-A +A
عبدالله بن فخري الأنصاري
في الأسبوع الماضي أعلنت السلطات الألمانية اعتقال أعضاء في “منظمة إرهابية”، وإحباطها لمخطط إرهابي كان يستهدف منشآت أمريكية وألمانية. يأتي هذا الإعلان بعد يومين من زعم السلطات الدنماركية إحباطها “هجوما إرهابيا”، وذلك على خلفية اعتقال الشرطة الدنماركية لعدد من الأشخاص تزعم أن لهم علاقة بتنظيم القاعدة. وتشير الدلائل إلى وجود تشابه كبير في النهج والتنظيم والأساليب بين هذه المحاولات والهجمات التي شهدتها بلدان أوروبية أخرى مثل بريطانيا وإسبانيا، أو تلك المحاولات الإرهابية الأخيرة التي أحبطتها السلطات البريطانية، وذلك في إشارة إلى التشابه في الوسائل والمواد المستخدمة للتخطيط لهذه الهجمات، وتلقي أعضاء من هذه الخلايا الإرهابية لتدريبات في معسكرات خارجية، واستهدافها لوسائل النقل والسفارات والمنشآت العسكرية (خاصة تلك المستخدمة من قبل الولايات المتحدة)، والعلاقة التي تربط أفرادها بتنظيم القاعدة. ويبدو أن هذه الهجمات أريد لها التزامن مع الذكرى السنوية السادسة لهجمات 11 سبتمبر 2001م، ومناقشات البرلمان الألماني القادمة حول تمديد انتشار قواتها في أفغانستان، أو الرد على احتفاظ كل من ألمانيا والدنمارك بقوات في أفغانستان، واحتفاظ الأخيرة بقوات في العراق رغم الاستعدادات الدنماركية الراهنة لاستكمال سحب وحدتها من الجنود في العراق هذا الشهر.
وتؤكد هذه المخططات صحة التقارير الغربية عن تنامي قوة تنظيم القاعدة، وتزايد نشاطه، وقدرته الفعلية على تهديد المصالح الغربية في أنحاء أوروبا وغيرها على الرغم من المحاولات الغربية المتعددة للقضاء على التنظيم خاصة في السنوات الست الماضية ضمن إطار الحملة الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب. حيث تحدثت التقارير الأمنية مؤخرا عن حصول القاعدة على ملاذ آمن بباكستان والعراق، وتسلل بعض الشباب الأوروبي إلى الحدود الأفغانية الباكستانية للحصول على التدريب على استخدام الأسلحة وصنع المتفجرات قبل العودة إلى دولهم للتخطيط لشن هجمات إرهابية. كما أثارت الاعتقالات الأخيرة قلق السلطات الأمنية في أوروبا بسبب تطور عمل المنظمات الإرهابية في الأداء والتخطيط والمعدات والمواد ذات الصلة.

ويرى المراقبون أن العديد من المؤامرات الإرهابية التي تم الكشف عنها في أوروبا مؤخرا تظهر بوضوح تنامي ظاهرة الإرهاب الداخلي المنشأ. يأتي ذلك على خلفية اعتقال قوات الأمن الألمانية الأخيرة لثلاثة أشخاص منهم ألمانيان اعتنقا الإسلام وآخر تركي ينتمون إلى خلية ألمانية من حركة الجهاد والتوحيد التي لها “صلات وثيقة” بتنظيم القاعدة. وتتنوع آراء المحللين السياسيين لتفسير هذه الظاهرة. فالبعض يرى أن معتنقي الديانة الإسلامية في أوروبا أكثر تطرفا وتعصبا من الذين ولدوا ونشئوا مسلمين، حيث إن اعتناق هؤلاء للإسلام “مدفوع باعتبارات سياسية” أو حماس للدين الجديد، وهو الأمر الذي نتج عنه تبني العديد منهم للفكر المتطرف، بفعل تغلغل الجماعات المتطرفة داخل المساجد، حتى غدا الولاء للفكر المتطرف عند هؤلاء أسمى من كل مفاهيم الولاء والانتماء الوطني. وفي ضوء هذه الرؤية والمخاوف تعاني الجالية الإسلامية في أوروبا من الاغتراب والعزلة وتواجه تهما بالإرهاب والتطرف، ومحاولات لتشويه الإسلام واتهامه بالإرهاب، فضلا عن تبني هذه الدول لتدابير وقوانين أمنية جديدة تفرض مزيدا من القيود على أبناء هذه الجالية، حتى وصل الحد ببعض هذه الدول إلى وضع معتنقي الإسلام حديثا تحت المراقبة. يأتي ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومات الأوروبية على دور الجاليات الإسلامية في التصدي للإرهاب والتطرف، والتعاون الذي تبديه هذه الجالية مع الأجهزة الأمنية في هذا الشأن. وعلى الرغم من تعارض سياسات أوروبا والولايات المتحدة بشأن قضايا مثل العراق، ومعاملة المعتقلين في قاعدة غوانتنامو، واستخدام السجون السرية التابعة للمخابرات الأمريكية على الأراضي الأوروبية، يرى العديد من المحللين السياسيين أن أوروبا أغرقت كثيرا في الترويج لنظرية الإرهاب الإسلامي وتجاهلت أن بعض السياسات غير المتوازنة التي تتبناها اتجاه أفراد الجالية الإسلامية أدت إلى شعور أبناء هذه الجالية بالتهميش والاضطهاد والتمييز والإهانة والتجريح لمشاعرهم الدينية وهو ما وظف من قبل المنظمات الإرهابية لتبرير العمليات الإرهابية في أوروبا وتذكية الإرهاب.
إن العديد من المؤامرات الإرهابية التي تم الكشف عنها في أوروبا مؤخرا تظهر بوضوح تنامي ظاهرة الإرهاب الداخلي المنشأ.
afansary@yahoo.com