لا بأس إن أنا أفردت موضوعي هذا اليوم عن شآن آخر لا علاقة له بقضايا المجتمع، وهموم السياسة وغول الأسعار الملتهبة، ومصائب الأسهم الذي لا يكاد يخلو بيت من ويلاتها؛ ولعل الذي أوحى إليّ بذلك. حين نظرت إلى المرآة ذات صباح رمادي، فهالني ما رأيت من تكاثر الشيب عند مفرقي، وخلته نذير شؤم، ووداعاً للشباب.. ولا أكتمكم فقد عيرتني (أم العيال) بذلك في لحظة غضب، وحين أبديت لها رغبتي الاقتران بفتاة.. كما هي عادتنا في مجتمعنا الريفي.. تماشياً مع الأكذوبة الجميلة التي يطلقها الشيوخ والكهول (أمثالي).. بأن الاقتران بفتاة أصغر سناً، وأكثر نضارة وشباباً كفيل بإعادة الشيخ إلى صباه الذي ولّى ولم يعد يفيد لاسترجاعه تجمل أو تشبب أو تصابي.
ورغم أنني لم أستكن لمقولتها، ولم أصمت.. بل رددت عليها بقول الشاعر:
عيّرتني بالشيب وهو وقار / ليتها عيرت بما هو عار
إن تكن شابت الذوائب مني / فالليالي تذيبها الأقمار
ويبدو أن هاجس المشيب قد أرّق الكثيرين خاصة الشعراء «الرومانسيين» الذين رأوا فيه ضيفاً ثقيلاً يبعد الخلان والأحبة.. ويُدلل على فرار الشباب من أيامهم، وهو الأمر الذي لا مفر منه ولا مهرب:
ذهب الشباب فما له من عودة / وأتي المشيب فأين منه المهرب!
و«لابن المعتز» الشاعر الرقيق أبيات أحسبها من أجمل ما قاله الشعراء في هذا الباب: إذ يقول:
فظللت أطلب وصلها بتذلل / والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
وفي ظني أنه لو عاش في زمننا لأعاد النظر في الكثير مما قال، خاصة وأنه لم يعد الشباب ضمن قائمة شروط فتى الأحلام عند فتاة اليوم.. فقد حل محلها (الدراهم) والسفر، والفيلات الفاخرة، ولم تعد تنفر من الشيب أو تعرض.. كما أعرضت محبوبته عنه:
سألتها (قُبلة) يوماً وقد نظرت / شيبي، وقد كنت ذا مال وذا نعم
فأعرضت وتولت وهي قائلة / لا والذي أوجد الأشياء من عدم
ما كان لي في بياض الشيب من أرب / أفي الحياة يكون القطن حشو فمي
إذن، فقد كان الشيب يشكل هاجساً حقيقياً لشاعر رقيق مر به «قطار الشباب السريع».. المدجج بالأحلام العِذَاب، والعواطف المشتعلة، وقد حاول الشعراء والناس خاصة من يؤرقهم ذلك، أن يتحايلوا على بزوغ الشيب في وجناتهم ورؤوسهم فلجأوا إلى (الخضاب) علّه يواري سوءة المشيب.. رغم أنه لن ينطلي على المحبوبة:
قالت أراك خضبت الشيب! قلت لها/ سترته عنك يا سمعي ويا بصري
فقهقهت ثم قالت من تعجبها / تكاثر الغش حتى صار في الشَعَر
وقد تندر أحد الشعراء بالخضاب، ورأى أنه يساهم في ولادة شيب جديد أكثر نصاعة ووضوحاً، خاصة حين يتسلل ببطء من تحت الشعر المخضب بعد أيام.. ودعا إلى أن نستسلم لسنة الزمن فلن يعود الشعر الأسود من جديد:
يا خاضب الشيب الذي / فـــي كــل ثالثة يعود
إن الخضاب إذا نضا / فكأنه شيب جديد
فدع المشيب وما يريد / فلن يعود كما تريد
ولولا خشيتي الإسهاب في هذا الموضوع لأوردت الكثير مما أحفظ في هذا الشأن.. فقد بات هماً يؤرقني أنا الآخر، رغم أنني أعتقد أن «الشيب» سنة الله في خلقه.. فهو دليل وقار، وحكمة وتجربة، ومَعلم لمرحلة حياتية لها جمالها، وهدوؤها في حياة المرء منا، ولا تعني هذه المرحلة العمرية أن العواطف و«القلوب» تشيخ.. بل تزداد اشتعالاً، واخضراراً، ورغبة في الحياة مع تقدم العمر.. ألم يقل «الجواهري» نهر العراق الشعري الخالد:
عمري بروحي لا بعد سنيني / فلأسخرن غداً من التسعيني
عمري الى السبعين يجري مسرعاً / والروح واقفــــة علــى العشـــرين!
تلفاكس 076221413
ورغم أنني لم أستكن لمقولتها، ولم أصمت.. بل رددت عليها بقول الشاعر:
عيّرتني بالشيب وهو وقار / ليتها عيرت بما هو عار
إن تكن شابت الذوائب مني / فالليالي تذيبها الأقمار
ويبدو أن هاجس المشيب قد أرّق الكثيرين خاصة الشعراء «الرومانسيين» الذين رأوا فيه ضيفاً ثقيلاً يبعد الخلان والأحبة.. ويُدلل على فرار الشباب من أيامهم، وهو الأمر الذي لا مفر منه ولا مهرب:
ذهب الشباب فما له من عودة / وأتي المشيب فأين منه المهرب!
و«لابن المعتز» الشاعر الرقيق أبيات أحسبها من أجمل ما قاله الشعراء في هذا الباب: إذ يقول:
فظللت أطلب وصلها بتذلل / والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
وفي ظني أنه لو عاش في زمننا لأعاد النظر في الكثير مما قال، خاصة وأنه لم يعد الشباب ضمن قائمة شروط فتى الأحلام عند فتاة اليوم.. فقد حل محلها (الدراهم) والسفر، والفيلات الفاخرة، ولم تعد تنفر من الشيب أو تعرض.. كما أعرضت محبوبته عنه:
سألتها (قُبلة) يوماً وقد نظرت / شيبي، وقد كنت ذا مال وذا نعم
فأعرضت وتولت وهي قائلة / لا والذي أوجد الأشياء من عدم
ما كان لي في بياض الشيب من أرب / أفي الحياة يكون القطن حشو فمي
إذن، فقد كان الشيب يشكل هاجساً حقيقياً لشاعر رقيق مر به «قطار الشباب السريع».. المدجج بالأحلام العِذَاب، والعواطف المشتعلة، وقد حاول الشعراء والناس خاصة من يؤرقهم ذلك، أن يتحايلوا على بزوغ الشيب في وجناتهم ورؤوسهم فلجأوا إلى (الخضاب) علّه يواري سوءة المشيب.. رغم أنه لن ينطلي على المحبوبة:
قالت أراك خضبت الشيب! قلت لها/ سترته عنك يا سمعي ويا بصري
فقهقهت ثم قالت من تعجبها / تكاثر الغش حتى صار في الشَعَر
وقد تندر أحد الشعراء بالخضاب، ورأى أنه يساهم في ولادة شيب جديد أكثر نصاعة ووضوحاً، خاصة حين يتسلل ببطء من تحت الشعر المخضب بعد أيام.. ودعا إلى أن نستسلم لسنة الزمن فلن يعود الشعر الأسود من جديد:
يا خاضب الشيب الذي / فـــي كــل ثالثة يعود
إن الخضاب إذا نضا / فكأنه شيب جديد
فدع المشيب وما يريد / فلن يعود كما تريد
ولولا خشيتي الإسهاب في هذا الموضوع لأوردت الكثير مما أحفظ في هذا الشأن.. فقد بات هماً يؤرقني أنا الآخر، رغم أنني أعتقد أن «الشيب» سنة الله في خلقه.. فهو دليل وقار، وحكمة وتجربة، ومَعلم لمرحلة حياتية لها جمالها، وهدوؤها في حياة المرء منا، ولا تعني هذه المرحلة العمرية أن العواطف و«القلوب» تشيخ.. بل تزداد اشتعالاً، واخضراراً، ورغبة في الحياة مع تقدم العمر.. ألم يقل «الجواهري» نهر العراق الشعري الخالد:
عمري بروحي لا بعد سنيني / فلأسخرن غداً من التسعيني
عمري الى السبعين يجري مسرعاً / والروح واقفــــة علــى العشـــرين!
تلفاكس 076221413