-A +A
د. طلال صالح بنان
هل تحل باريس، في عهد نيكولا ساركوزي، محل بريطانيا، في عهد رئيس الوزراء السابق توني بلير، كحليف رئيس لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي؟. من الملاحظ أن حكومة الرئيس ساركوزي الجديدة في فرنسا، لا تألو جهداً في تأييد السياسة الأمريكية في المنطقة، ليس سياسياً، فحسب... ولكن، أيضاً على مستوى الخطاب السياسي الحاد، الذي يحمل في طياته تهديدات عسكرية مبطنة، وكثيراً ما تكون مكشوفة وواضحة. باريس ساركوزي اليوم تلعب نفس الدور الذي كانت تلعبه لندن بلير بالأمس، في مجلس الأمن، لتمرير السياسات الأمريكية لإحكام السيطرة على المنطقة، والعالم...!؟ في الوقت الذي كانت فيه لندن أيام توني بلير عندما اشتركت بريطانيا مع الولايات المتحدة في تطوير تفسيرات غير صحيحة لقرارات مجلس الأمن في حق العراق لتسمح باستخدام القوة العسكرية لضمان تنفيذ تلك القرارات، اليوم تقوم باريس ساركوزي، من خلال مجلس الأمن بلعب الدور نفسه في مجلس الأمن، بدعم السياسات الأمريكية المتشددة في ملف إيران النووي، ربما تمهيداً لتطوير هجوم فرنسي أمريكي جديد على إيران. بل حتى على مستوى التصريحات العلنية لساسة فرنسيين كِبار يُلاحظ هذا التغيير الكبير في خطاب الدبلوماسية الفرنسية المتزنة التقليدي، تصدر عنهم تصريحات نارية تهدد بفتح جبهة جديدة في منطقة الخليج العربي مع إيران، شبيهة بتلك التي سبق فتحها في العراق، في ظل الحلف الأمريكي البريطاني أيام عهد رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، منذ أكثر من أربع سنوات.. بالأمس القريب صرح وزير خارجية فرنسا بأن إيران معرضة لعمل عسكري ضدها، إذا استمرت في تجاهل قرارات مجلس الأمن، بخصوص ملفها النووي... في الوقت التي تعمل فيه باريس مع واشنطن، يداً بيد، لإصدار قرار جديد من مجلس الأمن يشدد حالة الحصار الاقتصادي والعزل السياسي ضد طهران، بإصدار قرارات أممية جديدة.
هذا التحالف الجديد بين باريس وواشنطن، على مستوى حركة السياسة الخارجية، تجاه مناطق ساخنة وغير مستقرة، بطبيعتها، يُنْذِر بخطر جاهز على السلام العالمي في أكثر مناطق العالم سخونة وتوتراً. بانضمام فرنسا إلى المعسكر الأمريكي، بكل مواصفاته اليمينية المتطرفة التي تميل لاستخدام إمكانات الولايات المتحدة الاستراتيجية في مجال القوة الصلبة، يفقد النظام العالمي توازنه الهش، الذي كانت فرنسا تمثل القوة المركزية لمعارضة التطلعات الكونية الأمريكية.

في ظل المعارضة الشديدة التي كانت واشنطن تلقاها في داخل مجموعة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بزعامة فرنسا جاك شيراك، تمكن النظام الدولي من تجريد القوة الطاغية الأمريكية التي أخذت تفرض الهيمنة الأمريكية على العالم بقوة الإمكانات الاستراتيجية الساحقة للولايات المتحدة والنفوذ الطاغي للدبلوماسية الأمريكية على ساحة السياسة الدولية، من الغطاء القانوني والأخلاقي، التي كانت تفتقر إليه عند غزوها العراق، على سبيل المثال. لم تكن المعارضة التي تلقاها الولايات المتحدة من خصومها التقليديين في موسكو وبكين، تصل إلى فاعلية وقوة تلك التي كانت تواجهها من باريس، في عهد الرئيس شيراك. مع الأخذ في عين الاعتبار التردد الروسي والصيني في افتعال مواجهة مباشرة مع واشنطن، في مجلس الأمن أو غيره من ساحات الصراع في السياسة الدولية، بعيداً عن الدعم السياسي والمعنوي التقليدي التي كانت تلقاه روسيا والصين من فرنسا، فإن مقاومة موسكو وبكين للسياسة التوسعية الأمريكية في منطقة الخليج العربي، وغيرها من مناطق التوتر القريبة، مثل القرن الأفريقي والصحراء الغربية، ستضعف كثيراً، لدرجة السلبية الخطيرة المثيرة للقلق .
مما يزيد الأمور تعقيداً أن الولايات المتحدة، بهذا الدعم الفرنسي الجديد المتحمس لسياساتها وتطلعاتها الكونية، سوف لن تشعر بالفراغ الذي يمثله انسحاب بريطانيا، ما بعد بلير، من الحلف الاستراتيجي مع الولايات، بدءاً من الانسحاب البريطاني المحتمل من العراق. بالإضافة إلى أن المحافظين الجدد في واشنطن، في الفترة القصيرة الباقية من إدارة الرئيس بوش، سوف يستغلون هذا التحول الجديد في السياسة الخارجية الفرنسية، للزعم بنجاح خططهم الكونية التوسعية والجدل بمصداقية استراتيجيتهم لخدمة طموحات الهيمنة والتوسع، التي يعتبرونها قدراً «إلهياً» اُختيرت الولايات لتحمل تبعاته..!؟
من يتصور أن مد المغامرات العسكرية للمحافظين الجدد في أمريكا قد انحسر بصعوبات جبهة العراق، عليه أن يعيد حساباته وهو يرى هذه «الهرولة» الفرنسية لدعم استراتيجية الولايات المتحدة العنيفة في مجال السياسة الخارجية. فرنسا بالنسبة للبيت الأبيض، هي بمثابة طوق النجاة الذي قُذف في بحر السياسة الدولية العاصف الذي كانت تتخبط السياسة الخارجية الأمريكية في أمواجه العاتية، حتى تصور البعض أن المحافظين الجدد في البيت الأبيض قد أشرفوا على الغرق.