-A +A
عبدالله يحيى بخاري
بعد هذا المسلسل من استقالات رجال بوش وصقوره، ابتداء من كولن باول (وهو ليس أحد الصقور) الذي استقال من منصبه بعد أن دفعه تشيني إلى الكذب على العالم كله لتبرير حرب بوش/بلير على العراق، ومروراً بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ثم جميع من كان يطلق عليهم “مافيا تكساس” مثل المستشارة السابقة هارييت مايرز، ومدير الاتصالات دان بارتلت، وكبيرة المستشارين كارين هيوز، ووزير العدل ألبرتو جونزاليس، وأخيراً المستشار الأول في البيت الأبيض كارل روف، لم يبق مع بوش سوى نائبه ديك تشيني.
وبهذا أصبح تشيني ( الذي أطلق على نفسه اسم دارت فيدار، زعيم الشر في سلسلة أفلام حرب النجوم) هو المحرك الأول لسياسة البيت الأبيض الخارجية الآن، وبدون أي منافس.

وبعد مستنقع العراق وأفغانستان، وافتضاح الأكاذيب التي بني عليها غزو العراق، ثم ماتلاها من بشاعة في سجون أبو غريب وجوانتانامو، وخلافات البيض الأبيض مع الكونجرس الأمريكي ممثل الشعب لعدة أسباب منها التجسس على المواطنين الأمريكيين والأجانب المقيمين بينهم، ثم فضائح بعض معاوني الرئيس وموظفيه مثل جونزاليس وليبي، وبعد كارثة إعصار كاترينا في نيو أورليانز وعجز الإدارة عن مواجهتها، وأخيراً إشعال سباق التسلح بين الشرق والغرب ووضع العالم على عتبة حرب باردة جديدة من الممكن أن تتحول في أي لحظة إلى حرب ساخنة وكارثة عالمية، وكل هذا في ضوء محاولات السيد تشيني ومطالبته بمنح الجهاز التنفيذي في الحكومة الأمريكية ( الرئيس والبيت الأبيض) صلاحيات أوسع وقوة أكبر لكي يفعل ما يحلو له دون الرجوع إلى الكونجرس أو غيره.
بعد كل هذا، ألا يجب على الإدارة الأمريكية أن تتوقف قليلاً لتلتقط أنفاسها وتهدئ من أعصابها لتريح الشعب الأمريكي والعالم كله من هذا التشنج وشد الأعصاب الذي يضع العالم على حافة الكارثة وعدم الاستقرار؟
لم يبق على فترة رئاسة بوش سوى عام واحد وأربعة أشهر تقريباً. ولم يبق معه من حاشيته ورجاله سوى أقل القليل، إن لم يكن فقط آلة الحرب تشيني. ولم يبق معه من شعبيته في أمريكا وفي العالم أجمع سوى أقل نسبة حصل عليها أي رئيس أمريكي من قبله ( وربما من بعده أيضاً). لذلك من الأجدر له ( ولنا ) أن يهدئ نفسه قليلاً، ويهدئ أعصابه، ويبتعد عن الاعتماد على مبدأ إظهار القوة وعن الانفعالات التي تجرّ وراءها المصائب.
ألا يحق للشعب الأمريكي أن يحصل على شيء من إنتباه وجهود إدارته التي وضعها بنفسه في البيت الأبيض؟ فبدلاً من أن يضيع الرئيس وقته ويشتت جهوده في إخافة العالم وإفزاعه وتهديده، وبدلاً من الإصرار على تحقيق وهم لا يوجد إلا في مخيلة بعض سكان البيت الأبيض، والاستمرار في التضحية بأرواح العراقيين والأمريكيين سعياً وراء نصر لا يعلم أحد مكنوناته أو دلالاته أو ماهيته، بدلاً من ذلك أليس من الأفضل أن تركز الإدارة الأمريكية ، وهي على أعتاب نهاية فترتها، على القضاء على المشاكل الداخلية التي تقلق الشعب الأمريكي، وعلى المؤسسات الحكومية الداخلية مثل الضمان الاجتماعي المتدهور والاقتصاد المتكاسل والتأمين الصحي والبيئة وقضايا الإسكان وانتشار العنف والإرهاب داخل المجتمع الأمريكي وآثار حرب العراق على الشعب والاقتصاد الأمريكي؟
الهروب من مواجهة هذه القضايا الداخلية الاجتماعية والإدارية الهامة والمؤثرة إلى قضايا أخرى وهمية لا تسبب إلا الشقاء والتعاسة للآخرين ولن يعفي هذه الإدارة من تقديم كشف الحساب على مسلسل أخطائها، ولن يخدع التاريخ أو يضلل الشعب الأمريكي إلى الأبد، بل سوف يؤدي حتماً إلى أن يعيد الكونجرس النظر في الحد من مدى ومقدار الصلاحيات الدستورية التي تمنح للرئيس الأمريكي مستقبلاً، بعكس ما يطالب به المستر ديك تشيني الآن.