-A +A
تركي العسيري
أحسب أن من حق الشعب العراقي والمتضررين منهم بالذات ملاحقة الحاكم الأمريكي السابق (برايمر) في محكمة العدل الدولية بجرم تفتيت العراق، وإشعال نار الفتنة الطائفية، وإقراره نظام «المحاصصة» السيئ الصيت، والذي دق إسفين الصراع المذهبي، وتمريره للدستور الذي لا يماثله دستور آخر في العالم.. ودستور الإقصاء، والعبارات المفخخة، وتفريغ العراق من أهله الشرفاء. «برايمر» اقترف جرماً ينبغي أن يُعاقب عليه من تسريح للجيش العراقي، والذي كان ضامناً وحيداً لوحدة العراق بجميع طوائفه، وإلغاء مؤسسات الدولة، وترك الغوغاء و«اللصوص» ينبهون كل الوثائق والوزارات دون أن يحرك ساكناً.. والذي كانت محصلته ما نراه اليوم من اقتتال وتهجير ونزف لدماء العراقيين الأبرياء.. ناهيك عن سعيه إلى سلخ هذا الشعب الأصيل من هويته العربية، وفتح الباب أمام كل من أراد شراً بالعراق من أفراد المخابرات المختلفة، ومحترفي القتل وأصحاب الثارات.. ليعبثوا في أرض الرافدين فساداً وقتلاً وتدميراً.. يصغر أمامه كل فظائع هولاكو والتتار والزنج والصفويين ومقابر صدام الجماعية. «برايمر» مجرم حقيقي.. ينبغي أن يُحاكم، ومعه كل من أشار إليه بتدمير العراق من خلال ترويج أكذوبة «الدمار الشامل». «صدام حسين» ديكتاتور ومجرم -لاخلاف- وارتكب أخطاء قاتلة ساهمت في النهاية التي وصل إليها العراق.. ولكن «برايمر»، والحفنة التي جاءت معه من العراقيين لا يقلون جرماً من الذين بشروا بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وبناء دولة حديثة على أسس وطنية محضة تكون مثالاً يُحتذى لكل دول المنطقة. العراق يمر بمنعطف خطير في أن يكون دولة أو لا يكون وشعب واحد أو كيانات مبعثرة تخوض حروباً طاحنة في ما بينها، وأظن كمواطن عربي يُؤلمني ما يحل بالعراق اليوم أن لا مصلحة لأحد في ضياع هذا البلد الشقيق.. المصلحة الحقيقية لدول تريد بالعراق شراً، وتريد أن تحوله إلى ساحات للصراعات والثأرات، وبؤر للتعصب الطائفي والعرقي.
لقد شعرت بالفرح حين أعلنت قبائل العراق العربي من شيعته وسنته وكرده والذين يمثلون 85% من سكان البلد في اجتماعهم الأخير الوقوف صفاً واحداً في وجه كل الذين يريدون سلب هوية هذا الشعب، ونهب خيراته، وانتزاعه من محيطه القومي بتاريخه اليعربي الناصع، المطلوب -في رأيي- أن يخرج شرفاء العراق إلى الشوارع ليعلنوا رفضهم لما يحدث.. فعراق الرشيد والمأمون والمعتصم وكل عظماء التاريخ العربي لا ينبغي أن يُترك نهباً لكل من يريد به سوءاً من الشعوبيين، والمتعطشين إلى السلطة. وعلى العرب أن يرفعوا أصواتهم عالياً.. بدلاً من تلك التصريحات الخجولة التي تطل علينا بين الفينة والأخرى.. ليعلنوا رفضهم لما يحدث من انتهاكات خبيثة لسلب هوية هذا الشعب، وهوية قبائله العريقة في الأصالة والتي بنت البصرة والكوفة وبغداد وسامراء وغيرها من المدن التي شع منها نور العلم والثقافة والأدب. فالعراق ليس ملكاً لأهله بل هو ملك لكل العرب، ومن العار أن يسجل التاريخ أنه في زمننا المبتلى بكل رديء ضاع العراق الذي علمنا اللغة والشعر والسياسة والتسامح الديني، وضاع تراثنا الإنساني اللافت الذي كان منطلقاً لكل الحضارات اللاحقة.

أمريكا مطالبة اليوم بأن تصحح خطأها الذي اقترفته بحق هذا الشعب، وحولت أرضه إلى حاضنة «تفرخ» القتلة والمجرمين من فرق الموت، وفيالق بدر، والقدس، والقاعدة. إذ لا يكفي أن تعترف بخطئها.. بل أن تسعى إلى تصحيح ذلك الخطأ عن طريق إعادة الجيش السابق، والأجهزة الأمنية بكاملها، وموظفي الدولة السابقين، والناس الشرفاء الذين لم يقترفوا جرماً بيناً بحق الشعب.. وعليهاأن تلقي بهؤلاء الطائفيين، ومحترفي الغارات، ومتعددي الولاءات، في أتون السجون. وأن يقدموا مع قائدهم (برايمر) إلى قضاء دولي عادل ليقتص منهم لقاء ما اقترفوه في حق هذا الشعب المظلوم. ومهما يكن فإن القتلة كما علمنا التاريخ لن يفلتوا من العقاب مهما طال الزمن. الشعوب قد تغفو، وقد تضطهد، وقد تخدع، ولكنها أبداً لن تموت، ولن تنسى أو تتسامح. «وعلى الظلمة تدور الدوائر»!!
تلفاكس 076221413