الراسي، ومن كتلة الرئيس الاسعد منيف الخطيب والوزير انور الصباح ومن اعضاء جبهة النضال (الاشتراكية) توفيق عساف وفريد جبران فضلا عن الدكتور هاشم الحسيني وعبدالمولى امهز، والدكتور فريد سرحال، ونواب الكتلة البرلمانية المستقلة التي كنت احد مؤسسيها والناطق باسمها وهي مؤلفة اصلا من ثمانية نواب ينتمون الى الطوائف الاسلامية والمسيحية.. وسواهم من الزملاء الذين احفظ ولاءهم في قلبي.
بعد الاجتماع توجه مزبودي وكبي الى دمشق وعادا بتوجيهات تقضي بانتخاب الياس الهراوي وابلغاني ذلك مؤكدين ان الاخوان السوريين ابدوا نحوي كل تقدير ولكن!.
ثم زارني الياس الهراوي برفقة النائبين بطرس حرب وصالح الخير وكان واضحا ان تعليمات بانتخاب الهراوي قد اصدرتها سوريا وهو امر ذكره الهراوي نفسه في كتابه، مع العلم انه في المرة الاولى في مواجهة رينيه معوض وجورج سعادة، لم ينل سوى خمسة اصوات اي اقل من ثلث ما ناله جورج سعادة (16 صوتا) واقل من جزء من سبعة من الاصوات التي نالها رينيه في الدورة الاولى (36 صوتا) مما حدا الى انسحاب سعادة والهراوي وفوز معوض بالتزكية.
في مستهل جلسة الانتخاب اعلنت عزوفي عن الترشيح «بناء على واقع ديمقراطيتنا القائمة على التعليمات وليس على الخيارات في جلسة الانتخاب وخلال الدورتين وضعت ورقة بيضاء، وبعد اعلان النتيجة هنأت الرئيس المنتخب، ودعوت له بالتوفيق، ثم توجهت الى بلدتي جزين لاقيم مع عائلتي لكني فوجئت عند الفجر بإعلان الحكومة الجديدة، برئاسة الدكتور سليم الحص وعضوية 13 وزيرا كنت احدهم كما ذكرت فوجدت نفسي بين امرين: اما الاعتذار عن المشاركة والبقاء في جزين واما العودة الى شتورا ففضلت تلبية نداء الواجب.
في اول يوم من عمر الحكومة وبعد اجتماع مجلس الوزراء واقرار البيان الوزاري وانعقاد مجلس النواب ونيل الحكومة الثقة بالاجماع وبصفتي وزيراً للاعلام توجهت الى الصحافة ووسائل الاعلام واعنلت القرارات تنفيذا لاتفاق الطائف وتحقيقا للمصالحة بين اللبنانيين، ولم استدرج للمواجهة مع العماد ميشال عون، على اساس اننا جئنا كي نحقق المصالحة بين اللبنانيين، في الوقت الذي كان فيه دم الرئيس معوض شهيد الوفاق والمصالحة لم يجف بعد.
في مساء اليوم نفسه فوجئت بتصريح الرئيس الهراوي الى محطة مونتي كارلو بأنه سيقيل قائد الجيش خلال 48 ساعة وسيهاجم قصر بعبدا، مقر رئاسة الجمهورية فاعتبرت ان ليس من حقه ان يعلن سياسة لم تقررها الحكومة، كما ليس من حقه ان يعلن امورا مغايرة لما يعلنه وزير الاعلام باسم الحكومة، لذلك قلت له: «اعتبرني مستقيلا» وخرجت من عنده وكان ذلك في حضور ابن اخيه خليل الهراوي (الوزير حاليا) وابنه جورج والسفير انطوان شديد، وقد لحقوا بي ليطلبوا مني العودة، فأجبتهم بأني لا استطيع التعامل هكذا، لأن تصريحاته ستحدث ردود فعل، والعماد ميشال عون سيحاط بطلاب الجامعات وتلامذة المدارس بالرهبان والراهبات والاكليروس وسيستحيل حل الازمة سلميا ولن تنتهي الا بالمجازر وانا ارفض ذلك كله.
عندما اصررت على موقفي خرج الرئيس الهراوي وقال لي: انا اخطأت في الكلام والحق معك واستقالتك لن تحل المشكلة فماذا تريد؟.
قلت له: «اريدك ان تمتنع عن التفرد بالكلام، واذا كان لديك رأي ما تقوله لي فأذيعه انا بصفتي وزيرا للإعلام وبدلا من ان تكون انت في المواجهة اكون انا، فالوزير يمكن اقالته والتضحية به، والتنصل من اخطائه، فيما رئيس الجمهورية لا يمكن ان يمسه احد، حتى اذا اخطأ ولا يجوز استهلاك الرئاسة» وبالفعل استمر فترة ممتنعا عن التصريحات، ثم عاد للسلوك نفسه، وهذا ما أوجد حساسية بيننا، لا اريد مبادلة الهراوي بمثل ما بادرني به من عقوق، ولا ما وضع في دربي من عوائق.
الغباء أفسد الحل السلمي
وبكل تأكيد كان يمكن ان تحل مشكلة ميشال عون بغير الطريقة التي تمت في 13 أكتوبر 1990.لكن ما افسد الخيار السلمي هو الغباء.. ومما لا شك فيه ايضا ان العماد عون لم يكن لديه استقرار نفسي، ولا وضوح فكري، في تلك المرحلة، بل كان يرتكب الاخطاء، لكني احمل المسؤولية الكبرى للرئيس الهراوي، الذي كان أداؤه خاطئا، منذ البداية، ووجه القضية في الاتجاه الغلط، خلافا للرئيس رينيه معوض الذي تريث لكي يستوعب الوضع، ان لبنان لا يعالج بالكسر، اللبنانيون لا يمكن ان يكسر بعضهم بعضا، نتيجة لهذه الاخطاء وضعف البصيرة ما زلنا نعاني الامرين حتى اليوم لقد وقعت مجزرة 13 أكتوبر 1990 انهز لبنان كله انهزمت صيغة المصالحة وتلاشى حلم الوفاق..
ان الامور اليوم تتفاقم، وطاقم السلطة غير مؤهل للحكم خلال كل هذه السنوات (12سنة) لم يظهر في اي من مواقع السلطة، شخص واحد يحمل قضية ويعطي بارقه امل..
في الواقع لقد تركت لنفسي دائما هامشا خاصا، حصل ذلك مثلا عندما تركت حزب الكتائب وكانت الكتائب في عزها، وكان رئيس الجمهورية كتائبيا، وصديقا شخصيا لي، وعندما تركت مجلس النواب في العام 1992 كان الجميع يريدني ان اعود نائبا ووزيرا.. ولسان حالي قول البحتري:
صنت نفسي عما يدنس نفسي
وترفعت عن جدا كل جبس
هناك موقع لا بد من اخذه، الياس الهراوي الذي استمر رئيسا للجمهورية لولاية ونصف، اين هو اليوم واين هو او سيكون غيره، قبله، وبعده؟.. اما انا فما زلت في «لقاء الوثيقة والدستور» حيث نقول الحقائق للتاريخ، انا صاحب قضية ولست طالب وظيفة ولا منة ولا حظوة..
لا اريد انتقاص احد، شخصيا، لكن الذين يتولون الشأن العام يصبحون عرضة لحساب الرأي العام والتاريخ.
الطائف هو الحل
اتفاق الطائف مازال هو طريق الحل، كان ذلك منذ البداية نظريا ولا يزال لكن من يمنع تنفيذه هو عدم اهلية اهل الحكم وعدم اخلاصهم او صحة انتمائهم هم غير مؤهلين للقيادة، وليسوا في مستوى المسؤولية.
انا اتهمهم مباشرة، واضعا رصيد تاريخي كله، في الميزان لقد نسفت كل سيارات افراد العائلة وكل بيت سكنته خطفت وخطف اولادي حتى مكتبي قصف وبيت استأجرته في «فيطرون» قصف ايضا فجروا كل سيارات اولادي بيتي في جزين وضعوا فيه عبوتين ناسفتين، ثقبوا السقف وفي وزارة الاعلام جهزوا لي سيارة مفخخة بكمية 130 غرام من الـ ت. ن. ت، ورغم كل القصف المركز علينا لم اترك فندق السمرلند، فلم يبق غيري انا وفؤاد الطحيني وقلة قليلة، وهرب الجميع وليد جنبلاط دعانا للانتقال الى «قصر الأمير أمين» فقلت له: «اذا كان لابد من الموت فلنمت هنا».
لقد مر الموت بالقرب منا، لامسنا، وكان ايسر ألف مرة ان يموت انسان ويبقى وطن شعب اليوم عندما استعيد تلك المرحلة، اردد ما قلته في زحلة عشية عيد الاستقلال عام 1969 في لقاء خطابي شارك فيه الامام موسى الصدر وشاعر العصر سعيد عقل وانا. وهو منشور في كتابي «آراء ودماء» حيث اعلنت: اشعر بأني اعيش على رجاء الموت، لكي اموت على رجاء القيامةويحيا لبنان.. فيا ليت قدري يكون فداء وطني، قومي الاحبة، وامتي المفجوعة بأمنياتها وكراماتها، المصادرة الطموح المكبلة بالرجعيات وانظمة التفرد والاثرة وعبادة الشخصية المستنزفة الثروات والمهدورة الموارد على مذبح الانانيات والشخصانية الصنمية.
ثم يحدثنا الوزير رزق عن اتفاق الطائف ويؤكد انه لا يزال يمثل طريق الحل، وقد كان ذلك منذ البداية ويرى ان عدم الاخلاص والانتماء هو السبب وراء عدم تطبيق الطائف.
بدأ رزق حديثه في هذه الحلقة بقوله: طرح ترشيحي في انتخابات 1964 لكني رفضت لان الخصمين التقليديين في منطقتي النائبين الراحلين مارون كنعان والوزير جان عزيز وكلاهما زعيم بارز في المنطقة ألفا لائحة مشتركة فلم اشأ قسمة وحدة البلدة بلائحة ثانية، وفي 1968 جاء ترشيحي بشكل طبيعي، فألفت لائحة مواجهة وكان حليفهما الراحل بيار فرعون فيما كان معي الراحلان الوزير والنائب نقولا سالم، والسفير فكتور خوري فخرقت اللائحة وفزت وحدي. في 1972 ألفت لائحة مع الدكتور فريد سرحال ونديم سالم ففازت اللائحة بكاملها، وبقينا في المجلس النيابي حتى العام 1992، حين عرفت عن الترشح لان قانون الانتخاب غير دستوري وغير وفاقي وينقض وثيقة الطائف.
خلاف وخروج من «الكتائب»
الخلاف مع القيادة كان مبدئيا، فبعد بيار الجميل لم تكن القيادة مؤهلة لادارة الحزب ولم تكن تملك القرار.
وقد اختلفت مع رئيس الجمهورية (امين الجميل) لانه لم يعتمد الاداء المناسب وتدخل في انتخابات مكتب مجلس النواب ضد الرئيس كامل الاسعد، واعتبرت ذلك عقوقا شخصيا، واساءة الى مصلحة الوطن واخلاقية الحزب، فاختلفنا واستقلت مع لويس ابوشرف الخطيب التاريخي للحزب، النائب والوزير، ولكن القيادة المسيرة عمدت الى فصلنا خشية ان نقوم بحركة تصحيحية او ما شابه.. بعد ذلك تراجعت القيادة عن قرار الفصل، ولكننا أصررنا على موقفنا الرافض الاداء الخاطئ من قبل قيادة الحزب ورئيس الجمهورية.
وخلال اجتماعات الطائف كنت انا والدكتور جورج سعادة (رئيس الكتائب)، من الاشخاص الذين حققوا الاتفاق.. فقد كنا نسعى لوقف الحرب وكنت منذ عام 1984 اقترحت عقد اجتماع للنواب خارج لبنان، للاتفاق على صيغة مصالحة، وقد غادرت لبنان الى باريس بسبب خلاف مبدئي مع الرئيس امين الجميل تفاقم بعد قصف الضاحية الجنوبية وانعقاد مؤتمري لوزان وجنيف اللذين عارضتهما، ولم اكن قد تركت الحزب رسميا بعد احتراما للشيخ بيار الجميل في اواخر حياته.
لقد اعتبرت ان الاجتماع في الخارج يتيح فرصة للمصارحة بين النواب، وفي سبتمبر 1989 نضجت فكرة عقد المؤتمر فكانت الدعوة الى الطائف، من قبل اللجنة العربية الثلاثية العليا تنفيذا لقرار مؤتمر القمة في الدار البيضاء.
ان اتفاق الطائف لم يطبق عندما يكون الانسان ملتزما قضية ما لا يفتش عن حصة نحن لم يكن هاجسنا الربح الشخصي بل مصلحة البلد وقد حققت ذلك بمشاركتي في حكومة الرئيس سليم الحص الاولى بعد الطائف حيث توليت وزارتي العدل والاعلام في حكومة تضم 14 وزيرا منهم ميشال ساسين نائب رئيس الحكومة ووزير الاسكان والرئيس عمر كرامي وزير التربية ووليد جنبلاط وزير الاشغال، والرئيس نبيه بري وزير الموارد، والبير منصور وزير الدفاع، والياس الخازن وزير الداخلية، ومحسن دلول وزير الزراعة وعبدالله الراسي وزير الصحة ونزيه البزري وزير الاقتصاد، وسورين خان اميريان وزير النفط وجورج سعادة وزير الاتصالات.
وشعرت في هذه الحكومة ان هناك انقلابا على الطائف.. فرئيس الجمهورية الياس الهراوي لم يستوعب ما حصل في الطائف، لانه لم يشارك في لجنة صياغة الوثيقة ولا في مناقشتها حتى ولا الاطلاع على تفاصيلها، ولم يكن لديه بُعد فكري، وهمه الوحيد ان يسير مصالحه ويؤمن مستقبل عائلته، بما في ذلك توزير صهره وما الى ذلك من مكاسب ومنافع شخصية.
سوريا اختارت الهراوي
ومن البديهي ان يكون النواب الموارنة مطروحين في شكل عام ضمن اطار البحث عن رئيس الجمهورية انا لم اطرح نفسي لكني كنت موجودا وكان لي دور بناء في الطائف وعندما وجدت ان هناك امكانا لانتخاب رينيه معوض واعتمد هو عليّ فعلا، وطلب ان اكتب له خطاب القسم ثم سائر الخطب التي القاها قبل استشهاده، فضّلت ان انتخبه وقد رغب اليّ في ان ابقى الى جانبه، وضمن فريقه للحكم، فوافقت.
بعد اغتيال الرئيس معوض وقع البلد في فراغ وذهب النواب الى بعلبك ثم الى شتوره حيث استقر بنا المقام لانتخاب رئيس جديد.
في ذلك الحين لمست رغبة حقيقية وواضحة عند اكثرية النواب الموجودين لانتخابي رئيسا للجمهورية وقد صارحوني بذلك و كان الرئيس حسين الحسيني يزكي بيار حلو الذي لم يكن متحمسا للامر في حينه لأن القبول بتولي رئاسة الجمهورية كان مجازفة واعتقد ان الرئيس الحسيني في قرارة نفسه كان بالرغم من صداقتنا الشخصية يتذكر اني خرجت من حزب الكتائب بسبب اصراري على الوفاء لكامل الاسعد ومن الطبيعي ان لا يتحمس لترشيحي.
فعندما اظهر هذا العدد من الزملاء النواب رغبة جدية في انتخابي رئيسا للجمهورية اقترحت عقد اجتماع حضره بضعة وعشرون نائبا واعلنت ردا على المطالبة بترشيحي، استعدادي لتحمل مسؤولية الرئاسة اذا وقع الاختيار عليّ.. ومن جملة من ايدوا ترشيحي يومها نواب اللقاء الاسلامي ولا سيما الوزيران الدكتوران زكي مزبودي وجميل كبي، بالاضافة الى المقربين من الرئيس فرنجيه، الدكتور باخوس حكيم وصهره الوزير الدكتور عبدالله الراسي، ومن كتلة الرئيس الاسعد منيف الخطيب والوزير انور الصباح ومن اعضاء جبهة النضال (الاشتراكية) توفيق عساف وفريد جبران فضلا عن الدكتور هاشم الحسيني وعبدالمولى امهز، والدكتور فريد سرحال، ونواب الكتلة البرلمانية المستقلة التي كنت احد مؤسسيها والناطق باسمها وهي مؤلفة اصلا من ثمانية نواب ينتمون الى الطوائف الاسلامية والمسيحية.. وسواهم من الزملاء الذين احفظ ولاءهم في قلبي.
بعد الاجتماع توجه مزبودي وكبي الى دمشق وعادا بتوجيهات تقضي بانتخاب الياس الهراوي وابلغاني ذلك مؤكدين ان الاخوان السوريين ابدوا نحوي كل تقدير ولكن!.
ثم زارني الياس الهراوي برفقة النائبين بطرس حرب وصالح الخير وكان واضحا ان تعليمات بانتخاب الهراوي قد اصدرتها سوريا وهو امر ذكره الهراوي نفسه في كتابه، مع العلم انه في المرة الاولى في مواجهة رينيه معوض وجورج سعادة، لم ينل سوى خمسة اصوات اي اقل من ثلث ما ناله جورج سعادة (16 صوتا) واقل من جزء من سبعة من الاصوات التي نالها رينيه في الدورة الاولى (36 صوتا) مما حدا الى انسحاب سعادة والهراوي وفوز معوض بالتزكية.
في مستهل جلسة الانتخاب اعلنت عزوفي عن الترشيح «بناء على واقع ديمقراطيتنا القائمة على التعليمات وليس على الخيارات في جلسة الانتخاب وخلال الدورتين وضعت ورقة بيضاء، وبعد اعلان النتيجة هنأت الرئيس المنتخب، ودعوت له بالتوفيق، ثم توجهت الى بلدتي جزين لاقيم مع عائلتي لكني فوجئت عند الفجر بإعلان الحكومة الجديدة، برئاسة الدكتور سليم الحص وعضوية 13 وزيرا كنت احدهم كما ذكرت فوجدت نفسي بين امرين: اما الاعتذار عن المشاركة والبقاء في جزين واما العودة الى شتورا ففضلت تلبية نداء الواجب.
في اول يوم من عمر الحكومة وبعد اجتماع مجلس الوزراء واقرار البيان الوزاري وانعقاد مجلس النواب ونيل الحكومة الثقة بالاجماع وبصفتي وزيراً للاعلام توجهت الى الصحافة ووسائل الاعلام واعنلت القرارات تنفيذا لاتفاق الطائف وتحقيقا للمصالحة بين اللبنانيين، ولم استدرج للمواجهة مع العماد ميشال عون، على اساس اننا جئنا كي نحقق المصالحة بين اللبنانيين، في الوقت الذي كان فيه دم الرئيس معوض شهيد الوفاق والمصالحة لم يجف بعد.
في مساء اليوم نفسه فوجئت بتصريح الرئيس الهراوي الى محطة مونتي كارلو بأنه سيقيل قائد الجيش خلال 48 ساعة وسيهاجم قصر بعبدا، مقر رئاسة الجمهورية فاعتبرت ان ليس من حقه ان يعلن سياسة لم تقررها الحكومة، كما ليس من حقه ان يعلن امورا مغايرة لما يعلنه وزير الاعلام باسم الحكومة، لذلك قلت له: «اعتبرني مستقيلا» وخرجت من عنده وكان ذلك في حضور ابن اخيه خليل الهراوي (الوزير حاليا) وابنه جورج والسفير انطوان شديد، وقد لحقوا بي ليطلبوا مني العودة، فأجبتهم بأني لا استطيع التعامل هكذا، لأن تصريحاته ستحدث ردود فعل، والعماد ميشال عون سيحاط بطلاب الجامعات وتلامذة المدارس بالرهبان والراهبات والاكليروس وسيستحيل حل الازمة سلميا ولن تنتهي الا بالمجازر وانا ارفض ذلك كله.
عندما اصررت على موقفي خرج الرئيس الهراوي وقال لي: انا اخطأت في الكلام والحق معك واستقالتك لن تحل المشكلة فماذا تريد؟.
قلت له: «اريدك ان تمتنع عن التفرد بالكلام، واذا كان لديك رأي ما تقوله لي فأذيعه انا بصفتي وزيرا للإعلام وبدلا من ان تكون انت في المواجهة اكون انا، فالوزير يمكن اقالته والتضحية به، والتنصل من اخطائه، فيما رئيس الجمهورية لا يمكن ان يمسه احد، حتى اذا اخطأ ولا يجوز استهلاك الرئاسة» وبالفعل استمر فترة ممتنعا عن التصريحات، ثم عاد للسلوك نفسه، وهذا ما أوجد حساسية بيننا، لا اريد مبادلة الهراوي بمثل ما بادرني به من عقوق، ولا ما وضع في دربي من عوائق.
الغباء أفسد الحل السلمي
وبكل تأكيد كان يمكن ان تحل مشكلة ميشال عون بغير الطريقة التي تمت في 13 أكتوبر 1990.لكن ما افسد الخيار السلمي هو الغباء.. ومما لا شك فيه ايضا ان العماد عون لم يكن لديه استقرار نفسي، ولا وضوح فكري، في تلك المرحلة، بل كان يرتكب الاخطاء، لكني احمل المسؤولية الكبرى للرئيس الهراوي، الذي كان أداؤه خاطئا، منذ البداية، ووجه القضية في الاتجاه الغلط، خلافا للرئيس رينيه معوض الذي تريث لكي يستوعب الوضع، ان لبنان لا يعالج بالكسر، اللبنانيون لا يمكن ان يكسر بعضهم بعضا، نتيجة لهذه الاخطاء وضعف البصيرة ما زلنا نعاني الامرين حتى اليوم لقد وقعت مجزرة 13 أكتوبر 1990 انهز لبنان كله انهزمت صيغة المصالحة وتلاشى حلم الوفاق..
ان الامور اليوم تتفاقم، وطاقم السلطة غير مؤهل للحكم خلال كل هذه السنوات (12سنة) لم يظهر في اي من مواقع السلطة، شخص واحد يحمل قضية ويعطي بارقه امل..
في الواقع لقد تركت لنفسي دائما هامشا خاصا، حصل ذلك مثلا عندما تركت حزب الكتائب وكانت الكتائب في عزها، وكان رئيس الجمهورية كتائبيا، وصديقا شخصيا لي، وعندما تركت مجلس النواب في العام 1992 كان الجميع يريدني ان اعود نائبا ووزيرا.. ولسان حالي قول البحتري:
صنت نفسي عما يدنس نفسي
وترفعت عن جدا كل جبس
هناك موقع لا بد من اخذه، الياس الهراوي الذي استمر رئيسا للجمهورية لولاية ونصف، اين هو اليوم واين هو او سيكون غيره، قبله، وبعده؟.. اما انا فما زلت في «لقاء الوثيقة والدستور» حيث نقول الحقائق للتاريخ، انا صاحب قضية ولست طالب وظيفة ولا منة ولا حظوة..
لا اريد انتقاص احد، شخصيا، لكن الذين يتولون الشأن العام يصبحون عرضة لحساب الرأي العام والتاريخ.
الطائف هو الحل
اتفاق الطائف مازال هو طريق الحل، كان ذلك منذ البداية نظريا ولا يزال لكن من يمنع تنفيذه هو عدم اهلية اهل الحكم وعدم اخلاصهم او صحة انتمائهم هم غير مؤهلين للقيادة، وليسوا في مستوى المسؤولية.
انا اتهمهم مباشرة، واضعا رصيد تاريخي كله، في الميزان لقد نسفت كل سيارات افراد العائلة وكل بيت سكنته خطفت وخطف اولادي حتى مكتبي قصف وبيت استأجرته في «فيطرون» قصف ايضا فجروا كل سيارات اولادي بيتي في جزين وضعوا فيه عبوتين ناسفتين، ثقبوا السقف وفي وزارة الاعلام جهزوا لي سيارة مفخخة بكمية 130 غرام من الـ ت. ن. ت، ورغم كل القصف المركز علينا لم اترك فندق السمرلند، فلم يبق غيري انا وفؤاد الطحيني وقلة قليلة، وهرب الجميع وليد جنبلاط دعانا للانتقال الى «قصر الأمير أمين» فقلت له: «اذا كان لابد من الموت فلنمت هنا».
لقد مر الموت بالقرب منا، لامسنا، وكان ايسر ألف مرة ان يموت انسان ويبقى وطن شعب اليوم عندما استعيد تلك المرحلة، اردد ما قلته في زحلة عشية عيد الاستقلال عام 1969 في لقاء خطابي شارك فيه الامام موسى الصدر وشاعر العصر سعيد عقل وانا. وهو منشور في كتابي «آراء ودماء» حيث اعلنت: اشعر بأني اعيش على رجاء الموت، لكي اموت على رجاء القيامةويحيا لبنان.. فيا ليت قدري يكون فداء وطني، قومي الاحبة، وامتي المفجوعة بأمنياتها وكراماتها، المصادرة الطموح المكبلة بالرجعيات وانظمة التفرد والاثرة وعبادة الشخصية المستنزفة الثروات والمهدورة الموارد على مذبح الانانيات والشخصانية الصنمية.