-A +A
د. طلال صالح بنان
يجب ألا تُعطى أهمية كبيرة للقاءات القمة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي يهود أولمرت، مثل ذلك المتوقع عقده اليوم. بعيداً عن المظاهر الدعائية التي يمكن أن تصاحب مثل هذه اللقاءات.. وبعيداً عن الحديث عن التمادي بالمبالغة في تقدير العامل النفسي لمثل هذه الاجتماعات. من الناحية السياسية الصرفة، كلا الرجلين لا يستطيع اتخاذ قرارات مصيرية تطال محاور الخلاف الرئيسية بينهما، من أجل تطوير اختراقات استراتيجية للوصول إلى تسوية سلمية تقوم أساساً على معادلة الحلول الوسط وصيغة الجميع يكسب والجميع عليه أن يدفع ثمن السلام، بعيداً عن موازنة ذلك مع احتمالات فشل مساعي السلام والمضي في خيارات أكثر تكلفة.
لا الرئيس عباس ولا أولمرت يتمتع بإمكانات ومواهب الشخصيات التاريخية، التي تحظى بتأييد شعبي واسع في أوساط النخب السياسية والرأي العام في مجتمعهما. الرئيس عباس يحكم في نصف إقليم سلطته، بوسائل يرفض البعض القبول بها، حتى ضمن تنظيم فتح الذي يمثله في منظمة التحرير الفلسطينية. أولمرت، في هذا ليس بأفضل من الرئيس عباس، هناك تحديات كبيرة لزعامته في حزب كاديما الذي يرأسه، وهناك تحديات أكثر خطورة للحزب نفسه، من قِبَل تيارات اليمين في الشارع السياسي الإسرائيلي، قبل ذلك الذي تمثله تيارات اليسار، بما فيها حزب العمل الذي يشارك كاديما. من تاريخ القرارات الرئيسية ذات الصلة بمصير الدولة في إسرائيل، نلاحظ أنه يجب توفر أحد عاملين رئيسيين. إما عن طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية، كما هو الحال في قرارات شن الحرب المختلفة التي دخلت فيها إسرائيل مع العرب. أو في ظل وجود تكتل حزبي قوي تتقلده زعامة تاريخية قوية، مثل ذلك التي تَوَفَر لتكتل الليكود تحت زعامة مناحيم بيجن، الذي توصل إلى اتفاقات سلام مع مصر، نهاية السبعينات من القرن الماضي. كلا الشرطين لا يتوفر في أولمرت ولا في حكومته.

علينا، أيضاً، ألا ننسى الفارق الكبير في ميزان القوى بين الجانبين. الفلسطينيون، من حيث توفر عناصر القوى الضاغطة التي يمكن أن تجعل إسرائيل تتحمس لعقد صلح معهم، قد لا تكون موجودة. صحيح أن عامل القوة هذا كان حاضراً وقت إجراء مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل، إلا أن ذلك مع الفارق الكبير. مصر دولة كبيرة ومركزية وتاريخية في المنطقة تتمتع بعناصر للقوة المضافة لا يمكن الاستهانة بها. يكفي احتمال خروج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي حافزاً لإسرائيل أن تسعى لعقد صلح مع مصر... هذا، بالإضافة إلى مكاسب معنوية كبيرة تتمخض من إقامة علاقات سياسية مع أكبر دولة عربية ما يفتح أمام الدولة العبرية إمكانات إقليمية واعدة تتجاوز هاجس الأمن على مصير بقاء الدولة العبرية ومستقبلها وشرعية وجودها. كل تلك عناصر للقوة كانت تتمتع بها في مفاوضاتها مع إسرائيل، بعيداً عن اعتبارات المقاييس الكمية التقليدية لحساب موازين القوى بين الدول، مَكّن مصر من أن تحقق أهدافها السياسية طوال تاريخ صراعها مع الدولة العبرية، مع هامش من التكلفة الإقليمية وحتى الداخلية، تمكنت مصر من تجاوزه، مع الوقت. الفلسطينيون، في جانب آخر من معادلة الصراع مع إسرائيل، لا يمتلكون أياً من إمكانات القوة المضافة هذه التي كان يتمتع بها المصريون، مما يجعل عملية التفاوض مع إسرائيل أشد صعوبة.
ثم إن الوضع الإقليمي والدولي يضغط على الجانب الفلسطيني أكثر منه على الجانب الإسرائيلي. في الوقت الحاضر هناك توجه إقليمي وعربي، على وجه الخصوص، للتعامل مع الأزمة بعيداً عن اعتبارات الصراع التي ميزت تاريخها لأكثر من ستة عقود. هناك إجماع عربي على ضرورة التوصل لتسوية سلمية للأزمة والحيلولة دون الإبقاء على بعدها الصراعي العنيف. الخيار العنيف في إدارة الأزمة لم يعد يلقى «شعبية» رسمية في النظام العربي... بالإضافة إلى التوجه نحو خيار عنف من قبل بعض الفلسطينيين أضحى يتفاعل بعيداً عن تأييد عربي رسمي أو حتى في أحيان كثيرة تعاطف شعبي عربي. هذا بالإضافة إلى ما تلقاه إسرائيل في محافل السياسة الدولية من تأييد سياسي غير مسبوق أضعف إلى حدٍ كبير زخم البعد السياسي والإنساني لمحنة الفلسطينيين، وحتى لمستقبل استقرار المنطقة ومصير السلام فيها.
باختصار: لا المشهد الفلسطيني.. ولا المشهد الإسرائيلي.. ولا المشهد العربي.. ولا المشهد الدولي يدفع تجاه تطوير تسوية سلمية يتمسك خلالها كل طرف بما يعلنه من سقف لمطالبه تجاه الطرف الآخر. وتبقى الأزمة وتستمر المعاناة، حتى تستهلك الأزمة طاقتها وتبلغ المعاناة منتهاها... ويبقى السلام بعيداً بعيداً..!؟