-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
أخيراً وبعد عناء طويل أصبح عبدالله غل، مرشح حزب العدالة والتنمية، الرئيس الحادي عشر لتركيا بعد أن حاز على أغلبية مطلقة في الجولة الثالثة من التصويت في البرلمان. هذه هي المرة الأولى التي يعتلي فيها شخص من التيار الإسلامي عرش العلمانية في تركيا منذ تأسيسه على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1920م، الذي أعلن أن الدولة التركية الحديثة يجب أن تسير على أسس علمانية لا دينية. بهذا الفوز اختار الشعب التركي الحكم المدني الديمقراطي على الوصاية العسكرية. فقد أظهر الشعب التركي قدرته على قراءة روح الزمن والاستعداد للتغيير. فقد أيد الشعب التركي الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الجذرية التي تبناها حزب العدالة والتنمية التي أدت إلى تعميق الديمقراطية وتكريس دولة القانون. وأجبر الشعب التركي الجيش على احترام خياره الديمقراطي عندما أيد الشعب حزب العدالة والتنمية بنسبة 46.7 في المئة في انتخابات البرلمان التركي السابقة، باعثا للجيش برسالة مفادها ان الشعب لا يؤيد تدخل العسكر في السياسة. اذ يتفق المراقبون السياسيون على أن الانتصار الساحق الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية يرجع إلى التطورات التي حدثت خلال الانتخابات الرئاسية. فقد خرج العلمانيون في مظاهرات ضخمة اعتراضا على ترشيح عبدالله غل لرئاسة تركيا. وعضد الجيش هذه المظاهرات بإرساله إشارات تحذيرية بإمكانية تدخله عسكريا للدفاع عن العلمانية. ومن المفارقات أن هؤلاء رفعوا شعارات الديمقراطية والحريات والعلمانية كسبب لاعتراضهم على ترشيح عبدالله غل بينما يشهد الواقع أنهم هم من قوض الحريات وقيم الديمقراطية في تركيا. ورغم تعاطف الشعب التركي مع الجيش قرر الشعب أن هذا التدخل في العملية السياسية وعرقلة الانتخابات الديمقراطية ليس له ما يبرره وهو ما أدى إلى تعاطف شعبي واسع مع حزب العدالة والتنمية. وعلاوة على ذلك فقد رأى الشعب التركي في عبدالله غل صفات جعلته أكثر المرشحين استحقاقا لرئاسة تركيا. فهو صاحب شخصية معتدلة ومتعاطفة تتمتع برجاحة العقل. هذا فضلا عن حياته السياسية الناجحة كرئيس سابق للوزراء ووزير للخارجية على مدى الخمس سنوات الماضية حيث لعب دوراً حاسماً في جعل تركيا أقرب إلى الاتحاد الأوروبي وبات الغرب يرى في انتخاب عبدالله غل امتدادا للتطور الديمقراطي في تركيا. وعلى الرغم من أن كبار القادة العسكريين لم يحضروا حفل تنصيب عبدالله غل فقد بات واضحا ان فرص تدخل الجيش في ضوء هذا الإصرار الشعبي قليلة في الوقت الحالي إن لم تكن معدومة. ولم يبق لتركيا في ضوء هذه التطورات إلا اغتنام هذه الفرصة لمتابعة مسيرة البناء وإصلاح الدستور وتعزيز مبدأ سياسة القانون.

afansary@yahoo.com