قد لايعرف الكثيرون أن فيدل كاسترو الذي صار أشهر شيوعي في العالم حتى بعد انهيار الشيوعية هو ابن أسرة غنية أي باللغة الدارجة «ابن ذوات»، ورغم ثوريته الشديدة يعشق الأدب، ومن أشهر أصدقائه الكاتب الروائي الكولومبي جبرائيل جارثيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل العام 1982 م وقدم كاسترو لمذكرات ماركيز التي كتبها بعنوان: : «عشت لأروي»، ويتناول المراحل الأولى من طفولة الكاتب وشبابه المبكر.
وكان كاسترو غالبا القارئ الأول لمخطوطات روايات ماركيز، ويبدي ملاحظات صائبة عنها، وقد اعترف ماركيز انه صوب بعض أخطائه بشأن نوع من السلاح في روايته (الجنرال في متاهته)، وبعد أن قرأها لم يستطع كاسترو ان يكبح حبه للأدب واعترف لإحدى الصحف الكولومبية بأنه لو كان هناك تناسخ ارواح لتمنى ان يكون كاتبا مثل صديقه ماركيز.ويعترف بان ماركيز قد وضعه على طريق القراءة التي وصفها بـ (السريعة) لأفضل الكتب مبيعا.
كاسترو خطيب مفوه يعرف بالخطب المطولة ويخطب 7 ساعات متواصلة، وعندما خطب مرة مبتدئا كلامه بأنه لا يريد أن يطيل الكلام خطب ساعتين. وتعود علاقة كاسترو بالخطابة إلى فترة الثورة فقد كان يعتمد على الإذاعة في تلاوة البيانات العسكرية خلال حربه مع باتيستا وقد نقل عن روبيرتو سالاس مصور فيديل الشخصي قوله: «أعتقد أنه لو لم يكن محاميا وقائدا للثورة لكان من أصحاب شركات الإعلانات في وول ستريت. لأنه بارع جدا في هذا المجال».
تعرض كاسترو لأكثر من 600 محاولة اغتيال حسب تصريح فرناندو ريميريز دي إيستينوز، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي ورئيس مكتب العلاقات الدولية، احداها ساهمت فيها عشيقته الأولى وتدعى مارينا شاتنر.
إلا أن المفارقة الغريبة في حياة فيدل كاسترو الذي حكم كوبا 49 عاما، وجابت شهرته الآفاق، أن الكوبيين لايعرفون عدد أبنائه ولا زوجاته ولا أحفاده، حتى الآن، ولم يشتهر من أبنائه إلا ابنته «ألينا فيرنانديز ريفويلتا» التي تنكرت له وعاشت في أمريكا منذ العام 1993م، وابنه فيديليتو (تصغير فيدل) أو فيدل كاسترو دياس بالارت، من مواليد 1949م ومن زوجته الأولى، والذي درس الفيزياء النووية العام 1973 في جامعة موسكو، حيث درس متنكرا باسم راوول خوسيه فرناندس قبل أن يصبح رئيسا لهيئة الطاقة النووية بهافانا من 1979 إلى 1992.
ابنته التي تنكرت له
في العام 1993 تنكرت ألينا فيرنانديز ابنة كاسترو في شخصية سائحة إسبانية بجواز سفر أسباني لكي تتمكن من مغادرة كوبا، اعتراضا على النظام السياسي الذي يقوده والدها. وفي 25/9/2006 عينتها شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية الشهيرة كمساهمة في الشبكة، ووعدت ألينا على أثر ذلك أن تفجر في أحد البرامج التلفزيونية عددا من المفاجآت والمعلومات حول قصة مرض والدها، وكيف نجح في أن يمسك بمقاليد السلطة في كوبا.
ألينا فرنانديز، عاشت منذ طفولتها في باريس وحتى سن المراهقة لم يعرفها أحد، وهي واحدة من 8 أخوات غير شقيقات وأمها، ناتاليا ريفويلتا، التي تزوجت طبيبا كوبيا أعطى للطفلة اسمه ليمحو كل أثر لكاسترو في ابنته المولودة من علاقة خارج الزواج. وألينا مصابة بعقم يمنعها من الإنجاب، لكنها مزواجة تزوجت 4 مرات، وحملت كاسترو على رفض حضور زواجها الأخير في هافانا قبل 15 سنة، حين أرسل من يبلغها بأن لا تعلمه بطلاقها «إذا ما حدث» وفق ما ذكرته في كتاب «ألينا، مذكرات ابنة فيدل كاسترو» الصادر بعد طلاقها وفرارها أواخر 1993م الى ميامي مع طفلة تبنتها، وتعيش معها الآن في المدينة.
وفي 22 صفـر 1423 هـ الموافق 4 مايو 2002 م اكتشف الكوبيون بالصدفة أكبر سر في حياة كاسترو وهي زوجته الأخيرة «داليا سوتو دل فاللي» التي ظهرت، لأول مرة في صورة التقطها مصور بالصدفة قبل أربعة أيام من هذا التاريخ ثم باعها لوكالة أنباء مع صور أخرى عن احتفالات عيد العمال بهافانا، من دون أن يدري أنها لداليا سوتو دل فاللي، المرأة التي يشك في وجودها الكوبيون، ممن لا يعرف معظمهم اذا كان كاسترو متزوجا في الحقيقة أم لا.
وكاسترو ضرب الأرقام القياسية في عدد الصديقات، لكنه تزوج رسميا مرتين في حياته فقط، ورزق من خارج الزواج الشرعي بأبناء عددهم غير معروف، وهم طلاسم والغاز حتى لزوجته وأبنائه منها ومن سواها والأشقاء والأقرباء. والزوجة الأولى لكاسترو هي ميرتا دياس بالارت، وهي أم فيديليتو ابنه البكر الذي سبق ذكره، كان والدها سليل عائلة ثرية ووزير دولة بكوبا قبل وصول فيدل للسلطة، طلقها كاسترو عام 1950 م بعد زواج استمر عامين.
أما زوجته الثانية فهي سوتو التي أنجب منها ابنه آنجل، البالغ عمره 37 سنة، ولاشيء معروف عنه سوى أنه أنهى قبل سنتين دراسته للطب بجامعة هافانا، من دون أن يعرفه العاملون فيها أو الطلاب. يليه أليكسيس، المتخرج بالكومبيوتر. ثم أنطونيو، وعمره 31 سنة، ثم أليخاندرو، المعروف بأنه الوحيد الذي يحمل هذا الاسم تيمنا بالقائد اليوناني، الاسكندر المقدوني. أما إخوته الأربعة، فليست أسماؤهم إلا ألقابا قديمة استخدمها كاسترو لنفسه خلال ثورته في الخمسينات، ثم أطلقها عليهم كأسماء ليزيد من صعوبة التعرف اليهم بعد أن استخرج لهم وثائق ولادة باسم والدتهم، للتمويه.
عشيقته حاولت قتله
ولكاسترو عشيقة قديمة، اسمها مارينا شاتنر، عاش معها 8 أشهر في بداية الستينات بهافانا «لكن المخابرات اكتشفت أنها كانت عميلة للأمريكيين»، فطردها واختفى لها كل أثر، حتى ظهرت عام 1991 م وألفت كتابا بعنوان «عزيزي فيدل.. حياتي، حبي وخيانتي» في برلين، حيث تقيم. وروت شاتنر في الكتاب كيف تعرفت الى كاسترو، وهي بعمر 19 سنة في 1959م على متن مركب اسمه «برلين» وقبطانه كان والدها. وكان لقاء مارينا وكاسترو من تدبير أم مارينا وتدعى إليس وكانت تعمل لصالح المخابرات المركزية الأمريكية وساعدت على تجنيد ابنتها للمساعدة في قتل كاسترو. وقد حملت مارينا من كاسترو لكن هذا الأخير أجبرها على الإجهاض.
وبعد إجهاض مارينا عانت من متاعب صحية فاتجهت إلى نيويورك للعلاج حيث تم تشخيص حالتها بأنها عملية إجهاض تم إجراؤها بطريقة غير سليمة عادت مارينا إلى واشنطن لتعتذر للمخابرات الأمريكية عن فشلها لأداء المهمة ولتسأل عن طريقة جديدة لقتله ولكنهم قالوا لها: لم نعد بحاجة إليك فقد أصدر الرئيس جون كنيدي قرار تنفيذ معركة خليج الخنازير.
وفي أحد أيام شهر أغسطس من العام 1960م نشرت إليس (والدة مارينا) مقالا في عدد من الصحف والمجلات الأمريكية بعنوان (كاسترو اغتصب ابنتي المراهقة)، وظل سر علاقة كاسترو بمارينا غامضا حتى انكشف العام 1992 م حينما كتبت مارينا كتابا تحكي فيه قصتها.
شبابه الثوري
في السابع والعشرين من أكتوبر العام 1492م، وصل كريستوف كولومبوس الى جزيرة كوبا عبر جزيرة باراي الموجودة في المنطقة التي تحمل اليوم اسم محافظة هوليغن.
وفي أوائل القرن السادس عشر بدأ غزو الجزيرة واستعمارها، وكان ذلك على يد الأسبان بقيادة دييغو فيلاسكيز دي كويلار العام 1511م الذي عُيّن حاكمًا على الجزيرة والذي أسّس مدن باراكوا وسنتياغو دي كوبا (عام 1514م) وهافانا (1519م).
وفي فبراير 1895، اندلعت الثورة في كوبا بقيادة خوسيه مارتي. وفي إبريل 1898، تدخلت الولايات المتحدة التي كانت تسيطر على تجارة السكر في كوبا إلى جانب الثوار معلنة بذلك بداية الحرب الاسبانية- الأمريكية. وفي 10 ديسمبر 1898م، أبرمت معاهدة باريس التي وضعت حدًّا للنزاع والتي تخلّت اسبانيا بموجبها عن سيادتها على الجزيرة لصالح الولايات المتحدة. فشكّلت هذه الأخيرة حكومة عسكرية. وفي 20 أيار 1902م، أعلنت الجمهورية رسميًا في كوبا.
في العاشر من مارس من العام 1952 م، استولى الجنرال فولغينسيو باتيستا على السلطة عشية الانتخابات، فاعترفت به واشنطن مباشرة. وكان باتيستا الشخصية المناسبة لحماية ما يعرف بجمهورية الموز، أي أنه كان يفخر بالفساد والعنف المعلن.
في الخمسينات من القرن الماضي أي في عهد باتيستا، كان الأمريكيون يسيطرون على 90% من مناجم النيكل والأراضي الزراعية وعلى 80% من المرافق العامة وعلى 50% من السكك الحديدية كما كانوا يسيطرون مع الانكليز على صناعات النفط بأكملها.
في تلك الأثناء ترعرع كاسترو المولود في 13 أغسطس 1926م، وكان والده أنخيل كاسترو ارغيز قد ولد في غاليسيا، كان مالك اراضي ومزارع قصب السكر. والدته لينا روس غونزاليس، منحدرة من اسرة مزارع من مقاطعة بينار ديل ريو الكوبية .كان والداه يعدان من المزارعين الأثرياء.
جاء أنخيل، والد فيديل كاسترو إلى كوبا مهاجرا من إسبانيا، ويقال أنه كان أميا ولكنه بالغ الذكاء، فأنشأ مزارع لقصب السكر وتزوج من فتاة اسمها لينا. تؤكد بعض المصادر أنه جاء من أصول متواضعة ولكنه تمكن فيما بعد من كسب أموال طائلة. وقد جاء إلى كوبا كجندي يقاتل في الجيش الإسباني ضد استقلال كوبا، وبعد ذلك بقي في الجزيرة ليجمع ثروة هائلة. أي أن فيديل لم ينشأ وسط أبوين مثقفين، ولكنهما كانا يملكان ما يكفي من المال لتعليمه في المعاهد الخاصة.
تعلم كاسترو الحروف الأولى في مدرسة بيران الرسمية الريفية، وتابع التعليم الابتدائي في المدارس الكاثوليكية الخاصة دي لاسال ودولوريس، في مدينة سانتياغو دي كوبا. بدأ المرحلة الثانوية في نفس المدرسة الخاصة دولوريس وأنهاها في مدرسة بيلين للآباء اليسوعيين، في هافانا ، حيث تخرج بشهادة بكالوريوس في الآداب في يونيو 1945م. تميز كرياضي في السنوات الأخيرة من الدراسة الثانوية، وفي العام1945م، التحق بجامعة هافانا حيث درس القانون وتخرج منها العام 1950م. ثم عمل كمحامٍ في مكتب محاماة صغير وكان لديه طموح في الوصول إلى البرلمان الكوبي إلا أن الانقلاب الذي قاده فولغينسيو باتيستا عمل على إلغاء الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها.
برز فيديل كاسترو في تلك المدارس بالرياضة والخطابة. وقد نشأ في مجتمع منقسم بين حفنة ضئيلة من الأثرياء البيض على وجه الخصوص وغالبية فقيرة غالبيتها من المواطنين السود هم أحفاد العبيد الذين عملوا في زراعة قصب السكر. ثم أخذ فيديل كاسترو يبرز كوطني إصلاحي أثناء دراسة المحاماة في جامعة هافانا. كافح مع الطلبة في سبيل الدستور، وكردة فعل احتجاجية أكثر قوة على الأوضاع في كوبا في ذلك الوقت، شكّل كاسترو قوّة قتالية وهاجم إحدى الثكنات العسكرية وأسفر هذا الهجوم عن سقوط 80 من أتباعه وإلقاء القبض على كاسترو، في السادس والعشرين من يوليو من عام ثلاثة وخمسين. وعقب كاسترو على تلك الحادثة بالقول: «أردنا إثارة نهوض على المستوى الوطني لإطاحة باتيستا. وإن لم نتمكن من إثارة النهوض الوطني، وإن استطاع باتيستا الرد بقوة أكبر على مهاجمتنا لسنتياغو، كنا نفكر بالاستيلاء على الأسلحة وإعلان حرب عصابات من الجبال المجاورة».
قطعت وحدات باتيستا الطريق عليهم، وبالكاد استطاع فيديل النجاة بنفسه. لم يتحقق أي هدف عسكري، ولكنه برز كزعيم مناهض لحكومة باتيستا الصديق المقرب لواشنطن.
حكمت المحكمة على كاسترو بالسجن 15 عاماً وأطلق سراحه في عفو عام في مايو 1955م، اختفى بعدها في المنفى بين المكسيك والولايات المتحدة.
لقاؤه بجيفارا في المكسيك
كان تشي جيفارا المولود في الأرجنتين أحد الثوريين في تلك الفترة، وقد جاب دول أمريكا اللاتينية في إطار الثورة على المستعمرين هناك. وكانت الإطاحة بالحكومة الغواتيمالية العام 1954م بانقلاب عسكري مدعوم من قبل وكالة الإستخبارات الأمريكية، سببا في سفر جيفارا إلى المكسيك بعدما حذرته السفارة الأرجنتينية من أنه مطلوب من قبل المخابرات الأمريكية، التقى هناك راؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه وبدأوا يجهزون للثورة و ينتظرون خروج فيديل كاسترو من سجنه في كوبا، ما ان خرج فيديل من السجن وتم نفيه الى المكسيك حتى قرر جيفارا الانضمام إلى الثورة الكوبية فقد نظر إليه فيديل كاسترو كطبيب هم في أمس الحاجة إليه.
غادر «جيفارا» جواتيمالا إثر سقوط النظام الشعبي فيها بفعل الضربات الاستعمارية التي دعمتها الولايات المتحدة، مصطحبا زوجته إلى المكسيك التي كانت آنذاك ملجأ جميع الثوار في أمريكا اللاتينية.
كان قيام الانقلاب العسكري في كوبا في 10 مارس 1952م سبب تعارف جيفارا بكاسترو الذي يذكره في يومياته قائلا: «جاء فيدل كاسترو إلى المكسيك باحثا عن أرض حيادية من أجل تهيئة رجاله للعمل الحاسم».. وهكذا التقى الاثنان، وعلى حين كان كاسترو يؤمن أنه من المحررين، فإن جيفارا كان دوما يردد مقولته: «المحررون لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها». واتفق الاثنان على مبدأ «الكف عن التباكي، وبدء المقاومة».
وعلى متن قارب شراعي، أبحر كاسترو ورفاقه من المكسيك إلى كوبا وسُميت زمرته بحركة 26 يوليو، وأعرب كاسترو عن تبنيه لفكر الرئيس الأمريكي توماس جيفيرسون والرئيس أبراهام لينكولن فيما يتعلق بنظام العمل ورأس المال ورفضه لتأميم أي من الصناعات المحلية.
تحرك كاسترو عسكرياً مرة أخرى مع حفنة من الرجال في 2 ديسمبر 1956م، واستطاع الانسحاب إلى الجبال، وعمل على ترتيب صفوفه وشن حرب عصابات من الجبال على الحكومة الكوبية. وبتأييد شعبي، وانضمام رجال القوات المسلحة الكوبية إلى صفوفه، وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين. استطاع كاسترو أن يشكل ضغطاً على حكومة هافانا مما اضطر رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية إلى الهرب من العاصمة في 1 يناير 1959م وسيطر كاسترو وأعوانه على العاصمة هافانا، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب «تشي» يعني رفيق السلاح، وتزوج من زوجته الثانية «إليدا مارش»، وأنجب منها أربعة أبناء بعدما طلّق زوجته الأولى.
وكان كاسترو غالبا القارئ الأول لمخطوطات روايات ماركيز، ويبدي ملاحظات صائبة عنها، وقد اعترف ماركيز انه صوب بعض أخطائه بشأن نوع من السلاح في روايته (الجنرال في متاهته)، وبعد أن قرأها لم يستطع كاسترو ان يكبح حبه للأدب واعترف لإحدى الصحف الكولومبية بأنه لو كان هناك تناسخ ارواح لتمنى ان يكون كاتبا مثل صديقه ماركيز.ويعترف بان ماركيز قد وضعه على طريق القراءة التي وصفها بـ (السريعة) لأفضل الكتب مبيعا.
كاسترو خطيب مفوه يعرف بالخطب المطولة ويخطب 7 ساعات متواصلة، وعندما خطب مرة مبتدئا كلامه بأنه لا يريد أن يطيل الكلام خطب ساعتين. وتعود علاقة كاسترو بالخطابة إلى فترة الثورة فقد كان يعتمد على الإذاعة في تلاوة البيانات العسكرية خلال حربه مع باتيستا وقد نقل عن روبيرتو سالاس مصور فيديل الشخصي قوله: «أعتقد أنه لو لم يكن محاميا وقائدا للثورة لكان من أصحاب شركات الإعلانات في وول ستريت. لأنه بارع جدا في هذا المجال».
تعرض كاسترو لأكثر من 600 محاولة اغتيال حسب تصريح فرناندو ريميريز دي إيستينوز، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي ورئيس مكتب العلاقات الدولية، احداها ساهمت فيها عشيقته الأولى وتدعى مارينا شاتنر.
إلا أن المفارقة الغريبة في حياة فيدل كاسترو الذي حكم كوبا 49 عاما، وجابت شهرته الآفاق، أن الكوبيين لايعرفون عدد أبنائه ولا زوجاته ولا أحفاده، حتى الآن، ولم يشتهر من أبنائه إلا ابنته «ألينا فيرنانديز ريفويلتا» التي تنكرت له وعاشت في أمريكا منذ العام 1993م، وابنه فيديليتو (تصغير فيدل) أو فيدل كاسترو دياس بالارت، من مواليد 1949م ومن زوجته الأولى، والذي درس الفيزياء النووية العام 1973 في جامعة موسكو، حيث درس متنكرا باسم راوول خوسيه فرناندس قبل أن يصبح رئيسا لهيئة الطاقة النووية بهافانا من 1979 إلى 1992.
ابنته التي تنكرت له
في العام 1993 تنكرت ألينا فيرنانديز ابنة كاسترو في شخصية سائحة إسبانية بجواز سفر أسباني لكي تتمكن من مغادرة كوبا، اعتراضا على النظام السياسي الذي يقوده والدها. وفي 25/9/2006 عينتها شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية الشهيرة كمساهمة في الشبكة، ووعدت ألينا على أثر ذلك أن تفجر في أحد البرامج التلفزيونية عددا من المفاجآت والمعلومات حول قصة مرض والدها، وكيف نجح في أن يمسك بمقاليد السلطة في كوبا.
ألينا فرنانديز، عاشت منذ طفولتها في باريس وحتى سن المراهقة لم يعرفها أحد، وهي واحدة من 8 أخوات غير شقيقات وأمها، ناتاليا ريفويلتا، التي تزوجت طبيبا كوبيا أعطى للطفلة اسمه ليمحو كل أثر لكاسترو في ابنته المولودة من علاقة خارج الزواج. وألينا مصابة بعقم يمنعها من الإنجاب، لكنها مزواجة تزوجت 4 مرات، وحملت كاسترو على رفض حضور زواجها الأخير في هافانا قبل 15 سنة، حين أرسل من يبلغها بأن لا تعلمه بطلاقها «إذا ما حدث» وفق ما ذكرته في كتاب «ألينا، مذكرات ابنة فيدل كاسترو» الصادر بعد طلاقها وفرارها أواخر 1993م الى ميامي مع طفلة تبنتها، وتعيش معها الآن في المدينة.
وفي 22 صفـر 1423 هـ الموافق 4 مايو 2002 م اكتشف الكوبيون بالصدفة أكبر سر في حياة كاسترو وهي زوجته الأخيرة «داليا سوتو دل فاللي» التي ظهرت، لأول مرة في صورة التقطها مصور بالصدفة قبل أربعة أيام من هذا التاريخ ثم باعها لوكالة أنباء مع صور أخرى عن احتفالات عيد العمال بهافانا، من دون أن يدري أنها لداليا سوتو دل فاللي، المرأة التي يشك في وجودها الكوبيون، ممن لا يعرف معظمهم اذا كان كاسترو متزوجا في الحقيقة أم لا.
وكاسترو ضرب الأرقام القياسية في عدد الصديقات، لكنه تزوج رسميا مرتين في حياته فقط، ورزق من خارج الزواج الشرعي بأبناء عددهم غير معروف، وهم طلاسم والغاز حتى لزوجته وأبنائه منها ومن سواها والأشقاء والأقرباء. والزوجة الأولى لكاسترو هي ميرتا دياس بالارت، وهي أم فيديليتو ابنه البكر الذي سبق ذكره، كان والدها سليل عائلة ثرية ووزير دولة بكوبا قبل وصول فيدل للسلطة، طلقها كاسترو عام 1950 م بعد زواج استمر عامين.
أما زوجته الثانية فهي سوتو التي أنجب منها ابنه آنجل، البالغ عمره 37 سنة، ولاشيء معروف عنه سوى أنه أنهى قبل سنتين دراسته للطب بجامعة هافانا، من دون أن يعرفه العاملون فيها أو الطلاب. يليه أليكسيس، المتخرج بالكومبيوتر. ثم أنطونيو، وعمره 31 سنة، ثم أليخاندرو، المعروف بأنه الوحيد الذي يحمل هذا الاسم تيمنا بالقائد اليوناني، الاسكندر المقدوني. أما إخوته الأربعة، فليست أسماؤهم إلا ألقابا قديمة استخدمها كاسترو لنفسه خلال ثورته في الخمسينات، ثم أطلقها عليهم كأسماء ليزيد من صعوبة التعرف اليهم بعد أن استخرج لهم وثائق ولادة باسم والدتهم، للتمويه.
عشيقته حاولت قتله
ولكاسترو عشيقة قديمة، اسمها مارينا شاتنر، عاش معها 8 أشهر في بداية الستينات بهافانا «لكن المخابرات اكتشفت أنها كانت عميلة للأمريكيين»، فطردها واختفى لها كل أثر، حتى ظهرت عام 1991 م وألفت كتابا بعنوان «عزيزي فيدل.. حياتي، حبي وخيانتي» في برلين، حيث تقيم. وروت شاتنر في الكتاب كيف تعرفت الى كاسترو، وهي بعمر 19 سنة في 1959م على متن مركب اسمه «برلين» وقبطانه كان والدها. وكان لقاء مارينا وكاسترو من تدبير أم مارينا وتدعى إليس وكانت تعمل لصالح المخابرات المركزية الأمريكية وساعدت على تجنيد ابنتها للمساعدة في قتل كاسترو. وقد حملت مارينا من كاسترو لكن هذا الأخير أجبرها على الإجهاض.
وبعد إجهاض مارينا عانت من متاعب صحية فاتجهت إلى نيويورك للعلاج حيث تم تشخيص حالتها بأنها عملية إجهاض تم إجراؤها بطريقة غير سليمة عادت مارينا إلى واشنطن لتعتذر للمخابرات الأمريكية عن فشلها لأداء المهمة ولتسأل عن طريقة جديدة لقتله ولكنهم قالوا لها: لم نعد بحاجة إليك فقد أصدر الرئيس جون كنيدي قرار تنفيذ معركة خليج الخنازير.
وفي أحد أيام شهر أغسطس من العام 1960م نشرت إليس (والدة مارينا) مقالا في عدد من الصحف والمجلات الأمريكية بعنوان (كاسترو اغتصب ابنتي المراهقة)، وظل سر علاقة كاسترو بمارينا غامضا حتى انكشف العام 1992 م حينما كتبت مارينا كتابا تحكي فيه قصتها.
شبابه الثوري
في السابع والعشرين من أكتوبر العام 1492م، وصل كريستوف كولومبوس الى جزيرة كوبا عبر جزيرة باراي الموجودة في المنطقة التي تحمل اليوم اسم محافظة هوليغن.
وفي أوائل القرن السادس عشر بدأ غزو الجزيرة واستعمارها، وكان ذلك على يد الأسبان بقيادة دييغو فيلاسكيز دي كويلار العام 1511م الذي عُيّن حاكمًا على الجزيرة والذي أسّس مدن باراكوا وسنتياغو دي كوبا (عام 1514م) وهافانا (1519م).
وفي فبراير 1895، اندلعت الثورة في كوبا بقيادة خوسيه مارتي. وفي إبريل 1898، تدخلت الولايات المتحدة التي كانت تسيطر على تجارة السكر في كوبا إلى جانب الثوار معلنة بذلك بداية الحرب الاسبانية- الأمريكية. وفي 10 ديسمبر 1898م، أبرمت معاهدة باريس التي وضعت حدًّا للنزاع والتي تخلّت اسبانيا بموجبها عن سيادتها على الجزيرة لصالح الولايات المتحدة. فشكّلت هذه الأخيرة حكومة عسكرية. وفي 20 أيار 1902م، أعلنت الجمهورية رسميًا في كوبا.
في العاشر من مارس من العام 1952 م، استولى الجنرال فولغينسيو باتيستا على السلطة عشية الانتخابات، فاعترفت به واشنطن مباشرة. وكان باتيستا الشخصية المناسبة لحماية ما يعرف بجمهورية الموز، أي أنه كان يفخر بالفساد والعنف المعلن.
في الخمسينات من القرن الماضي أي في عهد باتيستا، كان الأمريكيون يسيطرون على 90% من مناجم النيكل والأراضي الزراعية وعلى 80% من المرافق العامة وعلى 50% من السكك الحديدية كما كانوا يسيطرون مع الانكليز على صناعات النفط بأكملها.
في تلك الأثناء ترعرع كاسترو المولود في 13 أغسطس 1926م، وكان والده أنخيل كاسترو ارغيز قد ولد في غاليسيا، كان مالك اراضي ومزارع قصب السكر. والدته لينا روس غونزاليس، منحدرة من اسرة مزارع من مقاطعة بينار ديل ريو الكوبية .كان والداه يعدان من المزارعين الأثرياء.
جاء أنخيل، والد فيديل كاسترو إلى كوبا مهاجرا من إسبانيا، ويقال أنه كان أميا ولكنه بالغ الذكاء، فأنشأ مزارع لقصب السكر وتزوج من فتاة اسمها لينا. تؤكد بعض المصادر أنه جاء من أصول متواضعة ولكنه تمكن فيما بعد من كسب أموال طائلة. وقد جاء إلى كوبا كجندي يقاتل في الجيش الإسباني ضد استقلال كوبا، وبعد ذلك بقي في الجزيرة ليجمع ثروة هائلة. أي أن فيديل لم ينشأ وسط أبوين مثقفين، ولكنهما كانا يملكان ما يكفي من المال لتعليمه في المعاهد الخاصة.
تعلم كاسترو الحروف الأولى في مدرسة بيران الرسمية الريفية، وتابع التعليم الابتدائي في المدارس الكاثوليكية الخاصة دي لاسال ودولوريس، في مدينة سانتياغو دي كوبا. بدأ المرحلة الثانوية في نفس المدرسة الخاصة دولوريس وأنهاها في مدرسة بيلين للآباء اليسوعيين، في هافانا ، حيث تخرج بشهادة بكالوريوس في الآداب في يونيو 1945م. تميز كرياضي في السنوات الأخيرة من الدراسة الثانوية، وفي العام1945م، التحق بجامعة هافانا حيث درس القانون وتخرج منها العام 1950م. ثم عمل كمحامٍ في مكتب محاماة صغير وكان لديه طموح في الوصول إلى البرلمان الكوبي إلا أن الانقلاب الذي قاده فولغينسيو باتيستا عمل على إلغاء الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها.
برز فيديل كاسترو في تلك المدارس بالرياضة والخطابة. وقد نشأ في مجتمع منقسم بين حفنة ضئيلة من الأثرياء البيض على وجه الخصوص وغالبية فقيرة غالبيتها من المواطنين السود هم أحفاد العبيد الذين عملوا في زراعة قصب السكر. ثم أخذ فيديل كاسترو يبرز كوطني إصلاحي أثناء دراسة المحاماة في جامعة هافانا. كافح مع الطلبة في سبيل الدستور، وكردة فعل احتجاجية أكثر قوة على الأوضاع في كوبا في ذلك الوقت، شكّل كاسترو قوّة قتالية وهاجم إحدى الثكنات العسكرية وأسفر هذا الهجوم عن سقوط 80 من أتباعه وإلقاء القبض على كاسترو، في السادس والعشرين من يوليو من عام ثلاثة وخمسين. وعقب كاسترو على تلك الحادثة بالقول: «أردنا إثارة نهوض على المستوى الوطني لإطاحة باتيستا. وإن لم نتمكن من إثارة النهوض الوطني، وإن استطاع باتيستا الرد بقوة أكبر على مهاجمتنا لسنتياغو، كنا نفكر بالاستيلاء على الأسلحة وإعلان حرب عصابات من الجبال المجاورة».
قطعت وحدات باتيستا الطريق عليهم، وبالكاد استطاع فيديل النجاة بنفسه. لم يتحقق أي هدف عسكري، ولكنه برز كزعيم مناهض لحكومة باتيستا الصديق المقرب لواشنطن.
حكمت المحكمة على كاسترو بالسجن 15 عاماً وأطلق سراحه في عفو عام في مايو 1955م، اختفى بعدها في المنفى بين المكسيك والولايات المتحدة.
لقاؤه بجيفارا في المكسيك
كان تشي جيفارا المولود في الأرجنتين أحد الثوريين في تلك الفترة، وقد جاب دول أمريكا اللاتينية في إطار الثورة على المستعمرين هناك. وكانت الإطاحة بالحكومة الغواتيمالية العام 1954م بانقلاب عسكري مدعوم من قبل وكالة الإستخبارات الأمريكية، سببا في سفر جيفارا إلى المكسيك بعدما حذرته السفارة الأرجنتينية من أنه مطلوب من قبل المخابرات الأمريكية، التقى هناك راؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه وبدأوا يجهزون للثورة و ينتظرون خروج فيديل كاسترو من سجنه في كوبا، ما ان خرج فيديل من السجن وتم نفيه الى المكسيك حتى قرر جيفارا الانضمام إلى الثورة الكوبية فقد نظر إليه فيديل كاسترو كطبيب هم في أمس الحاجة إليه.
غادر «جيفارا» جواتيمالا إثر سقوط النظام الشعبي فيها بفعل الضربات الاستعمارية التي دعمتها الولايات المتحدة، مصطحبا زوجته إلى المكسيك التي كانت آنذاك ملجأ جميع الثوار في أمريكا اللاتينية.
كان قيام الانقلاب العسكري في كوبا في 10 مارس 1952م سبب تعارف جيفارا بكاسترو الذي يذكره في يومياته قائلا: «جاء فيدل كاسترو إلى المكسيك باحثا عن أرض حيادية من أجل تهيئة رجاله للعمل الحاسم».. وهكذا التقى الاثنان، وعلى حين كان كاسترو يؤمن أنه من المحررين، فإن جيفارا كان دوما يردد مقولته: «المحررون لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها هي التي تحرر نفسها». واتفق الاثنان على مبدأ «الكف عن التباكي، وبدء المقاومة».
وعلى متن قارب شراعي، أبحر كاسترو ورفاقه من المكسيك إلى كوبا وسُميت زمرته بحركة 26 يوليو، وأعرب كاسترو عن تبنيه لفكر الرئيس الأمريكي توماس جيفيرسون والرئيس أبراهام لينكولن فيما يتعلق بنظام العمل ورأس المال ورفضه لتأميم أي من الصناعات المحلية.
تحرك كاسترو عسكرياً مرة أخرى مع حفنة من الرجال في 2 ديسمبر 1956م، واستطاع الانسحاب إلى الجبال، وعمل على ترتيب صفوفه وشن حرب عصابات من الجبال على الحكومة الكوبية. وبتأييد شعبي، وانضمام رجال القوات المسلحة الكوبية إلى صفوفه، وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين. استطاع كاسترو أن يشكل ضغطاً على حكومة هافانا مما اضطر رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية إلى الهرب من العاصمة في 1 يناير 1959م وسيطر كاسترو وأعوانه على العاصمة هافانا، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب «تشي» يعني رفيق السلاح، وتزوج من زوجته الثانية «إليدا مارش»، وأنجب منها أربعة أبناء بعدما طلّق زوجته الأولى.