-A +A
سمير عابد شيخ
سـيـتـفـق مـعي كـل مـن عـاش في الغــرب، أنّ التـلفزة الـغربـيـة – خصوصا الأمريكـية - لا تــدع أشهراً قـلـيلـة تـمر دون إثارة قـضـيـة جـرائـم النازية بـحـق يـهود أوروبا. ولقـد تـحـفظ بـعض مفكّري الغـرب على حـجـم المحرقـة التي ينـعـق بها اليهود صيف شتاء، الاّ أن أولئك المفكرين نـكـل بهـم باسلوب منهجي «نظيف» يليق بأرصـفة باريس! ونـحــن نـتـفـهـم مـبررات تكرار عرض تلك الافـلام المـهــتـرئة علـى الشـعب الأمريـكي.. لأن مـمـثـليـهم في واشـنــطـن لا بد لـهـم أن يـبـعثوا «الـمعـلوم» لاسرائيل كل عام! ولـعـل اعادة تـلــك الأفـلام تـجـدد أحـزان السُّذج من الشـعـب الأمريكـي.. فلا يعترضون على ذهاب المليارات من الضرائب التي يدفعونها لأحفـاد ضحايا المـحـرقة! هـذا نـموذج لـذكـاء الاعلام السياسي لا بـد ان يـثـمــن ويـشـاد بــــه! ولـكــن على الــشــق الأدنــى من الـكرة الأرضـية.. وهــو الـشق الجـنـوبي الذي يـجـمع المـعـانـاة الـبشـرية بألوانهـا! أقـصد الـشق الذي نسكنه نحن ونعايش مـعـاناة اخواننـا المسلمين في فلسطين وما دونها جغرافيا.. فـمـا هــو المـبـرر لـبـث مثل تلك الأفــلام! ففي مسـاء الاثـنـين المـوافـق 6/7/2007، قامت فضائية عربـيـة مشهورة بـعـرض فـيـلم عـن جـرائـم أطـبـاء الـنـازيـة ومحاكــمة «نورنبيرغ». ولـم تـنـس الـقـنـاة ادراج صـور عاطـفـيـة لأطـفـال صـغـار يتـصدرون صـور عـائليـة يفترض أن المحرقة أهلكتهم. ومن الـبـديـهي أنـه لا يـمـكن لانـسـان مـنصـف، بـصرف النـظر عن ديـنـه أو عرقـه، أن يوافــق عـلى تعـذيـب البـشر بتـلك الـصـور الـبـشـعـة! ولـقـد تـسـابق عـلـماء كــل فرع من العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا والنفس والسياسة والاقتصاد الى دراسة ظاهرة «هتـلـر» وجـنونـه. ولا شـك أنه لو كان مستنسخا اليوم لنـكّـل بالعرب والمسلمين في ألمانيا وقارّة أوروبا ان استطاع.. إذ نحن لسنا من الجنـس «الآري» النـقي. وعليه فان عرض هذا الفيلم الوثائقي من حيث قيمته التاريخية ليس محط جدل رغم الاختلاف على الكم احيانا! الاعتراض هو على محاولة تسييس تلك الأحداث بـعد وقوعها بنحو سبعين عاما لاستعطاف قلوبنا نحن العرب على اليهود.. في حين أنّا نحن اليوم الذين بأمس الحاجة لاستعطافهم. واني أجزم بمالا يدع مجالا للشك أن الفضائية المعنية لديها صفوف من الأفلام الوثائقية تظهر تفوق اليهود اليوم في معظم المجالات الحياتية. بل ان هناك شواهد لا تقبل الجدل على إطباق اليهود على رقابنا ولكن من خلال أياد «آرية» نـقـيـة!
والذي أضاف الــدهــشــة الى الألـــم، هــو مـا حـدث في اليـوم التـالي من عرض ذلك الفـيـلــم! فـلـقــد استضاف مـبـنى الأمــم المتـحـدة في بـيـروت مـؤتـمرا للـتـضـامــن مــع ضـحـــايــا الـقـنــابـل الـعـنـقوديــة الاسرائيلية خلال حرب الصيف الماضي. ولا دهـشـة ولا غرابـة أن يقـوم اللبنانيون بالتعاطف مع الجرحى من مواطنيهم بتلك الحرب. ولكــن الغريب أن تشارك في التعاطف لجنة شعبية أمريكية برئاسة سفير أمريكا السابق في لبنان السيد «ألين ديلون» (Allen Dillon).

الجدير بالاعجاب حقا ان تلك اللجنة قامت بتأليف كتاب يوثّق ويجرّم استخدام اسرئيل لهذا السلاح الـقـذر ضد المواطنين العزل في لبنان. ومن الطرائف التي ذكرت في المؤتمر، أن حكومة اسرائيل أوقفت السفير الأمريكي السابق في بيروت نحو ست ساعات – على حدودها - لأنه كان يحمل معه نسخة من هذا الكتاب.الى أن تدخّلت السفارة الأمريكية في بيروت لحلحلة الأزمة. وكم تمنـيّت أن الفضائية المذكورة قامت بتغطية آثار القنابل العنقودية على المواطنين العزل وبقاء الآلاف منها الى الآن مغروسا في مزارعهم.. بدلا من استجداء دموعنا على اليهود المساكين! وصدق من قال في أحوال مثل هذه االفضائيات: اذا لم تستح فاصنع ما شئت. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
Samirabid@yahoo.com