-A +A
سمير عابد شيخ
نتمنى جميعا أن تكون الحياة بسيطة وجميلة، ولكنا لا نستغني عن الأجهزة الحديثة مثل المكيفات والتلفزيونات الخ. واستخدام هذه الأجهزة يعني ضرورة التعامل مع التقنية العصرية شئنا أم أبينا ! وكذلك الحال مع دنيا المال، فبقدر ما نتمنى أن تكون الأمور بسيطة بقدر ما نجد انفسنا مرتبطين أكثر بالوسائط المالية العصرية. وكما أنّ ضعف الالمام بالتقنية يؤدي أحيانا الى حوادث مثل الحرائق الناتجة عن ضعف الوصلات الكهربائية، فان ضعف الالمام بالوسائط المالية قد يؤدي الى كوارث مثل انهيار سوق الأسهم في فبراير 2006.
وبحكم تطوّر أسواق المال لدينا وتحرّك بعض الشركات الكبرى باستصدار أوراق مالية لتمويل أنشطتها، وبالنظر الى ظهور أزمة مالية عالمية نشأت عن تمويل العقار الأمريكي وانتشرت الى الاتحاد الأوروبي واليابان ودول كثيرة أخرى، فيستحسن لنا أن نعرف أسباب وأبعاد هذه الأزمة حذرا من الوقوع في مثلها.

فلقد نشأت هذه الأزمة خلال الأعوام 1995-2005، عندما تدنّت الفائدة الأمريكية وبالتالي تدنّت تكلفة شراء كل شيء بما في ذلك العقار. فتدافع الناس خصوصا المستثمرين على شراء العقار تلو الآخر ثم بيعه وشراء غيره وهكذا. كان سوق العقار منتعشا ومربحا تماما مثل أسواق الأسهم لدينا قبل انهيار فبراير.
وكإجراء روتيني في تمويل العقار، فعندما يبدأ الطلب على القروض العقارية، تشرع البنوك بتمويل العملاء الأفضل من حيث السمعة والمقدرة على التسديد. ولكن بتزايد الطلب على القروض من عملاء أكثر خطورة (أولئك الذين لا يدفعون دفعة أولى وليس لهم سجل تسديد ناصع)، توافق البنوك على اقراضهم شريطة تدفيعهم فوائد أعلى. وعندما تتجمّع لدى البنوك آلاف القروض بملايين الدولارات، تقوم بتجميع هذه القروض في مجموعات يكون معظمها قروض آمنة وقليل منها أكثر مخاطرة، ومن ثم تفعل شيئا قد يستغرب له القارئ الكريم !
فلنقل اذن إن بنك “الف باء جيم” تجمعت له قروض عقارية بمائة مليون دولار تستحق أقساطها على مدى ثلاثين عاماً. ولكن نظرا لاتساع السوق العقاري، يتردد عليه عشرات العملاء الآخرين يطلبون قروضا أخرى، فيحتاج لسيولة جيدة لتمويل عقارات أخرى. يقوم عندها البنك ببيع تلك الديون المستحقة له الى بنوك لديها فائض من السيولة ! ومقابل ذلك يرضى البنك المذكور “الف باء جيم” بقبول تسعين مليون دولار فقط بدلا من المائة مليون ليربّح البنك المشتري للدين عشرة ملايين دولار لشرائه الدين وحصول التسديد من المقترضين لاحقا.
بعدها يقوم البنك الجديد المشتري للديون ببيعها الى شركات مالية متخصصة في مركز أمريكا المالي وهو “وول ستريت” بمدينة نيويورك. تقوم الشركات المالية المتخصصة بوضع أغلفة جديدية على هذه الديون وتقسيمها بعد أخذ موافقة هيئات التقييم المالية (مثل موديز)، وتسويقها في صناديق عقارية متخصصة. ولأن هذه الصناديق مقومة من شركات متخصصة، يتم بيع هذه الديون الى بنوك جديدة خارج أمريكا ولنقل في أوروبا وآسيا.
وهكذا تمتد سلسلة بيع الديون في صور أوراق مالية حول العالم ! ولكن أمرين هامّين عصفا بهذه الأوراق المالية. فلقد أخذ البنك المركزي الأمريكي برفع الفائدة أي تكلفة الشراء وتمويل القروض.
نتج عن ذلك صعوبة تسديد الديون خصوصا تلك الأعلى مخاطر. عندها قامت مؤسسات التقييم بإعادة تقييم تلك الأوراق المالية الى أقيام أدنى، ذلك مما دفع البنوك بطلب ضمانات اضافية عجز عنها المقترضون ! وهكذا بدأت سلسلة الانهيارات التي مازالت تعصف بشرائح من القطاع المصرفي العالمي حتى يومنا هذا !
ولعل هرولة كبرى الشركات باستصدار أوراق مالية اسلامية من السوق السعودي فإن لم تستطع فمن الاماراتي فإن لم تستطع فمن الماليزي فإن لم تستطع فمن البريطاني، لهو أمر يقتضي كثيرا من التأمل ! ذلك أنه اذا ما تعثرت بعض هذه الأوراق المالية لا سمح الله، سنحزن جميعا لأنهم سيطلقون عليها مهزلة الأوراق المالية الاسلامية !

Samirabid@Yahoo.com